فتش حقائبك بصدق
مارس معظمنا في الآونة الأخيرة تجربة إعداد حقائب السفر، واستغرقت كثيرا من لحظات التردد والحيرة بين ما يضع وما يدع، وما الأمتعة الأهم وجودها في رحلتنا؟ وما جدوى كل قطعة منها؟ وانتابتنا مشاعر صراع بين زيادة المتعلقات أو التخلي عن متعة سرعة التنقل وخفة الحمولة وسهولة الحركة.
ولو آمنا بأن حياتنا ما هي إلا رحلة قصيرة، ومع قطع مراحل كثيرة على طريق الحياة فيمكننا حينئذ أن نتفحص أحمالنا التي يحملها كل منا على عاتقه، وأن نقوم بعملية جرد للأمتعة حتى نقرر: ما الذي سنحمله معنا؟ وما الذي سنتركه وراءنا؟ وكيف سنحمل ذلك؟
غالبا ما يتم اتخاذ هذه القرارات في ضوء عناصر الحياة الثلاثة الأهم، وهي: العمل والعلاقات والمكان، أو بترجمة أوضح: ما أسلوب حياتك؟ ولماذا اخترت هذا الأسلوب؟ ما مقدار العمل الذي تود بذله؟ ما نوعية وكم العلاقات؟ كم عدد الممتلكات؟ ما المكان الذي يناسبك للعيش فيه؟
إن الإفراط في تحمل أعباء العمل والناس والممتلكات سيثقل كاهلنا لدرجة تجعلنا نشعر بالإرهاق والانهيار، فنتخلى عن مسؤولياتنا قبل بلوغ غاياتنا.. كما أن التفريط في ذلك يجعل فرصنا تتضاءل في بلوغ ما نصبوا إليه من أهداف.
وبناء عليه، فإن أملنا الوحيد في إدراك النجاح هو أن نحمل المقدار المطلوب والضروري من الأحمال من غير إفراط ولا تفريط، ومن ثم نسعى إلى إيجاد أفضل السبل لحمل تلك الأعباء، وحتى تنجح عملية الجرد فإن ذلك يستلزم أن نضع في الاعتبار ما هي وجهتنا؟ وكيفية الذهاب إليها؟ أين نحن الآن؟ وكيف وصلنا؟ وهل ما زالت خيارات الماضي سارية المفعول وصالحة للتطبيق في الحاضر والمستقبل؟
إن القيام بجرد الأمتعة عملية مستمرة يجب أن نجريها مرارا وتكرارا ما دام القلب ينبض، وما دامت لدينا الرغبة في الحفاظ على الشعور بالحياة الحقيقية، لأن الحياة الطيبة هي رحلة ومسار لا نقطة نحرزها وتظل في حوزتنا، لكنها تعني السعي المتواصل طوال رحلة عمرنا وبلا انقطاع.
إنها الحقيقة المرة، فلا بد لإدراك الحياة الجيدة من وقت مستقطع للحوار الصادق مع النفس والإذعان لما تحدثنا به، وذلك يتطلب التحرر من الأقنعة الزائفة التي نختبئ وراءها أمام الآخرين، وامتلاك الجراءة الكافية لإعادة ترتيب حقائب الماضي للتخلص من القديم والاحتفاظ بالمهم فقط، ولا تتحقق الطفرات الشخصية والإنجازات العملاقة إلا نتيجة لحظة معينة يتحرر فيها الإنسان من الاقتراحات المسبقة للعيش وأساليب النجاح المعلبة، ويخوض بشجاعة روحه في منظور جديد للحياة الطيبة.