تزايد دور القطاع العام في الاقتصاد السعودي

ربما خلافا للرغبات الفعلية للقائمين على الشأن الاقتصادي في السعودية، تشير أحدث الإحصاءات إلى تعزيز، وليس تقليص، الأهمية النسبية للقطاع العام في الاقتصاد السعودي. فقد شكلت النفقات الحكومية 39 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2009، مقارنة بما نسبته 33 في المائة في 2008.
تداعيات الأزمة المالية العالمية هي السبب الأول وراء هذا التطور. توصيات مجموعة العشرين، التي تتمتع السعودية بعضويتها دون سائر الدول العربية، كانت وما زالت تؤكد أهمية أخذ القطاع العام زمام المبادرة للتكيف مع الأزمة عبر زيادة المصروفات. ومن شأن خطوة كهذه تشجيع قيام مستثمري القطاع الخاص، فضلا عن المستهلكين، بخطوات مماثلة، الأمر الذي يخدم الدورة الاقتصادية، ما يعني عمليا إمكانية القضاء على سلبية رئيسة للأزمة المالية العالمية. وكانت الأزمة المالية العالمية، التي كشف عنها النقاب بشكل جلي في صيف عام 2008، أي قبل سنتين، قد تسببت في إيجاد أزمة ثقة بالاقتصاد العالمي.

زيادة النفقات العامة
تحديدا هناك سبب جوهري لما حدث من تغيير في تركيبة الاقتصاد السعودي في عام 2009، أي نمو المصروفات الحكومية. فقد تم إعداد ميزانية السنة المالية 2009 على أساس مصروفات قدرها 126 مليار دولار بزيادة 14 في المائة عن النفقات المقدرة أصلا لميزانية 2008. وفي نهاية المطاف، بلغت النفقات الفعلية لعام 2009 تحديدا 147 مليار دولار. بل يزيد حجم النفقات الفعلية للسنة المالية 2009 على الميزانية الأصلية المرصودة لعام 2010 وقدرها 144 مليار دولار.
وفي الوقت نفسه، تراجع حجم الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للسعودية لعام 2009 بواقع 22 في المائة، حيث بلغ 375 مليار دولار. اللافت في هذا الأمر تقديم الجهات الرسمية هذه المعلومة الاستراتيجية، الأمر الذي يعزز صدقية الأرقام الصادرة من المؤسسات الرسمية السعودية. وحدث هذا التطور السلبي نظرا إلى تذبذب أسعار النفط، التي بدورها تراجعت من 147 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) 2008 إلى نحو 35 دولارا للبرميل في الربع الأول من عام 2009 بسبب أزمة الثقة التي أوجدتها الأزمة المالية العالمية. يلعب القطاع النفطي دورا محوريا في الاقتصاد السعودي، حيث يشكل نحو ثلثي إيرادات الخزانة العامة والصادرات وأكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي.

توقعات صندوق النقد الدولي
في المحصلة، تسببت زيادة النفقات الحكومية من جهة وتراجع حجم الناتج المحلي الإجمالي من جهة أخرى في تعزيز الأهمية النسبية للقطاع العام في الاقتصاد السعودي في عام 2009. لكن ليس من المستبعد تراجع دور القطاع العام لمصلحة القطاع الخاص بعد الكشف عن نتائج 2010 لأسباب مختلفة، منها بقاء أسعار النفط مرتفعة نسبيا خلال النصف الأول للعام الجاري. في المقابل، جربت أسعار النفط لفترة من عدم الاستقرار في جانب من 2008 و2009 في خضم التكيف مع الأزمة المالية العالمية.
حديثا أصدر صندوق النقد الدولي تقريرا أشار فيه إلى فرضية نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة 3.7 في المائة في عام الجاري، فضلا عن 4 في المائة في 2011. وقد بنى صندوق النقد الدولي جانبا من توقعاته على خلفية تعزيز مستوى النفقات العامة في ميزانية 2009 و2010. كما افترض التقرير بقاء أسعار النفط مرتفعة نسبيا خلال عامي 2010 و2011.

عودة التضخم
بيد أنه هناك جانب سلبي يمكن توقعه عند حدوث ارتفاع لمستوى المصروفات، فلكل شيء ثمنه، والثمن هنا عبارة عن عودة شبح التضخم للاقتصاد السعودي بسبب ظاهرة ارتفاع نفقات القطاع العام وما يعني ذلك من ارتفاع للطلب في ظل عدم حدوث نمو مماثل للعرض. حديثا كشفت إحصاءات رسمية عن تسجيل نسبة تضخم قدرها 5.5 في المائة في حزيران (يونيو) الماضي مقارنة بـ3.5 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2009. بل ليس من المستبعد حدوث ارتفاع أكبر للمؤشر خلال شهر رمضان المبارك في الفترة ما بين آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر)، حيث يزداد الطلب على مختلف المنتجات والخدمات. المقابل، لا يمكن مقارنة مستوى التضخم لحزيران (يونيو) مع أعلى نسبة تضخم جربها الاقتصاد السعودي أي 11.1 في المائة في تموز (يوليو) 2008. ختاما، بات ممكنا الآن تفهم بعض الأسباب التي دعت وكالة موديز لخدمات المستثمرين في وقت سابق من العام الجاري لرفع المستوى الائتماني للديون السيادية الصادرة بالنقدين المحلي والأجنبي في السعودية من A1 إلى Aa3. كما نفذت "موديز" الخطوة نفسها للسقف الائتماني لإيداعات البنوك بالعملة الأجنبية. تعتبر الدرجة Aa3 رابع أفضل درجة ائتمانية في مقاييس موديز التي تحتل مكانة الصدارة بين مؤسسات الائتمان على مستوى العالم بالنظر لصعوبة حصول الدول والمؤسسات على درجات ائتمانية مرتفعة نسبيا.
المؤكد أن إيجابيات ظاهرة تعزيز النفقات العامة أكثر من السلبيات، خصوصا أوقات الأزمات المالية كما هو الحال مع الأزمة المالية العالمية، التي ظهرت كشبح يهدد رفاهية الاقتصادات في جميع أرجاء المعمورة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي