إجراءات سعودية لتقويض عمليات الاحتيال المالي
القرار الحكومي الأخير الصادر بأمر من الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بإدراج قضايا الاحتيال المالي، ضمن قائمة الجرائم الموجبة للتوقيف، وربط الإفراج فيها بإنهاء الحقوق، يعد خطوة احترازية إضافية في الاتجاه الصحيح، لمكافحة انتشار عمليات الاحتيال المالي في السعودية.
هذا الإجراء الحكومي الحصيف، الذي نشرت خبرا عنه صحيفة ''عكاظ'' في العدد 16029، يعد أيضاً خطوة مكملة لجهود المملكة الحثيثة الرامية إلى ضمان سلامة التعاملات المالية، التي تتم في البلاد، سواء تلك التي تتم بين الأفراد أو التي تتم بين المؤسسات أو التي تتم بين الأفراد والمؤسسات، وتجنيبها أن تكون عرضة لإحدى طرق وأساليب الاحتيال والنصب المالي من قبل ضعاف النفوس، ولا سيما أن ذلك الإجراء يصنف قضايا الاحتيال المالي ويتعامل معها، على أساس أنها أحد أنواع الجرائم التي تضمنها قرار وزير الداخلية رقم 1900 الصادر في التاسع من شهر رجب من عام 1428هـ، حيال تحديد الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف بحسب نظام الإجراءات الجزائية، التي من بين أبرزها: القتل العمد أو شبه العمد، الإرهاب، جرائم أمن الدولة، المخدرات، الأسلحة والذخائر، وتزييف العملة وتقليد النقود.
يتوقع لهذا الإجراء الجديد أن يقلل بشكل ملحوظ عمليات الاحتيال والنصب المالي في المملكة، التي تسببت خلال السنوات الماضية في ضياع المدخرات والثروات الشخصية لعدد كبير من أفراد المجتمع، بسبب انصياعهم وراء وهم الثراء السريع، الذي سوق له ــــ مع الأسف الشديد ــــ عدد كبير من المحتالين والنصابين الماليين في المملكة، مستغلين في ذلك ضعف الوعي المالي والاستثماري لدى شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، والطيبة الزائدة التي يتمتع بها أفراد المجتمع السعودي، بما في ذلك إفراط الثقة بالآخرين.
''كلمة الاقتصادية'' بتاريخ 19 تموز (يوليو) 2010، تحدثت عن نوع من أنواع الاحتيال المالي والمصرفي المتمثل في الملصقات الدعائية، التي يدعي من خلالها أصحابها، تقديم خدمة سداد مديونيات البنوك نيابة عن العملاء، ومنحهم قروضا مماثلة، بشروط وأسعار تكون منافسة أكثر مقارنة بما تقوم البنوك بمنحه.
مع الأسف الشديد, أن المعنيين بهذه الملصقات الدعائية يمعنون في استغلال ضعف القدرات المالية للناس وانخفاض مستوى الوعي المالي والمصرفي لديهم، وحاجتهم الملحة إلى السيولة، بالتسويق والترويج لمثل هذه الخدمة المضللة، التي لا تستند بأي حال من الأحوال أو حتى تعمل تحت أي غطاء قانوني أو نظامي أو شرعي، وفقاً لمتطلبات المادة الثانية من نظام مراقبة البنوك الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 22/2/1386هـ، التي تحظر على أي شخص طبيعي أو اعتباري غير مرخص له طبقاً لأحكام هذا النظام أن يزاول في المملكة أي عمل من الأعمال المصرفية بصفة أساسية.
''كلمة الاقتصادية'' المذكورة، أشارت إلى أن ادعاء خدمة سداد الديون، من بين أحد أساليب الاحتيال على عملاء البنوك، التي يمارسها المحتالون للطلب من خلالها المعلومات الأساسية عن حساب العميل ومنها المعلومات السرية، من أجل استخدامها في إجراء عمليات نصب واختلاس لأموال العميل، كما أشارت ''الكلمة''، إلى موقف البنوك التجارية العاملة في السعودية تجاه هذه الظاهرة، حيث بادرت إلى تحذير عملائها من الوقوع في مغبة ومتاهات هذا النشاط غير القانوني، الذي نشأ في كنف الاحتيال والنصب المالي والمصرفي، ولعلي أشير في هذا الخصوص إلى المرحلة الثانية من حملة توعية عملاء البنوك، التي بدأت في تنفيذها البنوك السعودية قبل نحو أربعة أسابيع تحت عنوان: ''مرتاح البال''، التي تهدف إلى توعية العملاء بالاستخدامات المثلى للقنوات المصرفية الإلكترونية المختلفة، عند تنفيذ عملياتهم المصرفية، إضافة إلى الاستخدامات الآمنة لدى استخدامهم البطاقات المصرفية والبطاقات الائتمانية، حيث حذرت العملاء من خلال الحملة، بأهمية وضرورة تجاهل الإعلانات عن تسديد ومنح القروض الشخصية وللمشاريع الصادرة عن جهات وأفراد غير نظاميين وغير مرخص لهم. ومن خلال هذا المقال، أناشد جميع الصحف المحلية، التعاون مع البنوك السعودية في القضاء على هذه الظاهرة المالية السيئة والخبيثة، بعدم السماح بالنشر عن إعلانات سداد القروض، ضمن الإعلانات المبوبة، كما أشارت إلى ذلك ''كلمة الاقتصادية''، وكأنه نشاط لا غبار عليه.
خلاصة القول، إن جهود الحكومة السعودية، تعمل في جميع الاتجاهات لمكافحة جميع مظاهر الاحتيال المالي والمصرفي، بما في ذلك مكافحة عمليات غسل الأموال وعمليات تمويل الإرهاب، ما أهل المملكة لنيل شهادة دولية، منحت لها من قبل فريق العمل المالي ''فاتف''، لتبوئها المركز الأول عربياً في مكافحتها عمليات غسل الأموال وعمليات تمويل الإرهاب، واحتلالها أيضاً أحد المراكز العشرة على مستوى دول العالم للسبب نفسه، كما أن القرار الأخير الصادر من الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بإدراج قضايا الاحتيال المالي ضمن قائمة الجرائم الموجبة للتوقيف، وربط الإفراج فيها بإنهاء الحقوق، يعد خطوة إضافية للتعزيز من تلك الجهود، لكن كما أكرر باستمرار في مقالاتي، نجاح تلك الجهود سيظل أمراً مرهوناً بمدى تفاعل المواطن والمقيم في السعودية معها والاستجابة لنداءاتها، ولا سيما أن الجهات الأمنية المعنية بمكافحة ظواهر الاحتيال المالي، تبادر باستمرار للتصدي لكل ما يستجد في أساليب الاحتيال المالي وظواهره، لتبقي مدخراتنا وثروتنا الشخصية، بما في ذلك ثرواتنا الوطنية, في الحفظ والصون بتجنيبها أن تكون عرضة ــــ لا سمح الله ــــ للضياع أو الهلاك أو الاستغلال من قبل الأشرار وضعاف النفوس من الناس، والله من وراء القصد.