مشروع الهيئة السعودية للمهندسين بين الواقع والمأمول

في أحد المشاريع التي أشرف عليها، سألت إدارة الموارد البشرية عن كيفية التعامل مع المتخصصين الصحيين, من أطباء وممرضين وفنيي معامل وأشعة من حيث إجراءات التعاقد معهم أو تجديد إقاماتهم وغير ذلك من العمليات التعاقدية والفنية, وذلك من أجل التأكد من كفاءتهم وصحة شهاداتهم ـ كحد أدنى ـ. وكان ردهم أن جميع أوراق المتقدمين والمتقدمات يجب أن توثق وتدقق من قبل هيئة التخصصات الصحية في المملكة، وهو شرط مطلوب تحقيقه من عدة جهات حكومية مثل الجوازات وغيرها، بينما كان جوابهم بالنفي فيما يخص عمليات التأكد من التخصصات الأخرى، سواءً مهندسين بجميع تخصصاتهم: المدنية, الكهربائية, المعمارية, الميكانيكية, الكيماوية, الصناعية, والحاسوبية, أو فنية مساعدة ومنفذة للأعمال الهندسية والإنشائية أو مالية ومحاسبية أو قانونية وغيرها من التخصصات.
فهذه الجهة الخاصة وجميع الجهات الحكومية أوالخاصة لا تتعامل مثلاً مع الهيئة السعودية للمهندسين فيما يخص التوثيق والتأكد من كفاءة المتقدمين للأعمال الاستشارية الهندسية والمقاولات أو موظفي شركات أو مؤسسات المقاولات أو مكاتب الاستشاريين أو إدارات المشاريع في الجهات الحكومية. هناك عشرات الآلاف من المهندسين والفنيين الذين يعملون في مشاريع وطنية استراتيجية أو صيانية وتشغيلية، دون وجود أي توثيق لهم أو تحقق من كفاءتهم العلمية والفنية والمهنية مع الهيئة السعودية للمهندسين. هيئة التخصصات الصحية ما زالت في بداية عملها، ومتوقع منها كثير، لكن يجب أن نقدر ونحترم إنجازاتها المرحلية, خصوصاً في توثيق وتدقيق أوراق وكفاءات المتقدمين على الوظائف الصحية، ومنهجيتها العملية في إشراك الأطراف الأخرى ذات العلاقة والمستفيدة من خدماتها في مشروعها وخططها الاستراتيجية والتشغيلية، عامل من أهم عوامل نجاح المشاريع، وذلك من خلال التنسيق والتعامل مع الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة لإنجاح برامجها وخططها. كما أن الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، خطت خطوات جيدة، كمرحلة أولية، بإخضاع مكاتب المراجعة القانونية للمراقبة والمراجعة.
ماذا تحقق منذ إنشاء الهيئة السعودية للمهندسين؟ لأننا، وطن ومواطن، نقدر ونؤمن بوجود وأهمية دور الهيئة السعودية للمهندسين، فقد كنا نطمح ونتوقع كثيرا من المنجزات، أقلها ألا يعتمد عمل أي مهندس أو فني سعودي أو مقيم، إلا بعد توثيق كفاءتهم واعتمادهم من الهيئة. الهيئة حقيقة واقعة وكيان قائم, وليست أمنية، إنجاز يجب تقديره واحترامه والبناء عليه، مع مراجعته وإعادة تقييم خطة وأهداف إنشاء الهيئة. ولنا أن نتساءل عن أيهما أكثر خطورة على البيئة والمجتمع والإنسان ككل، مهندس مسؤول عن حياة وطن من خلال إنشاء وتنفيذ مشاريع بنية تحتية من طرق وجسور وشبكات، أم طبيب مسؤول عن حياة مريض؟
هناك مشاريع بنية تحتية تكلف المال العام مئات المليارات سنوياً، بخلاف أضعاف هذه المبالغ بالنسبة لتكاليف الصيانة والتشغيل، منها في الوقت الحالي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، جامعة الأميرة نورة، والجامعات والكليات الجديدة تحت إشراف وزارة التعليم العالي ووزارة المالية و"أرامكو"، وكذلك مركز الملك عبد الله المالي، وتوسعة المطارات الحالية، والسكك الحديدية والقطارات، وشبكات المياه والصرف الصحي، ومحطات تحلية المياه، ومباني المدارس والمستشفيات، وكذلك مشاريع الصيانة والتشغيل للمشاريع الحالية والقديمة، يعمل فيها عشرات الآلاف من المهندسين والفنيين، أغلبيتهم، إن لم يكن كلهم، من الأجانب بعضهم يفتقد التأهيل العلمي والخبرة العملية، وبعضهم يأتي ليتدرب في بلادنا (مجاناً). هذه المشاريع تفتقد وجود مرجعية تضمن جودة الموارد البشرية العاملة في هذه المشاريع وتأهيلها، وتتأكد من جودة المشاريع من خطط وتصاميم وتنفيذ ومواد، وتقيم مدى عدالة التكاليف، ونقل المعرفة. فرص فقدناها في السبعينيات، فهل نستفيد منها هذه المرة؟ لعل الهيئة تساعد على تفعيل هذه الاستراتيجية الوطنية.
لن ندخل فيما تعمله الهيئة الآن، ولا في توزيع العمل بين شعب مختلفة، ولا في ما يجري من خلافات في وجهات النظر داخل الهيئة، فما هو ثابت أن هناك تحديات كبيرة وفرصا متعددة تواجه الهيئة، وما زال أداء الهيئة وإنتاجيتها مثار نقاش بين رفض وبحث عن أعذار. وإذا أردنا أن تقوم الهيئة السعودية للمهندسين بدورها الاستراتيجي والوطني المنوط بها، يجب أن تعمل أولاً على تطوير خطة استراتيجية من خلال فريق عمل خارجي متخصص، بحيث يتم العمل بشكل أولي على ما يلي:
1- تحديد الشركاء الاستراتيجيين للهيئة من القطاع العام والخاص، من أهمها: المجلس الاقتصادي الأعلى، وزارة الشؤون البلدية والقروية، وزارة المالية، ديوان المراقبة العامة، وزارة التجارة، وزارة العمل، والغرف التجارية.
2- تحديد الأهداف الاستراتيجية للهيئة مع التركيز على الأولويات، على أن يكون منها توثيق شهادات المتقدمين للأعمال الهندسية والفنية وتدقيقها، لأول مرة وبشكل دوري، مع إخضاعهم للاختبارات المهنية والتأكد من تجاوزهم لها، قبل اعتماد قبولهم للعمل في مشاريع أو مكاتب أو مؤسسات مقاولات.
3- إخضاع المكاتب الهندسية ومؤسسات المقاولات لمراجعة وتقييم فني لقدراتها وطريقة عملها وكفاءة منسوبيها، ونسبة السعودة النوعية لديها.
من خلال تطوير خطة استراتيجية مناسبة للهيئة والوطن، وخلق تحالفات استراتيجية قوية ومستمرة، ومن ثم تنفيذ الخطة الاستراتيجية بشكل مدروس ومنهجي، يمكن للهيئة مع الحلفاء أن تسهم بشكل كبير في تحسين مستوى مشاريع البنية التحتية في المملكة وتحقيق أكبر عائد على الاستثمار الحالي والتاريخي في هذه المشاريع.
وللحديث بقية...

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي