نحن وعصر التقنية والمعرفة! (1 من 2)

تشكّل التقنية والمعرفة وجهين لعملة واحدة، تُعبّر عن الحضارة والتقدُّم وحيازة القوة؛ ولِمَ لا؟ وهما يمثّلان جناحي القوة‏ في العالم الآن؛ ثمة تناسبٌ طرديٌّ بين حيازة المعرفة وامتلاك القوة؛ لذلك أضحت المعرفة، الآن، مصدر القوة في عصرنا الذي نحياه، حتى باتت نعتًا حقيقيًا لكل مفردات الحياة.. بداية من العصر والمجتمع والاقتصاد حتى العمالة التي تعمل بها في هذا العالم الذي يعرَف بعالم الأعمال الإلكترونية‏.‏ وفرض التطور المذهل في مجالي التقنية والمعرفة، على كل شخص يقدِّر له التعامل مع مجالات الحياة المتنوعة؛ أن يلِم بقدر مناسب من المعرفة، ويمتلك قدراً مناسباً من المهارات؛ ليتمكن من التفاعل الجيد مع المناشط المتنوعة في البيئات المختلفة التي يضطر إلى التفاعل معها.
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي بات الميكروكمبيوتر وسيلةً مهمةً من وسائل إيجاد وظائف جديدة؛ ما أدَّى إلى إحداث ثورة في التعليم والابتكار والاستخدام، فضلاً عن التأثير المباشر والشامل في شتى أوجه الحياة الحديثة؛ حيث انتشرت الحواسيب، وبات معظم الوظائف يشترط استعمالاته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأضحى فهم الكمبيوتر وطرق التحكم به من أهم مهارات الحياة التي يتطلبها ميدان العمل في حياتنا الحديثة، إضافة إلى زيادة المشاركة في عملية اتخاذ القرارات. وتنبَّأ العلماء بأن تقنيات عالم الحاسبات الآلية ستحدث تأثيرات كبيرة في التركيبة الاجتماعية للمجتمع وتؤثر فيه تأثيرات مختلفة.
وفي تسعينيات القرن نفسه، وبالأسلوب نفسه، تنبَّأ العلماء أيضًا بأن تقنيات الذكاء الصناعي ونظم المعلومات الذكية ستحدث تأثيراتٍ أكثر تعقيدًا في نوعية الحياة مثل التي أحدثها ظهور تقنيات الحاسبات الآلية، إن لم تَفُقها تأثيرًا!‏ ومع نهاية القرن الماضي، أي منذ عشر سنوات، امتاز عالمنا بظاهرة، عُرفت بـ''نموذج التغير''، والمقصود هنا بالتغير‏، هو التغير في أساليب إجراء العمليات التجارية والمعاملات اليومية، والتغير في أسلوب الحياة وطريقة المعيشة‏!
وهكذا عشنا في العقد الأول من القرن الـ21، الذي تميز بظاهرة إنترنت، التي تطورت بسرعات مذهلة، حتى باتت إحدى القوى المؤثِّرة، والغالبة في تغيير العالم من حولنا. ولعل أبرز ما أحدثته تقنيات إنترنت من تغيير، هو تحويل الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد حديث، يُطلق عليه اليوم الاقتصاد الرقمي ‏(‏الذي يعتمد على شبكات الحاسبات الآلية‏)‏، في إشارة قوية تؤكّد أن المستقبل، بإذن الله، سيكون للدول التي تستطيع استخدام هذه القوة الجديدة‏ وإدارتها الإدارة المثلى.‏
الاقتصاد الجديد ليس مجرد تجميع لمجموعة من الشركات بوساطة الكلمة السحرية dot.com، إنما هو ذلك الذي يعتمد في تكوينه على الاقتصاد الرقمي الذي هو بمثابة العمود الفقري للنظام الاقتصادي الكامل والشامل، الذي سيؤثر في كل صناعة وكل شركة، بل في كل فرد في هذا العالم‏.‏ وشكّلت أجهزة الحواسيب الشخصية وشبكة إنترنت كتل بناء للاقتصاد الجديد الذي تبلور في نهاية القرن الماضي، ثم استطاع بفضل التقنيات والمعرفة إيجاد أسواق عالمية، وزاد الإنتاج والتوزيع بأعلى كفاءة، وتوسّعت التدفقات المالية، واجتذبت جحافل المستثمرين. وساد شعور بالتفاؤل بشكل أساسي على الأرباح المدهشة التي حققتها شركات التقنيات في أسواق البورصة العالمية، خاصة الأمريكية منها، ولا سيما الشركات الجديدة المرتبطة بالتجارة على الإنترنت؛ ما دفع المستثمرين الأمريكيين والأجانب بالمال على شركات الإنترنت غير المختبرة في نهاية التسعينيات من القرن الـ20 بحثًا عما سماه مايكل لويس، صاحب كتاب (ثقافة المال): ''الشيء الجديد، الجديد''!
وأياً كانت الأعمال التجارية التي تؤدى وبصرف النظر عن أنواع الخدمات أو المنتجات التي تنتجها أي شركة، فإنه يحتم عليها فهم واستيعاب والالتزام بقواعد هذا النظام الجديد؛ كي تبقى وليكون لها مكان ودور إيجابي في هذا العالم؛ فالنظام الجديد نظام اقتصادي لعالم جديد يعرف باسم العالم الرقمي أو عالم الأعمال الإلكترونية:‏ e.world.‏
وفي المقالة المقبلة - بإذن الله - سنجيب عن التساؤل الذي يطرح نفسه: ما مظاهر الحياة في هذا العالم الجديد.. عالم الأعمال الإلكترونية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي