المشاركة في المشاريع .. «ساهر» أنموذجا

لم نشاهد أو نسمع بردة فعل كبيرة ومشاركة إيجابية أو سلبية، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وبشكل مستمر، للمواطنين على اختلاف شرائحهم وأطيافهم تجاه أي مشروع كما حصل مع مشروع نظام رصد المخالفات المرورية ''ساهر''، وهي ظاهرة صحية ومطلوبة في علم التخطيط الاستراتيجي ومنهجية تطوير وإدارة وتنفيذ ومتابعة وجودة المشاريع. إن مشاركة أطراف المشروع في جميع مراحله يعد أهم متطلبات نجاح أي مشروع، ومشروع ''ساهر'' يجب ألا يكون استثناء، حيث يمثل المواطن، أماً وأباً وطفلاً، أو سائقاً وسائقة، طرفاً رئيساً من أطراف المشروع، يعتمد نجاح المشروع على تفاعله ومشاركته بشكل فاعل ومستمر، وهذا لا يعني أن هناك قصوراً أو خللاً لدى إدارة المرور، المالك للمشروع، لكن يحتاج هذا الطرف، إدارة المرور، إلى تكامل وتعاون وعمل مشترك من جميع الأطراف الأخرى في المشروع، ومنها المواطن، لضمان تحقيق أهداف المشروع.
ومن خلال المتابعة لما يحصل في الميدان المروري في المملكة ودول أخرى مجاورة وكذلك الولايات المتحدة على مدى السنوات الماضية، يجب أن نقرّ بأن الوضع المروري في المملكة، من حيث سلوك جزء كبير من السائقين، يواجه مشكلات وتحديات كبيرة، نتج عنها ارتفاع أعداد القتلى والمصابين إصابات بلغ بعضها حد الإعاقة الجزئية أو الشلل نتيجة حوادث السرعة، بخلاف الخسائر المادية الأخرى، لدرجة أن المملكة أصبحت من كبرى الدول في نسبة الحوادث وضحاياها، الأمر الذي يتطلب تحسين وتطوير أنظمة مرورية تسهم في حل هذه المشكلة، وتعددت المبادرات من قبل إدارة المرور في وزارة الداخلية للتخفيف أو القضاء على ظاهرة السرعة والمخالفات الأخرى الضارة، ولصعوبة الاعتماد فقط على العنصر البشري في هذا المجال، جاءت فكرة مشروع ''ساهر'' في هذا السياق لتدعم الجهود القائمة لحل مشكلات المخالفات المرورية. إن فكرة مشروع ''ساهر'' وهدفه، ليسا فقط منطقيين وعمليين، لكن يجب أن يشارك المواطن في دعم المشروع بطريقة إيجابية لتعظيم المنافع المادية والمعنوية من المشروع، أقلها، بمشيئة الله، تجنب الخسائر البشرية من وفيات وإصابات من جراء حوادث السرعة وقطع إشارات المرور والتهور في القيادة وغيرها من المخالفات المرورية، وتقليل الخسائر المادية في المركبات، وتحديث بيانات المواطنين والمقيمين، ما يساعد على رفع جودة ومستوى وكمال قاعدة البيانات الوطنية لدى مركز المعلومات الوطني، وخلق تغيير إيجابي في ثقافة المجتمع نحو احترام حق الطريق واحترام حقوق الآخرين والقيادة بتمهل وحذر (المشي بسكينة)، وهي أخلاق حث عليها الإسلام، ويمارسها الغرب.
ويجب أن نعترف بأن جل ما كتب ونوقش في الإعلام بجميع أنواعه، يدعم فكرة مشروع ''ساهر'' ويؤيده بطريقة أو أخرى، مع ضرورة احترام وتقدير بعض الملاحظات التي تمت الإشارة إليها في الإعلام، التي نراها تأخذ صفة الملاحظات التشغيلية أو التحسينية أكثر منها استراتيجية، ومنها على سبيل المثال، المطالبة بالتدرج في التطبيق، عدم وصول إشعار بالمخالفة، عدم وجود لوحات تحديد للسرعة، وعدم تغطية المشروع مخالفات قد تكون أكثر ضرراً من السرعة، وغيرها من الملاحظات والمقترحات. وعادة في أي مشروع، تتم مشاركة أطراف المشروع المؤثرين أو المستفيدين من المشروع، ويمكن إحداث نقلة نوعية في مشروع ''ساهر'' من خلال مشاركة المواطن مع إدارة المرور، وقد يكون هذا المشروع أنموذجاً لما يجب أن تكون عليه المشاريع الأخرى. وعلى الرغم من أن فاعلية ودور المشاركة في المشاريع تكون أكبر وأفضل حين تحصل منذ بداية المشروع، إلا أنه يمكن الاستدراك في المراحل المتبقية من المشروع وإشراك الأطراف الأخرى الأساسية في المشروع. وفي حالة مشروع ''ساهر'' قد يكون توقيت المشاركة للمواطن أكثر مناسبة في الفترة الحالية، مرحلة التنفيذ الفعلي للمشروع. وقد يكون من المناسب تكوين لجنة استشارية أو إشرافية تعمل مع إدارة المرور في هذا المشروع، ممثلة في عدد من المواطنين والمختصين وبعض الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة، ويمكن أن تعمل مع إدارة المرور على تقديم المقترحات ومناقشة التعديلات والإضافات من خلال مراجعة خطة المشروع ومراحله، خصوصاً في تحسين سبل ووسائل التوعية بمزايا وفوائد النظام، والاستفادة من دروس تنفيذ نظام ''ساهر'' لرفع وعي المجتمع وثقافته في جميع المجالات، وليس فقط في فن وآداب القيادة.
ومشروع ''ساهر'' كمرحلة أولى، وحسب التقييم الأولي، من وجهة نظر خارجية، يعد ناجحاً من حيث تحقق الأهداف، على الأقل بعضها في الوقت الراهن، والبقية خلال تنفيذ المراحل المتبقية (المتوقعة) من المشروع، حسب قراءتنا ورؤيتنا للمشروع. ولتقييم مدى نجاح أي مشروع أياً كان نوعه، سواءً كان مشروعاً إنشائياً، خصوصاً مشاريع البنية التحتية مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء، أو مشروعاً غير إنشائي مثل مشاريع تطوير التعليم والصحة والمرور والتعاملات الإلكترونية، فإننا نطبق عليها عدداً من الاختبارات، من أهمها ما يلي:
1 ـ مدى تحقق أهداف المشروع.
2 ـ تنفيذ المشروع حسب التكلفة المناسبة والمعقولة والتنافسية المعدة له.
3 ـ تنفيذ المشروع خلال مدة المشروع المحددة له.
وإذا أخذنا العامل الأول في تقييم مشروع ''ساهر''، ولمحدودية المعلومات المتاحة، فإن من المهم وجود استراتيجية طويلة الأجل (خمس إلى عشر سنوات) للتأكد من عمل النظام وتشغيله، واستراتيجية لنقل المعرفة لفرق العمل، خصوصاً أفراد إدارة المرور المحليين، وبمشاركة ودعم من القطاع الخاص الوطني، واستراتيجية للصيانة الوقائية والدورية والإصلاح للنظام، مع خطة استبدال مدروسة، قصيرة وطويلة الأجل لأجهزة وأدوات النظام. ولعل من أهم العوامل التي يجب التنبيه إليها عند تقييم مدى تحقيق مشروع ما الأهداف المرسومة له، ليس فقط التأكد من استمرارية عمل النظام على المدى الطويل، لكن، وهو الأخطر، التأكد من عدم وجود مخاطرة عالية لتوقف النظام أو عمله فقط على المدى القصير، الأمر الذي يعني التسبب في خسائر مضاعفة وصعوبة كبيرة، في حالة توقف عمل النظام، للعودة لتطبيق النظام لفقدان ثقة المستفيدين من ناحية وعدم قناعة الجهات التنفيذية من ناحية أخرى في جدوى إعادة التشغيل بعد التوقف. لذلك فإنه من المهم أن يتم العمل على هذه الاستراتيجيات في الوقت نفسه الذي يتم فيه تشغيل النظام، وقد يكون من المناسب تكليف فريق عمل مختلف عن الفريق المشرف على تنفيذ المرحلة الأولى للمشروع للعمل على متابعة هذه الاستراتيجيات.
وفيما يخص تقييم المشروع الحالي وأي مشاريع أخرى من حيث تنفيذها بالتكلفة السوقية العادلة، فيجب التأكيد على أن هناك اختلافاً جوهرياً بين استخدام طريقة دفع قيمة الأجهزة والشبكات والتشغيل للشركة المتعاقد معها بشكل مباشر، أو استخدام طريقة المشاركة أو نموذج ''البناء ـ التشغيل ـ النقل BOT في الرسوم المحصلة من تشغيل النظام، حيث يسهل في الأولى تقدير التكاليف المباشرة، وبالتالي تصبح تكلفة المشروع معروفة ويمكن مقارنتها بالأسعار السائدة في السوق، خصوصاً في حالة تم طرح المشروع لمنافسة مفتوحة وعادلة. أما في حالة استخدام نموذج المشاركة أو نموذج ''البناء والتشغيل والنقل''، فينبغي التأكد هنا من عوامل عدة، أهمها: أن بعض الجهات الحكومية لا تنظر إلى تأثير تكاليف الفرص البديلة، حيث إن الرسوم التي تحصل عليها الشركات تحت هذا النموذج وفترة التشغيل المتفق عليها، هي حقيقة إيرادات عامة تنازلت عنها هذه الجهات للشركة مقابل بناء النظام وتشغيله لفترة معينة. وللتأكد من حفظ وحماية المال العام ومصالح الدولة، ينبغي عقد دراسة ومقارنة تحليلية بين تكاليف المشروع في حالة دفعها مباشرة أو من خلال نموذج المشاركة في الإيرادات كوسيلة لدفع تكاليف التطوير، واختيار الأفضل من حيث أقلها تكلفة على الدولة، على أن يتم طرح المنافسة، أياً كان النموذج المستخدم، لتمويل تطوير وتنفيذ المشروع، في السوق وبشكل مفتوح وعادل وضمان شفافية كاملة لجميع البيانات والأسعار والشركات. كما أنه من المهم لاعتبار مشروع ما ناجحاً أن يتم تنفيذه خلال مدة زمنية معقولة، دون الإخلال بأي من أهداف المشروع ومراحله، أو التسبب في زيادة تكلفة المشروع. ولعله من المناسب التنويه إلى أن هناك فترات زمنية تقديرية مناسبة لتنفيذ المشاريع، حسب نوعه، فبناء جامعة أو مطار يتطلب استخدام نموذج التنفيذ على أساس المراحل، حيث يتم تنفيذ المرحلة الأساسية للمشروع، ومن ثم يتم تشغيل المشروع بالطاقة الكاملة، ما يخفض تكلفة التنفيذ ويقلل من مخاطر فشل المشروع، خصوصاً على المدى الطويل فيما يخص عوامل الصيانة وعدم الاستفادة القصوى من المشروع، ما يؤدي إلى أن تصل فترة تنفيذ المشروع إلى عشر سنوات. فعلى سبيل المثال، يمكن في حالة تطوير مطار متعدد الصالات، الاكتفاء بإنشاء صالة واحدة في المرحلة الأولى (مثلاً في السنتين الأوليين)، وهذا ما يتم اتباعه في المشاريع الناجحة. ويمكن لتوضيح الكم الكبير من الخسائر المالية والتشغيلية وضياع الفرص البديلة النظر في بعض المشاريع التي تم ويتم تنفيذها كمرحلة واحدة، سواءً كانت مستشفيات أو مدناً طبية أو شبكات مياه أو شبكات صرف صحي أو قطارات أو مطارات أو جامعات أو معامل طبية أو معامل تعليمية أو مشاريع تعليمية أو صحية أو مدناً اقتصادية، وغيرها. ولنا في هذا السياق التأكيد على أنه يمكن تدارك أي مشروع، حتى لو كان في مرحلة التنفيذ، لإعادة هيكلية ومرحلية المشروع، الأمر الذي يرفع من مستوى وفاعلية وأداء المشروع من ناحية، ويخفض تكاليف المشروع بدرجة كبيرة، ويوفر مبالغ مالية كبيرة يمكن استثمارها في مشاريع أخرى، خصوصاً في نقل المعرفة وتطوير الموارد البشرية السعودية.
كلنا ''ساهر'' على مصلحة الوطن والمواطن، فكلنا، مواطن ومواطنة، يجب أن نعمل جنباً إلى جنب مع رجال المرور على جميع رتبهم العسكرية لدعم نظام ''ساهر'' وتحقيق الاستفادة القصوى منه، كخطوة أولى لرفع مستوى وعي المجتمع. وحتى أولادنا يمكن أن يكون لهم دور إيجابي في هذا المجال، لكن نحتاج إلى توعيتهم والاستماع إليهم والصبر عليهم، فهم أولادنا أولاً وأخيراً، وهم جيل المستقبل وقادته. أما رجال المرور والجهات الأمنية الأخرى مثل الشرطة والدفاع المدني، فنتوقع منهم الكثير والكثير، خصوصاً ضرورة وجودهم بكثافة في الأحياء والشوارع وقربهم من الحدث ودعمهم المواطن واحتياجاته على مدار الساعة، وما نظام ''ساهر'' إلا بداية وشمعة مضيئة في الطريق إلى تطور المجتمع ورقيه. وللحديث بقية..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي