Author

شبكة بناء الطرق .. نموذج حضاري لتنفيذ برامج التنمية المستدامة

|
تعتبر شبكة الطرق من أهم المقومات التي ُتعنى بها الدول في العصر الحديث، لأنها بمثابة الشرايين التي تمر من خلالها سلسلة متصلة من النشاطات التجارية والاجتماعية والثقافية التي تعزز مسيرة الاقتصاد الوطني. ولذلك فإن مشاريع بناء الطرق تحتل الخيار الأول في برامج ومشاريع التنمية المستدامة لدى الدول الراغبة في تحقيق معدلات أعلى في التنمية والنمو. والمملكة العربية السعودية ـ كغيرها من الدول الناشئة ـ أولت قطاع النقل اهتماماً بالغاً واستطاعت أن تنجز شبكة من الطرق العصرية التي بلغت آلاف الأميال كي تربط بين أواصر سهولها ووديانها ووهادها وبطاحها التي تترامى كالقارة في قلب صحراء بلاد شبه الجزيرة العربية . ويوفر قطاع النقل تأمين حركة نقل الركاب والبضائع بين كافة المدن والقرى والهجر، وتلعب الطرق دوراً رائدا في دفع حركة الاقتصاد وتقديم الخدمات لقطاعات الإنتاج والخدمات الأخرى، كما يوفر هذا القطاع فرصا للاستثمار ويوفر فرصاً للعمل. واهتماماً من الحكومة الرشيدة بقطاع النقل فقد صدر الأمر السامي في عام 2002 بتشكيل لجنة في وزارة المواصلات يشترك فيها ممثلون عن وزارات الدفاع والطيران، الداخلية، المالية والاقتصاد الوطني، الزراعة والمياه، الصناعة والكهرباء، البترول والثروة المعدنية، الشؤون البلدية والقروية، التخطيط، والمؤسسة العامة للموانئ، لوضع الاستراتيجية الوطنية للنقل، لتحقيق التكامل بين عناصر شبكة النقل وربط التجمعات السكانية والمناطق الزراعية والصناعية ومناطق الخدمات المعدنية، ودراسة وسائل تمويل إنشاء هذه الشبكة . وباستعراض الإنجازات التي حققتها وزارة النقل عبر تاريخها المديد، فإن ما حققته الوزارة ــ يعتبر بكل المقاييس ــ إعجازاً فريداً في فترة زمنية قياسية، لقد أنشئت الوزارة في عام 1935 ضمن نواة مصلحة الأشغال العامة والمعادن، وكانت تابعة لوزارة المالية والاقتصاد الوطني، وكانت تعنى بالطرق إلى جانب الأشغال العامة، وفي عام 1953م تحول الجهاز إلى وزارة للمواصلات تشرف على كل ماله علاقة بالمواصلات من طرق وسكة حديد وموانئ. #2# وفي عهد وزارة المواصلات اهتمت الوزارة بشق الطرق اهتماما كبيراً، حتى بلغت أطوال الطرق نحو 239 كيلومترا فقط، وهو رقم متواضع إذا ما قيس بمساحة المملكة الشاسعة المترامية الأطراف والتي تنتشر فوقها آلاف من المدن والقرى والهجر والتجمعات السكانية. وكانت أولى مهام وزارة المواصلات هو إنشاء شبكة من الطرق الرئيسة المعبدة لربط المناطق الرئيسة بالمملكة بعضها ببعض لخدمة أكبر عدد ممكن من المدن والقرى والتجمعات السكنية في مختلف أنحاء المملكة. وعندما تطورت وسائل المواصلات والاتصالات واتسعت مسؤوليات الوزارة بصورة كبيرة ضمت إلى وزارة المواصلات في عام 1975، كما أنشئت مؤسسة عامة للموانئ وأخرى للسكك الحديدية وأصبحت الوزارة منذ ذلك التاريخ مسؤولة عن  تخطيط وتصميم و إنشاء وصيانة الطرق والجسور، ثم تم تغيير اسم الوزارة في عام 2003 إلى وزارة النقل. ولتحقيق هدف بناء شبكة من الطرق العصرية كان لا بد من التخطيط السليم والدراسات الواعية التي تأخذ بأحدث الأساليب التي توصل إليها العالم لبناء شبكة معبدة من الطرق وبأسرع وقت ممكن وبأقل قدر من التكاليف بحيث تكون هذه الشبكة جاهزة لتمهد الطريق أمام قطاعات التنمية الأخرى التي كانت الدولة قد بدأت في التخطيط لها بحيث يراعى عند تنفيذها أن تكون البداية من حيث انتهى الآخرون. وهكذا بدأت وزارة المواصلات في إجراء دراسات أولية شاملة ومكثفة، تضمنت جميع المعلومات، والتعرف على الاحتياجات، وتحديد الأولويات، وبعد تحليل المعلومات استقر الرأي على تحقيق الهدف وفق ثلاث مراحل: الأولى وتهدف إلى ربط المناطق الرئيسة بشبكة من الطرق المسفلتة المفردة، الثانية تهدف إلى تطوير هذه الشبكة وتوسعتها بتحويل بعض هذه الطرق الرئيسية فيها إلى طرق مزدوجة وسريعة، أما الثالثة فهدفها تطوير مستوى الخدمات على هذه الشبكة، وتوفير وسائل السلامة عليها. وبحلول عام 1970 م وهو بداية خطط التنمية الأولى في المملكة بلغ مجموع أطوال الطرق المسفلتة بمختلف أنواعها أكثر من 8500 كيلومتر، إضافة إلى نحو 3500 كيلومتر من الطرق الزراعية الممهدة (الترابية). وارتفع هذا الرقم خلال تنفيذ خطط التنمية الطموحة التي شهدت المملكة خلالها نهضة تنموية شاملة لجميع المجالات حتى بلغ مجموع أطوال الطرق ما يزيد على 56 ألف كيلو متر ما بين طرق سريعة ومزدوجة ومفردة ونحو 130 ألف كيلو تر طرق ترابية ممهدة. وتنتهج الوزارة مجموعة من السياسات لتحقيق مشاريعها الطموحة، ومن هذه السياسات دعم برامج الصيانة العادية والوقائية لمنشآت الشبكة القائمة، وتطبيق الأساليب الحديثة في إدارة وبرمجة تنفيذ عمليات الصيانة وتحديد أولوياتها، كما إن من السياسات استكمال شبكة الطرق الرئيسة والثانوية والفرعية لخدمة التجمعات السكانية ومواقع النشاطات الاقتصادية والزراعية مع الأخذ فى الاعتبار حجم الحركة المرورية ، كذلك من السياسات استكمال محاور الحركة المرورية ورفع كفاءتها وفق متطلبات الحركة المرورية ، والاستمرار في رفع مستوى طرق الربط بين المملكة والدول المجاورة ، مع تحسين أساليب تنفيذ الطرق الترابية وصيانتها ، وآخر وأهم السياسات مراعاة التوازن فى تنفيذ الطرق بين المناطق ، والأخذ في الاعتبار حجم الأنشطة الاقتصادية بكل منطقة وكثافتها السكانية . وإمعاناً من الحكومة في الاهتمام بقطاع النقل، فقد صدر في عام 1397 هـ نظام النقل العام الذي يهدف إلى تنظيم كل ما يتعلق بشؤون النقل البحري والبري وأنشئت في الوزارة لهذا الغرض وكالة متخصصة للنقل حدد لها العديد من الأهداف والمهام, منها إصدار التراخيص لمختلف أنشطة النقل البري كالأجرة العامة وتأجير السيارات ونقل وترحيل الركاب بالحافلات والسيارات ونقل وترحيل البضائع وقد بلغ عدد التراخيص الصادرة في هذا الشأن ما يزيد على 82 ألف ترخيص. أما في مجال النقل البحري فقد وضعت الوزارة الخطط و البرامج التي تكفل تطور هذا القطاع الحيوي المهم وتصدر الوزارة التراخيص اللازمة لأنشطة هذا القطاع ومنها مكاتب ووكالات بيع التذاكر البحرية وقوارب الصيد والنزهة والسفن وبلغ عدد التراخيص التي تم إصدارها في هذا المجال في مختلف أنشطته نحو 28 ترخيصا. وفي عام 2003 م تم تغيير مسمى الوزارة إلى وزارة النقل، ولقد لخصت الوزارة رؤيتها المستقبلية في العبارة التالية: توفير قطاع نقل متكامل يشمل جميع الأنماط لمواكبة احتياجات المملكة المستقبلية ، ويتميز بالسلامة والفعالية والكفاءة والتطور التقني ، ويعمل على تشجيع وتعزيز التنمية الاقتصادية والقدرة التنافسية للمملكة على المستوى الدولي ، كما يضمن توفير بنية صحية وآمنه لأفراد المجتمع . ونحن إذا ألقينا نظرة على مشاريع الطرق التي تم تنفيذها على أرض الواقع نجد أن ما تحقق يبعث على الفخر والاعتزاز، فالشبكة الواسعة الأرجاء التي تم تنفيذها استطاعت أن تدفع بمعدلات الناتج المحلى الإجمالي إلى الأعلى، كما استطاعت أن تقرب بين الناس وتسهل عمليات لقاءاتهم الأهلية والودية، يضاف إلى ذلك استطاعت شبكة المواصلات والطرق أن ترتقي بالمفهوم العصري للسياحة وتجعل السياحة مورداً اقتصاديا رئيسياً يضاف إلى منظومة تنويع مصادر الدخل الوطني. ونظراً للأهمية البالغة لشبكة الطرق في التنمية والتطوير، فإن وزارة النقل اعتمدت مجموعة من مشاريع التقنية بهدف إحداث تطوير هائل في كل قطاعات الوزارة لمحاربة أمراض البيروقراطية والأخذ بأسباب هذا التطور والتقدم في هذا المجال أمر ضروري فهو تنفيذ لرغبة القيادة الرشيدة الداعية للأخذ بأسباب التطور والتحديث من جهة ، ومن جهة أخرى هو جسر بين وزارة النقل وبين المهتمين والباحثين  يمكّنهم من الإطلاع على كل ما تقدمه الوزارة من خدمات ومعلومات في مجال النقل والطرق، وجسر بين الوزارة وبين فروعها والجهات المتعاملة معها. ولذلك سعت الوزارة إلى إنشاء موقع لها على هذه الشبكة ضم عديدا من الصفحات والروابط التي احتوت على توفير المعلومات عن نشاط الوزارة وإنجازاتها والخدمات التي تقدمها للمواطنين، كما تضمن الموقع عددًا من الخرائط الإلكترونية التي تبين شبكة الطرق الوطنية والخدمات المقدمة عليها، إضافة إلى مواقع لبعض الجهات الأخرى الحكومية والخاصة التي قد تفيد زائر هذا الموقع. ونظراً لاهتمام الوزارة باستخدام التقنية وبناء المعلومات فقد أشاد وزير النقل الدكتور الصريصري بالموقع الذي أنشأته الوزارة وقال معاليه في إحدى المناسبات: وأجدها فرصة مناسبة أن أبين للزائر الكريم بشيء من الإيجاز ما حققته الوزارة من إنجازات، ففي مجال الطرق كانت أطول الطرق في المملكة عند بداية تأسيس الوزارة نحو 239 كيلومترا أرتفع هذا الرقم إلى 8500 كيلومتر مسفلت و3500 ترابية ممهدة ، ثم ارتفع هذا الرقم خلال تنفيذ خطط التنمية الطموحة التي شهدت المملكة خلالها نهضة تنموية شاملة في جميع المجالات حتى بلغ مجموع أطول الطرق الآن ما يزيد على 56 ألف كيلومتر مابين طرق سريعة ومزدوجة ومفردة نحو 130 ألف كيلومتر طرق ترابية ممهدة. ولقد زرت موقع الوزارة واستعنت به واقتطفت منه مجموعة كبيرة من المعلومات التي زودت بها هذه المقالة والتي لن تغيب عن فطنة القارئ المتفحص. وفى ضوء الإنجازات التي حققتها وزارة النقل عبر تأريخها المديد نستطيع القول إن وزارة النقل من أهم المؤسسات الحكومية التي نجحت في تحقيق بناء شبكة من الطرق قربت المسافات بين المدن والقرى والهجر بعد أن كانت بعيدة ، ولكنها لم تعد بعيدة الآن، بمعنى أن وزارة النقل تحدت الزمن وبنت جسور التنمية لتحقيق التواصل في سهولة ويسر، بل إن الارتحال من مكان إلى آخر على أراضي هذه المملكة الفتية أصبح من قبيل النزهة أو الفسحة، أو بلغة الهيئة العامة للسياحة والآثار هي سياحة مفيدة اقتصاديا وثقافياً وسياسياً، وكل ذلك بفضل الطرق التي رصفت كالحرير في صحراء وعرة تمتد في طول شبه الجزيرة العربية وعرضها.
إنشرها