حماية النزاهة ومكافحة الفساد

مضت أكثر من ثلاث سنوات منذ صدر قرار مجلس الوزراء رقم43 بتاريخ 22/2/1428هـ, بشأن الموافقة على الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ومن ضمن ما جاء في منطلقاتها «أن كل عمل من شأنه الانحراف بالوظيفة العامة والخاصة عن مسارها الشرعي والنظامي الذي وجدت لخدمته فساد وجريمة تستوجب العقاب في الدنيا والآخرة، وأن الفساد يعوق التطوير والتنمية والاستثمارات». ومن أهدافها «توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع».
من أهم ما تضمنته وسائل الاستراتيجية إقرار مبدأ الشفافية وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة عن طريق توضيح إجراءات عقود مشتريات الحكومة والمؤسسات العامة والشركات المساهمة، وإعطاء حق الاطلاع عليها ونقدها، وكفالة حرية تداول المعلومات عن شؤون الفساد بين عامة الجمهور ووسائل الإعلام، واستطلاع رأي ومقترحات المهنيين كالأطباء والمحامين والمهندسين والمحاسبين حول أنظمة الرقابة المالية والإدارية.
الاستراتيجية تعد منعطفا إجرائيا مهما لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، لكنها لا تعدو أن تكون خطوة على طريق طويل من الإجراءات والتطبيقات الواجب اتخاذها لمواجهة الفساد. كل الاستراتيجيات تكون متميزة من الناحية النظرية؛ حيث تسهل صياغة المبادئ وسن القواعد وانتقاء المفردات؛ إلا أن تفعيل ذلك وتطبيقه على أرض الواقع هو التحدي الحقيقي.
حصرت الاستراتيجية الآليات في إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد, لتتولى هذه الهيئة متابعة تنفيذ الاستراتيجية ووضع آليات التطبيق، وتنسيق جهود المواجهة، وجمع المعلومات والتقارير وتحليلها. ومع أن الهيئة لم تر النور بعد رغم مرور كل هذا الوقت؛ إلا أن ذلك لا يمنع كل الجهات الحكومية من أن تبادر لممارسة هذه المهام داخل وحداتها المختلفة؛ لأن هذا جزء من واجباتها, بغض النظر عن إنشاء هيئة مكافحة الفساد. فضلا عن أن الهيئة ستواجه في حال إنشائها تحديات كبيرة في بداية تأسيسها، سواء فيما يتعلق بالقواعد التنظيمية لهذا المرفق الجديد، أو نوعية العاملين وخبراتهم، أو تعاون الأجهزة الحكومية وتنازع الاختصاصات فيما بينها، وقد يمضي وقت طويل حتى تباشر مهامها على النحو المأمول.
صحيح أن النص على إنشاء هذه الهيئة يعني أهميتها لحماية النزاهة ومكافحة الفساد ويتعين المسارعة لذلك، لكن يجب ألا يعوق تأخر إنشائها جهود مكافحة الفساد، خاصة أن الهيئة المقترحة ليست ذراعا تنفيذية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد تعنى بالمواجهة القانونية لجرائم الفساد؛ فهذا دور المباحث الإدارية وهيئة الرقابة والتحقيق في الوقت الحالي.
حماية النزاهة ومكافحة الفساد ليست جهدا حكوميا فقط، وليست اختصاصا وظيفيا لجهاز بعينه مهما كانت صلاحياته وإمكاناته؛ إنها جهد وطني متكامل يشارك فيه الجميع انطلاقا من أن الفساد خطر عام تتعين مواجهته. نعم الحكومة عليها العبء الأكبر في حماية النزاهة ومكافحة الفساد؛ فالمال العام بين يديها، وسلطة المواجهة تحت تصرفها، والموظف العام الفاسد أحد منسوبيها. ومع كل ذلك؛ فإن الحكومة لا تستطيع المواجهة إلا إذا تحرك المجتمع بأسره للمواجهة، وتغيرت بعض السلوكيات الاجتماعية السلبية السائدة، التي قد تشكل عائقا أمام الموظف النزيه. ما زالت الواسطة «فزعة» يتعين القيام بها, وواجبا اجتماعيا لا يغفر للمقصر فيه، وما زالت معايير الجدارة الواجب توافرها فيمن يباشر الوظيفة العامة تحتاج إلى وقفات كثيرة، وما زالت إجراءات العمل شفوية في بعض الحالات، يجهل تنفيذها الموظف التنفيذي, فما بالك بطالب الخدمة، كما لا يزال طالب الخدمة أو العميل «مراجعا» في الوصف الرسمي، حتى إن الاستراتيجية نصت على «التعامل الحميد مع المراجعين»! ولعل وصف المراجع يصدق, لأنه يعكس كثرة المراجعة!
كما أن حماية النزاهة ومكافحة الفساد لا تتعلق بالوظيفة العامة والموظف العام فقط؛ وإنما تشمل كذلك القطاع الخاص، فالعبث بأموال الشركات المساهمة بمثابة العبث بالمال العام من حيث التأثير؛ ونتائج الأزمة المالية وتبعاتها أصدق دليل على ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي