شرعية إسرائيل بين خوسيه أزنار وهيلين توماس
طبقاً لمبادئ القانون الدولي الجنائي يعد خوسيه ماريا أزنار، رئيس وزراء إسبانيا السابق شريكاً في جريمة الحرب العدوانية ضد العراق التي ارتكبها سنة 2003م الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ورئيس بريطانيا السابق توني بلير، لأنه شاركهما، أثناء توليه السلطة، في التحضير والتنفيذ لهذه الحرب.
لقد سقط أزنار في الانتخابات التي جرت سنة 2004 بسبب انفجارات وقعت في محطة القطارات في مدريد قبل إجراء الانتخابات بثلاثة أيام، نفذتها جماعات إسلامية متطرفة بذريعة مشاركة جنود إسبان في احتلال العراق. وقام خلفه ثابا تبرو بسحب القوات الإسبانية من العراق فور توليه السلطة.
أشار جهاد الخازن في عموده اليومي في جريدة «الحياة» بتاريخ 22/6/2010م إلى أن أزنار أسس جمعية باسم «جمعية أصدقاء إسرائيل» بهدف الدفاع عن إسرائيل, وأنه كتب مقالاً عنوانه «إذا سقطت إسرائيل نسقط معها» جاء فيه أن إسرائيل أقامها قرار للأمم المتحدة, وبالتالي فإنه لا يجوز التشكيك في شرعيتها.
لقد فنّد جهاد الخازن موقف هذا السياسي الإسباني المتصهين من الوجهة السياسية، وأود هنا أن أتناول بالتعليق القانوني الوجيز مسألة الشرعية التي يتشدق بها المذكور فأقول ما يلي:
أولاً: إذا كانت الأمم المتحدة مصدراً أسمى للشرعية الدولية في مفهوم خوسيه ماريا أزنار فلماذا لم يقم للأمم المتحدة وزنا وانتهك ميثاقها عندما شارك في الحرب العدوانية ضد العراق دون موافقة مجلس الأمن الدولي ودون موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة ودون أن يبالي بالرأي العام العالمي الذي كان يعارض شن هذه الحرب، بل إن بلاده شهدت أضخم مظاهرة في تاريخها ضد شن هذه الحرب؟
ثانياً: لن أخوض في شرح الحجج والأسانيد التاريخية والقانونية التي تؤكد بطلان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر في 29/11/1947 الخاص بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، الذي استند إليه قادة الحركة الصهيونية في إعلان تأسيس إسرائيل في 15/5/1948 وسأساير منطق الأمر الواقع، لا تسليماً به، لكن بهدف كشف زيف مفاهيم خوسيه ماريا أزنار وأمثاله من الذين في قلوبهم مرض خبيث اسمه الصهيونية، فأقول إن القرار الذي وضع (شرعية) إنشاء إسرائيل هو ذاته القرار الذي قرر إنشاء دولة فلسطينية عربية، لكن إسرائيل تحتل احتلالاً عسكرياً واستيطانياً الإقليم الذي خصصه هذا القرار للدولة الفلسطينية، فلماذا لا يتذكر خوسيه ماريا أزنار من هذا القرار سوى ما يخص إسرائيل وينسى ما يخص شعب فلسطين؟!
لا يصح من الناحية القانونية تجزئة سند (الشرعية), فقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة سالف الذكر يعد بجميع بنوده وفقراته حجة على من يتمسك به فلا يجوز أن يؤخذ منه ما هو في مصلحة إسرائيل ويترك ما هو في مصلحة شعب فلسطين, بل يجب ـ كما سلف القول - أن يؤخذ بهذا القرار جملة واحدة وبكامل أجزائه.
ثالثاً: ألم يعلم خوسيه ماريا أزنار أن إسرائيل بعد تأسيسها استناداً إلى قرار الأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين لم تقبل في عضوية هيئة الأمم المتحدة إلا بعد أن أعلنت رسمياً التزامها بقرار التقسيم واستعدادها لتنفيذه وتعهدت بقبول قرارات الأمم المتحدة، لكنها تراجعت بعد ذلك عن تعهداتها حيث أعلن رئيس حكومتها ديفيد بن جوريون في الكنيست الإسرائيلي في 5/12/1949 أن (إسرائيل تعد قرار الأمم المتحدة الصادر في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 قراراً غير شرعي وغير موجود). أي أن إسرائيل هي التي نزعت الشرعية عن وجودها.
رابعاً: ألم يعلم خوسيه ماريا أزنار أن إسرائيل كشفت مبكراً عن طابعها الاستعماري ومطامعها التوسعية, إذ صرح رئيس حكومتها ديفيد بن جوريون عام 1948م بأنه «ستنشأ في المستقبل ظروف، وعلينا أن نستغل هذه الظروف لتوسيع حدود الدولة، وإذا لم تنشأ هذه الظروف تلقائياً، فعلينا أن نصنعها بأنفسنا», ثم جاءت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة وصرحت عام 1971م بأن «الحدود الدولية لإسرائيل تتحدد حيث يتوطن اليهود»، وأن مندوب الصين في الأمم المتحدة وصف في خطابه أمام الجمعية العامة بتاريخ 8/12/1971 نظرية إسرائيل عن الحدود الدولية بأنها «منطق رجال العصابات وذريعة نموذجية للتوسع».
خامساً: ألم يعلم خوسيه ماريا أزنار، الذي يزعم احترامه الشرعية الدولية القائمة على قرارات الأمم المتحدة، أن هيئة الأمم المتحدة أصدرت عشرات القرارات التي تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها سنة 1967 وتقرر عدم شرعية المستوطنات اليهودية التي أقامتها إسرائيل على هذه الأراضي, ودانت استمرار إسرائيل في سياسة بناء المستوطنات, وأن بناء هذه المستوطنات لا يمكن أن يرتب أي آثار قانونية, وأنه لا يجوز تغيير المعالم السكانية والدينية والثقافية للأراضي المحتلة, وأن الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تشكل انتهاكات خطيرة لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وعائقاً أمام إقرار سلام دائم وعادل في المنطقة, وأنه يجب احترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأن هذه الحقوق غير قابلة للتصرف, وأن إسرائيل لم تنفذ هذه القرارات.
لماذا لا يدعو أزنار إسرائيل إلى احترام الشرعية الدولية الناشئة عن القرارات العديدة التي أصدرتها الأمم المتحدة بشأن حقوق شعب فلسطين وإدانة السياسة التوسعية الإسرائيلية؟! ألم يعلم خوسيه ماريا أزنار أن العقيدة الصهيونية القائمة على التوسع حولت إسرائيل إلى دولة مارقة خارجة على (الشرعية الدولية).
سادساً: إن إسرائيل دولة غاصبة ليس لها شرعية حقيقية, وإن اليهود المقيمين في فلسطين هم غزاة محتلون, وقد عبرت عن هذه الحقيقة هيلين توماس عميدة المراسلين الصحافيين في البيت الأبيض, حيث أدلت بتصريح في 27/5/2010 دعت فيه الإسرائيليين إلى مغادرة فلسطين والعودة إلى أوطانهم الأصلية في أوروبا وأمريكا، وأن يتركوا فلسطين للفلسطينيين. ولم تتحمل جماعات الضغط والاسترهاب الصهيونية في أمريكا كلمة الحق ومارست كالعادة ضغوطاً شديدة على هيلين توماس حتى اعتذرت عن تصريحها واعتزلت العمل بعد أكثر من 60 عاماً من العمل في الصحافة. وهكذا يتأكد مرة أخرى أن حرية الرأي والتعبير في أمريكا مكفولة باستثناء ما يخص إسرائيل واليهود. لكن سيظل صدى كلمة الحق التي نطقت بها هيلين توماس يتردد مذكراً المجتمع الدولي بأن الإسرائيليين دخلاء على فلسطين وأن ليست لدولتهم شرعية.