مصنفو الائتمان .. حان الوقت لتصنيفهم

وكالات التصنيف العالمية نالها نصيب من الأزمة المالية, بل إن البعض يحملها جزءا من المسؤولية, لأنها وقعت فيما وقع فيه الآخرون من أخطاء جوهرية تمس حقيقة الوضع المالي للشركات والبنوك وجميع المؤسسات المالية التي كانت تخضع للتقييم. فقد أعلن الاتحاد الأوروبي خططا لإنشاء هيئة لتنظيم عمل وكالات التصنيف الائتماني, كما أعلن إطلاق مراجعة لطريقة إدارة البنوك, وذلك من أجل تسريع إصلاح القطاع المالي, وحددت المفوضية الأوروبية خططها التي ستصبح موضع التنفيذ قريبا لتكون وكالات التصنيف تحت طائلة قانون ملزم وقواعد ثابتة موضوعية تراعي ضرورة أن يعكس التصنيف الواقع بغض النظر عن رغبة المؤسسات المالية, التي بدا أن بعضها حصل على تصنيف مرتفع مدفوع القيمة.
لقد صرح أحد الأعضاء الفاعلين في المفوضية الأوروبية بأنه سيتم إنشاء هيئة لتنظيم عمل وكالات التصنيف الائتماني, التي تعرضت لانتقادات أثناء الأزمة المالية التي لا تزال تعصف بالاتحاد الأوروبي, وظهر من حماسه في دفع هذه الفكرة إلى الأمام, ما ينبئ عن موقف غاضب من تخفيض التصنيفات الائتمانية لدول أوروبية.
إن الإخفاق في تصنيف الأوراق المالية كان أول خطوة في الطريق الخطأ, حيث شهدت الأسواق تضخيما غير مسبوق في قيمة تلك الأوراق, ولم يكن ذلك يعكس وضعا صحيا, لكن الأهم أن وكالات التصنيف انساقت خلف هذه الفقاعة, حيث كان يجب التحذير منها ومن عواقبها. حتى اليوم هناك قلة قليلة جدا من الناس من عرف في الوقت الملائم أن هناك فقاعة كبيرة يجري تمريرها, وهذا ما تلام عليه وكالات التصنيف الائتماني.
أما ما يثيره البعض من التشكيك في مدى وجود تضارب في المصالح لدى وكالات التصنيف, فهو طرح نابع من حجم الكارثة, حيث تراجعت قيمة بعض الأوراق المالية إلى ما يقارب 90 في المائة من الأسعار المتداولة في حينها, والأسوأ من ذلك أن التصنيف الائتماني AAA كان يمنح لمنتجات ائتمانية مهيكلة ثبت أنها كانت مشبعة بالقروض السيئة إلى درجة التخمة الشديدة, وهنا يمكن فهم أسباب التحقيق مع شخصيات ورجال أعمال وأسماء بارزة في الاقتصاد الغربي, وعن الدور الذي قد يكون أسند إليهم في عملية تمرير الوهم وتسويق الزيف.
إن بعض كبار المساهمين في شركات حصلت على تقييم عال جدا كانوا محل شك لأنهم المستفيد الأول من رفع درجة التصنيف لتلك الشركات, فهم في نهاية الأمر أشخاص تعاملوا مع أصحاب القرار في بعض وكالات التصنيف, وهذا التحليل يفرض أن يتم وضع ضوابط تمنع أو تحد من تضارب المصالح بين الأعضاء في الهيئات والوكالات من جهة, والشركات الخاضعة لرقابة تلك الهيئات أو الوكالات. وهذا يعيدنا إلى انهيار إحدى كبرى شركات المراجعة والتدقيق المحاسبي التي فقدت الثقة بمصداقية كلمتها, ولم يعد لها القدرة على الاستمرار في سوق تعتمد قبل كل شيء على الأمانة المهنية, وقبل ذلك الشخصية للمسؤولين فيها.
ومن المؤسف أن يخبر أحد صانعي الأزمة المالية أن ما حصل كان أكبر فقاعة رآها في حياته, وتلك طبيعة الفقاقيع التي تتراجع ليبقى ما هو ثابت فقط. ولأن مسألة وجود وكالات التصنيف ليس محل جدال, فهي جزء من أدوات السوق, كما أنها مؤشر متى صدق في وصف الواقع فإنه يرشد الاقتصاد نحو بر الأمان, ومتى فقد أمانة الكلمة ووقع تحت إغراء المال والمنفعة فإنه يفقد معرفة الاتجاه, ويكون كالبوصلة التائهة التي يستخدمها الملاح لتهديه إلى قلب العاصفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي