«التجارة» تضع ضوابط لاستمرارية الشركات العائلية

تشكل الشركات العائلية أهمية كبرى بالنسبة لأي اقتصاد في العالم بما في ذلك الاقتصاد السعودي, لكونها في الأساس تتكون في معظمها من كيانات صغيرة ومتوسطة تمثل في الغالب نحو 90 في المائة من إجمالي المنشآت الاقتصادية ومسؤولة عن توظيف أكثر 80 في المائة من القوي العاملة, وفي المملكة لا يختلف الوضع بالنسبة للأهمية الاقتصادية للمنشآت العائلية كونها تعد ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني بحجم استثمارات يقدر بنحو 250 مليار ريال.
رغم الأهمية الاقتصادية للشركات العائلية وللناتج المحلي إلا أن هذا النوع من الشركات بمجرد وفاة المؤسس تبدأ في مواجهة عدد كبير من المشكلات التي تعوق استمراريتها وتهدد بالقضاء عليها.
هذه المشكلات تنشأ عادة بسبب النزاع والاختلاف في وجهات النظر بين الورثة والأجيال المتعاقبة على إدارة الشركة, وتشتد هذه الخلافات في الحالات التي لا يكون فيها الورثة جزءا من تكوين هذه الشركات في بدايات مراحل التأسيس, ولم تسند إليهم أي مهام إدارية تتعلق بإدارة أعمال الشركة, ما يفقدهم الولاء والرغبة في استمرارية الشركة وانتقالها إلى المراحل الأخرى.
هذه الاختلافات في وجهات النظر بين الورثة والنزاع الذي ينشب بين الشركاء في الشركات العائلية بسبب وفاة مؤسسها عادة ما ينتهي, كما أسلفت, بالقضاء على الكيانات العائلية, لكن الأسوأ من ذلك أن انتهاء تلك الكيانات يتسبب في حدوث حالة من الإرباك لكيانات ومنشآت وشركات تربطها علاقة تجارية بالمنشآت العائلية مثل الموردين والدائنين والبنوك وخلاف ذلك, كما أن انتهاء الشركات العائلية في الغالب يعود بمشكلات كبيرة على العاملين في تلك الشركات لكونهم سيفقدون وظائفهم بانتهاء تلك الكيانات, ما يتسبب في حدوث بطالة مؤثرة في الاقتصاد لكون ـ كما أسلفت ـ أن الشركات العائلية مسؤولة عن توظيف نحو 80 في المائة من العمالة في سوق العمل, كما أنه إضافة إلى ما سبق ذكره, فإن انهيار الشركات العائلية يتسبب في هضم وضياع حقوق الورثة صغار السن والقصر الذين ليس لهم ذنب فيما يحدث, لكن على الرغم من ذلك سيلحق بهم الضرر بشكل أو بآخر نتيجة انهيار الشركة وخروجها من السوق.
إدراكاً من وزارة التجارة والصناعة في المملكة أهمية المحافظة على المنشآت العائلية وتجنيبها أن تكون عرضة للانهيار بوفاة المؤسس, واضطلاعا منها بالمسؤولية الملقاة على عاتقها، المرتبطة بوضع الضوابط وسن التنظيمات والقوانين الكفيلة بالمحافظة على الكيانات التجارية وضمان استمراريتها بغض النظر عن الملكية، أوضح عبد الله زينل وزير التجارة والصناعية في كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح أعمال ورشة عمل نظمتها لجنة شباب الأعمال في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض لمناقشة قضايا الشركات العائلية بتاريخ 29 أيار (مايو) 2010, أن الوزارة تعكف حالياً بالتعاون مع بيوت الخبرة الاستشارية والاقتصادية على وضع مسودة مشروع ميثاق للشركات العائلية يضمن في حالة تطبيقه والالتزام به انتقال الشركة إلى الأجيال المتعاقبة من تلك العائلات بصورة سلسة بعد وفاة المؤسس, كما أكد زينل في كلمته ضرورة وأهمية الفصل بين الملكية والإدارة في الشركات العائلية واتباع أساليب معينة تساعد على استمرارية الشركات بعد وفاة المؤسس, مضيفا أن تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة يدعم بشكل كبير بقاء ذلك النوع من الشركات والقضاء على الخلافات التي ربما تنشأ بين الورثة والشركاء، لكون التحول إلى شركات مساهمة يساعد على توزيع الأسهم بين الورثة بشكل قانوني ونظامي يكفل استمراريتها وبقاءها بصرف النظر عن وفاة المؤسس, وأن التحول إلى شركات مساهمة يسمح بدخول شركاء جدد وكفاءات إدارية جديدة, ويتيح إدارة الشركة وفق أنظمة وقوانين وخطط وسياسات إدارية وتسويقية وتنظيمية تساعد على تطوير الأعمال في الشركات العائلية واستمراريتها.
إن إلزام الشركات العائلية, خلال مرحلة معينة من حياتها التجارية, بتبني تطبيق إجراءات تكفل التعاقب الإداري ووجود خط إداري ثان وثالث, وإلزامها كذلك بتكوين مجلس للعائلة يختص بالنظر في النزاعات التي ربما تنشأ بين الشركاء أو بين الورثة وإيجاد الحلول المناسبة لها, سيكفل استمراريتها وبقاءها حتى في حالة وفاة المؤسس, كما أن إلزامها بتعيين أشخاص أعضاء في مجلس الإدارة من خارج أفراد العائلة بمن في ذلك مديرون تنفيذيون سيساعد أيضاً على بقائها واستمرارها، وخاصة أن بعض هذه الشركات تتشعب أعمالها وتتضخم للحد الذي يصعب إدارتها بواسطة الشركاء الحاليين دون توافر دعم إداري وفني وتسويقي خارجي مساندا لها.
خلاصة القول إن الشركات العائلية تعد من الركائز الأساسية لازدهار ونمو أي اقتصاد في العالم بما في ذلك الاقتصاد السعودي, ما يفرض الحاجة إلى اتباع أساليب ووسائل تكفل استمرارية هذا النوع من الشركات وعدم انهيارها بمجرد وفاة المؤسس بسبب الاختلافات والنزاعات التي عادة ما تنشأ بين الورثة على الملكية وتقاسم موارد الشركة.
اضطلاعا بالدور المنوط بوزارة الصناعة والتجارة في المملكة المتمثل في المحافظة على استمرارية الكيانات التجارية, بما في ذلك المنشآت العائلية, تعكف الوزارة في الوقت الحاضر على وضع مسودة مشروع ميثاق يكفل استمرارية ذلك النوع من المنشآت في حالة وفاة المؤسس وانتقال الملكية والإدارة بين الورثة والشركاء بسلاسة بعيداً عن المنازعات والخلافات المحتملة التي عادة ما تنشأ بوفاة المؤسس, الذي بدوره سيعود بالنفع على المنشآت العائلية وعلى الملاك وعلى المساهمين وكذلك على المؤسسات والكيانات التجارية التي تربطها بالمنشآت العائلية علاقات تجارية, وكذلك على العاملين في تلك الكيانات, كما أن مثل هذا التوجه سيعود بالنفع على الاقتصادين الكلي والجزئي على حد سواء, لكونه سيضمن استمرارية وتيرة أداء الاقتصاد والإنتاج بغض النظر عن وفاة أحد الشركاء أو المؤسسين. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي