السعودية تعاني فجوة تضخمية تقدّر بـ 13% ويجب ردمها قبل فوات الأوان

السعودية تعاني فجوة تضخمية تقدّر بـ 13% ويجب ردمها قبل فوات الأوان
السعودية تعاني فجوة تضخمية تقدّر بـ 13% ويجب ردمها قبل فوات الأوان
السعودية تعاني فجوة تضخمية تقدّر بـ 13% ويجب ردمها قبل فوات الأوان

حذرت الدكتورة ناهد طاهر الرئيس التنفيذي لبنك جلف ون للاستثمار من استمرار الفجوة التضخمية في السعودية والتي تبلغ 13 في المائة، محذرة من أنه في حال استمر هذا الوضع سيعاني الاقتصاد السعودي أكثر في المستقبل خاصة مما يسمى بالتضخم الركودي ومن ثم ارتفاع معدلات الفقر.

وأوضحت ناهد طاهر، أن الاقتصاد السعودي اليوم بحاجة إلى بنوك استثمارية قادرة على تمويل المشاريع الكبيرة خاصة المجالات التي تحيي الاقتصاد السعودي، في مجالات الإنتاج، البنية التحتية، الصناعة، الغاز والنفط، البتروكيماويات، التعليم، الصحة، وغيرها. وأشارت إلى أن أهم التحديات التي تواجه البنوك القائمة حاليا تبرز في تأمين الموارد البشرية من المصرفيين المتخصصين في مجال الشركات، وكيفية إدارة استثمارات البنوك في الخارج وإعادة تدوير هذه الأموال، مطالبة البنوك بإعادة النظر في استراتيجيتها للاستثمار الداخلي بشكل كبير. واعتبرت الرئيس التنفيذي لبنك جلف ون، في حوار موسع مع “الاقتصادية” ننشر اليوم الجزء الأول منه، الهيمنة الحكومية على تمويل وإدارة المشاريع ليس في مصلحتها وسيجعل هذه المشاريع عبئا متزايداً مع مرور الوقت قد تصل فيه إلى مرحلة لا تستطيع تنفيذها أو تأجيلها، مثل بعض مشاريع الخصخصة الحيوية التي ألغيت أو تأجلت وبافتراض عائد مالي في حدود 15 في المائة فقط، حيث تخسر المملكة ما يفوق 12.7 مليار دولار كعائدات سنوية لميزانيتها أو صناديقها الاستثمارية فيما لو تم إطلاقها بشكل استثماري صحيح.. إلى تفاصيل الحوار..

#2#

بداية.. ما دور بنك ون جلف في وتمويل المشاريع وتطويرها؟

بنك جلف ون هو البنك الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط ولا يوجد بنك مماثل له في مجال تخصصه. بنك أوجد وأسس في مجال البنية التحتية والصناعة وانتقل بفضل الله إلى العالمية في وقت قياسي. لقد كان هذا تحد كبير لنا كؤسسين وكإدراة إبان تأسيسه قبل أربع سنوات تقريباً لأن تأسيس البنك تزامن مع عمليات الخصخصة في بدايتها ولا يوجد هناك قوانين واضحة لكيفية خصخصة المشاريع التي كانت بالكامل تحت مظلة الحكومة سابقا.

وكيف يمكن دخول القطاع الخاص والقوانين التي تعمل لمصلحة الطرفين بحيث ينجح كل منهما ويضاعف نجاحه بالشراكة مع الآخر. فدخول بنك استثماري في هذا المجال كانت، بلاشك،الحاجه إليه كبيرة وماسة كما يمثل تحديا كبيرا. وعلى الرغم من كوننا في مجال تمويل المشاريع العملاقة إلا أنه من خلال ذلك تتطلب مشاريعنا وشركاتنا العمل على توسيع أنشطة الكثير من الشركات الصناعية والتقنية ذات العلاقة ما يسهم بشكل كبير في تنميتها ورفع مستوى مهنيتها. بل أحيانا نقوم بشراء شركات أجنبية مستثمرة في نفس مجالاتها ونتفق معا على طريقة للخروج من هذا الاستثمار مع الشركات المحلية بعد التأكد من استقرار نموها وقوة أدائها، إضافة إلى ذلك لدينا مبدأ في البنك وشركاتنا بأن يكون هناك نوع من المشاركة في ملكية البنك للشخص العامل في المؤسسة وهذا ينمي روح المشاركة لأن هدف الشخص لن يكون تحقيق الربحية فقط ثم الخروج والبحث عن وظائف أخرى.

بالنسبة لنتائج البنك منذ بدايته فإنه يحقق أرباحا عكس بعض الشركات الجديدة التي تتحمل خسائر في بداياتها، واليوم تصنيفنا في العائد على الأصول يأتي بنك جلف ون في المرتبة الأولى بين البنوك الاستثمارية في الخليج رغم أننا لم نقترض دولاراً واحداً، جميع استثماراتنا في رأس المال وبطريقة إسلامية 100 في المائة.

يرى البعض أن المصرفية الاستثمارية في السوق السعودية، ما زالت عظامها طرية بالنظر إلى فورتها السريعة في السنوات الخمس الماضية وصعودها الدراماتيكي وتباطؤها السريع بعد ذلك أيضاً؟

المصرفية الاستثمارية، أرى أنها ما زالت بعيدة كل البعد عن حاجة السوق، وأصبحت عنوانا للاستثمار العقاري والمضاربة في المعادن سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. وهذه الأنواع من الاستثمارات لا تحتاج إلى إنشاء بنوك للاستثمار فيها، بل قد تترك آثارا سلبية بأن تخلق سوقا وهمية ومضاربة على أسعار الأصول جراء المغالاة في تقييمها. لكن ربما الأزمة العالمية الأخيرة قد تكون نقطة إنذار أو مؤشر على عدم صواب هذا العمل، فحتى في الدول المتقدمة انهارت أسواق العقار المبالغ جدا في تقييمها والقائمة على القروض الضخمة سواء كانت الأدوات التمويلية ربوية أو إسلامية، لأنه كان سبيلا للكسب السريع، والجميع اليوم في العالم يتحدث عن أهمية الاستثمار المسؤول بأنه عنوان أي استثمار ناجح ويقصد به ألا تستثمر في أي استثمار بهدف الربح الفردي ولابد أن يكون هناك أثر جيد في المجتمع ويربح آخرون معك وليس على حساب خسارة آخرين، وهذا ما كان سبب الأزمة العالمية، لابد من خلق وظائف للاستثمار في أصولها وتبادلها والمضاربة عليها، وأن يؤدي إلى نمو اقتصادي بشكل عام باتصاله بشبكة من الاستثمارات الأخرى. كل هذا يعني أن مقاصد المصرفية الإسلامية لم تطبق بعد، وأن معظم الأدوات الإسلامية في التمويل المطبقة حاليا تدور حول الآليات و لا تنظر إلى المقاصد.

#3#

هل تتوقعين ضغوطاً تضخمية مرتقبة ستعانيها المملكة ولا سيما في ظل الارتفاع التدريجي لأسعار المواد الاستهلاكية وارتفاع الإيجارات ؟ وهل تتوقعين رفع الفائدة تدريجياً؟

الفجوة التضخمية كانت كبيرة (بمعنى الزيادة في العرض النقدي مطروحا منه الزيادة في الدخل القومي). فنجد أن العرضين الماليين من الحكومة والقطاع الخاص يضخان أموالاً أكثر من قدرة المجتمع والاقتصاد على استيعابها وخلق منتجات باستخدامها، الأمر الذي يعني أن هذه النقود ستطارد سلعا محدودة ما ينتج عنه ارتفاع في الأسعار، وهذا ما أحدث، رغم الكساد والأزمة المالية هناك ارتفاعا في الأسعار،و العيب ليس في زيادة العرض النقدي إنما في القدرة الاستيعابية للاقتصاد، فهناك مشاريع بمليارات الدولارات التي عادت للحكومة ولم تخصص (تم إصدار قرار خصخصتها وترسية المشاريع لكنها عادت بسبب فشل هيكل واستراتيجية التمويل والتنفيذ). هذا دليل كبير على وجود فجوة تضخمية ووجود نقص في القدرة الاستيعابية والإنتاجية في الاقتصاد المحلي. فمثلا مشروع القطارات (الجسر البري) بمفرده يقدر بقيمة سبعة مليارات دولار ومشروع رأس الزور للمياه يبلغ ما يقارب أربعة مليارات دولار وغيرها من المشاريع المهمة في المياه والمواصلات والصرف الصحي.
نحن في أمس الحاجة إلى تنفيذ هذه المشاريع لكن العبء لا يمكن أن يكون على ميزانية الدولة بمفردها حتى وإن فكرت في ذلك. كما أن الهيمنة الحكومية على تمويل وإدارة المشاريع ليس في مصلحتها وسيجعل هذه المشاريع عبئا متزايدا مع مرور الوقت قد تصل فيه إلى مرحلة لا تستطيع تنفيذها أو تأجيلها، ما يضاعف من تكلفتها ويخلخل الاقتصاد ككل لارتباط مشاريع أخرى أساسية بها. ويأتي هنا دور التعاون بين المالية والقطاع الخاص بإيجاد هيكلة مناسبة لاستقطاب الأموال العالمية التي تنظر بجدية نحو المنطقة في هذه الفترة خاصة مع تداعيات الأزمة المالية العالمية في الغرب.

هل تتوقعين أن نواجه مؤشرات تضخمية مقبلة ؟

بلاشك إذا استمر النقص في الطاقة الإنتاجية للمملكة سيستمر التضخم لأن هناك ارتفاعات في الأسعار من الخارج، فالتضخم لدينا مستورد والدول المصدرة لنا تعوض عن انخفاضات عملتها برفع الأسعار للسلع التي تصدرها لنا. وسنستمر في ذلك طالما أننا لا ننتج محلياً أو نكون جزءا من الإنتاج العالم بالشراء في الشركات العالمية المنتجة. ولا يمكننا إنتاج أي سلعة محليا إذا لم تكن لنا ميزة نسبية تمكننا من البقاء في السوق. قدرتنا على الإنتاج هي الحل وليس ضخ الأموال في الاقتصاد في إنشاء مبان ومجالات استهلاكية. من دون ذلك، مهما بعنا من نفط، ومهما حاولنا أن نستورد بأسعار أقل لن ننجح في ردم الفجوة التضخمية التي وصلت هذا العام وفقاً لتقديراتنا في بنك جلف ون إلى 13 في المائة. هذا ليس التضخم المعلن أو مقياس الأسعار لأن هذا له سلة معينه تضعها الدولة، بل يمثل العجز في قدرة الاقتصاد على الإنتاج مقابل ما يأتيه من أموال من النفط وغيره، وهذا هو المقياس الحقيقي للتضخم وفي حال استمر هذا الوضع ولم تعالج الفجوة التضخمية فسيعاني الاقتصاد السعودي أكثر في المستقبل وخاصة مما يسمى بالتضخم الركودي ومن ثم ارتفاع معدلات الفقر.

هل تخشى البنوك السعودية منافسة الأجنبية ؟

لا أعتقد ذلك، البنوك السعودية تعمل في مجال التجزئة الذي يحتاج إلى نقاط توزيع كثيرة وهو ما يتوافر لدى البنوك المحلية، كذلك الخبرة في الإقراض وغيرها، لكن على البنوك السعودية أن تتجه نحو مجالات أخرى فلن تستطيع النجاح ما لم تتجه نحو الإقراض السكني،و إقراض المشاريع المنتجة وليس المشاريع الصغيرة التي لها بنوك متخصصة. يجب الاتجاه إلى مجالات تحيي الاقتصاد السعودي، فما نحتاج إليه ليس بنوك التجزئة وإنما بنوك استثمارية عالمية ومحلية في مجالات الإنتاج، البنية التحتية، الصناعة، الغاز والبترول، البتروكيماويات، التعليم، الصحة وغيرها.

لماذا برأيك نفتقر إلى مثل هذه البنوك في السعودية؟

لأنه وبكل أسف، هيكلنا الاقتصادي في الخليج وليس المملكة فقط يقوم على الربح السريع وقصر النظر،و ليس لدينا الصبر الكافي، نريد وضع الاستثمار اليوم وجني الربح غدا، هذا لن يجلب لنا الخير أبداً، الغربيون وهم الأطول منا خبرة في مجال الاستثمار اليوم يقولون إن الاستثمار قصير الأجل هو منشأ الانهيار المالي الأخير في العالم، كذلك عدم ربط العملة بالذهب والتوجه نحو طبع النقود في الاقتصاديات المعومة لعملتها بطريقة غير عقلانية وفقاً للتقييم الشخصي، إذاً علينا كتكتل اقتصادي ناشئ وأنظار العالم تتركز عليه للاستثمار مدعوما بالأصول دون مبالغة وعندما نقيم عملتنا يجب أن نعطيها حقها.

برأيك، هل عدد البنوك الأجنبية في السعودية كاف في الوقت الراهن؟

أعتقد أنه أكثر من كاف لأننا لا نحتاج إلى مزيد منها في مجال التجزئة، البنوك الأجنبية اليوم فشلت في دولها، وفضائحها وخسائرها دوت في كل مكان، ظهرت الكثير من الحقائق التي أفقدتنا الثقة بهذه البنوك، وبرأيي أن البنوك الأجنبية لم تعد مثالا يحتذى بها اليوم كما كانت في السابق، بالعكس علينا في الخليج أن نستفيد من الأخطاء التي وقعت فيها البنوك الأجنبية حتى لا نقع فيما وقعت فيه من انهيارات لأكبر بنوكها، كأن يلقون باللائمة علينا بالمخاطرة العالية ويفرضون علينا هوامش ربحية مرتفعة في الخارج بدعوى أننا بنوك عالية المخاطر، ما حدث اليوم أننا فقدنا الثقة بتقييمهم وتصنيفهم للشركات والاستثمارات وغيرها، علينا النظر إلى الداخل ولدينا الكثير من الفرص اللامحدودة التي يجب أن نستغلها لصالح اقتصادياتنا.

كيف تقيمين مستوى الإقراض في البنوك المحلية في الوقت الحالي ؟

لاشك أن الإقراض يعاني نظراً لضعف القوة الشرائية في السعودية حالياً، ووفقاً لبيانات مؤسسة التأمينات الاجتماعية للسعوديين المسجلين لديها فإن 66 في المائة رواتبهم أقل من ألفي ريال، إذاً من ستقرض البنوك إذا كان هؤلاء من يعملون في القطاع الخاص، بالنسبة للقطاع الحكومي؟! وإذا نظرنا إلى قطاع الأفراد فإنه مشبع بالقروض وعليه من الديون ما يكفي لعشرات السنوات القادمة، بخلاف خسائره في سوق الأسهم والعقار وما إلى ذلك، فمن سيتم إقراضه! فيما يخص قطاع الشركات هناك تخوف عالمي من الإقراض لهذا القطاع، لكن يجب ألا ينطبق ذلك على بنوكنا المحلية التي لابد أن تتجنب التوجس المفرط، وعليها إجراء المزيد من الدراسة والتحري والتقصي عن أداء هذه الشركات والمضي قدماً في دعمها وإقراضها إذا كانت شركات جيدة ومنتجة، أما الشركات العقارية و الشركات التي استثماراتها في الخارج فإنني لا أشجع إقراضها.

وينبغي على البنوك أن تسعر قروضها بشكل عقلاني، فقد وصلت فائدة الإقراض لبعض المصانع والشركات المنتجة إلى 15و18 في المائة رغم أدائها المتميز والطلب المتنامي والمتسارع على منتجاتها، في حين أن الفائدة الرسمية أقل من 0.5 في المائة فقط ما يثقل كاهل هذه الشركات الناجحة بالديون ويعرضها للخسائر. في حين أن الشركات والمصانع الأجنبية المماثلة في الحجم تدخل الرساميل الخاصة في الاستثمار فيها دون أي قروض أو تعطيها البنوك الحكومية قروضا صغيرة وميسرة جدا بفوائد أقل من الفائدة الرسمية. ووفقاً لقناعاتي أؤمن أنه يجب أن يقتصر الاستثمار في هذه الشركات المتوسطة بالمقاييس العالمية على الرساميل الخاصة Private Equity فقط وبفائدة صفر ورسوم طفيفة للبنوك لتغطية تكاليفها فقط، لأن أرباح هذه الاستثمارات الحقيقية عادة تكون مرتفعة جدا إذا ما تمت هيكلتها ماليا بشكل سليم.

ما أبرز التحديات التي تواجه البنوك السعودية في الوقت الحالي؟

أبرز التحديات هي تغييرها لاستراتيجيتها والنظر إلى عشر سنوات للأمام، كذلك في ظل الأزمة العالمية البحث والتنقيب عن الفرص واقتناصها، والموارد البشرية من توفير المصرفيين المتخصصين في مجال الشركات لأنهم ثروة المستقبل، أيضاً استثمارات البنوك في الخارج وكيفية إعادة تدوير هذه الأموال، ونتمنى على البنوك إعادة النظر في استراتيجيتها للاستثمار الداخلي بشكل كبير.

ماذا عن الشركات العائلية التي أصبحت مصدر قلق كبير لدى البنوك؟

الشركات العائلية لابد من تصنيفها وفقا للمعلومات المتوافرة عنها، حيث إن معظم شركاتنا عائلية، فإذا كانت شركات جيدة ومنتجة في مجال الصناعة والتقنية وغيرها من المجالات الإنتاجية وذات كفاءة عالية، يجب على البنوك إقراضها وبأسعار معقولة حتى تساعد على تنمية الاقتصاد السعودي، للأسف هناك الكثير من الشركات العائلية المهملة التي لا تضع لها البنوك أي اعتبار بحجة أنها عالية المخاطر وهذا الأمر ليس صحيح، إذا تم العمل مع هذه الشركات سوياً ودعمها والاستثمار في رؤوس أموالهم سيعطي هؤلاء المستقبل للاقتصاد السعودي، لكن الإقراض لشركة عائلية فقط للاسم بالتأكيد لا نؤيد إقراضها.

تنبأت بكارثة سوق الأسهم 2006 قبيل حدوثها بأشهر. ما هي قراءتك لسوق الأسهم السعودية حالياً، وكيف ترين المستقبل؟

بالنسبة لأزمة 2006 رأيناها في الخارج قبل أن تصل إلينا، فقد كانت هناك مبالغة في تقييم أصول الشركات، والغريب أنه ما زال حتى اليوم كثير من المستثمرين في انتظار ارتفاع السوق للتعويض عن خسائرهم. فالسوق إذا لم تدرج فيها شركات ذات أصول جيدة لن تتحسن، في الأشهر القليلة السابقة رأينا شركات طرحت ولم تدرج، ونقدر هيئة السوق لعمليات التقنين والأنظمة الصارمة التي وضعتها ونفذتها، وقامت الهيئة بإلغاء رخص بعض الشركات الاستشارية لأنها لم تقم بواجبها على أكمل وجه أو قامت بعمليات مضاربة في سوق الأسهم والتغرير بالعديد من المستثمرين وعرضتهم للخسائر. ومن وجهة نظري تحتاج سوق الأسهم لإعادة هيكلة مرة أخرى ونعلم أن هيئة سوق المال تعمل على ذلك، لكن الشركات التي ستطرح يجب العمل على تنميتها بشكل يطمئن المستثمر للدخول إلى سوق الأسهم وليس المضاربة، ما يحدث اليوم لا يزال مضاربة وهيئة سوق المال تعاني من هؤلاء المضاربين.

في تصورك هل اتعظ المضاربون الأفراد من كارثة 2006 أم أن الثقافة الاستثمارية ما زالت غائبة حتى اليوم؟

للأسف لم يتعظ الكثيرون منهم، هناك من ينتظر حتى الآن تعويض خسائره في تلك الفترة، وهذا خطأ كبير،وعليهم الخروج من بوتقة المضاربة لأن المضارب حتى لو ربح فإنه يؤذي كثيرين غيره، عليهم التوجه لاستثمارات أخرى تعود عليهم بالنفع.

يطرح بعض المختصين أن توافر السيولة اليوم في السوق ولا سيما بعد تخارج العديد من الناس من القروض السابقة والبدء في أخذ قروض جديدة، ربما يولد عمليات توظيف أموال ومساهمات وهمية مجدداً في ظل محدودية القنوات الاستثمارية الرسمية. كيف ترين الأمر؟

لا ريب أنها ستخلق سوقا سوداء للاستثمار وهي خطر كبير إذا لم توجد قنوات استثمارية جيدة تقنع الفرد بالدخول فيها، والخطر الآخر أن القروض التي يأخذها الأفراد لا تزال في مجال الاستهلاك (شراء سيارة، وما شابه) ثم يجدون أنفسهم في مأزق مالي كبير أرهق الميزانية ولم يأت عائد من هذا القرض، وما زلنا نعاني من العائدات الاستهلاكية العالية، وهناك ضعف في مجال التوعية بأهمية الادخار والاستثمار.

كيف يمكن تطوير سوق محلية للسندات المالية، وإنشاء قاعدة مؤسسيّة للمستثمرين؟

في الواقع سوق السندات الإسلامية (الصكوك) والتي طالبنا بها منذ زمن ما زالت ضعيفة، ولم نر فعلاً سوقاً قوية فيها، ونأمل أن نرى في المستقبل القريب تحسناً فيها، لأنها هي الطريق الآخر للتمويل السليم للمشاريع طويلة الأجل عوضاً عن رأس المال.

هل ما يتعرض له اليورو في الوقت الحالي من انخفاض حاد جاء وفقاً لمسببات اقتصادية صرفة، أم أن هناك من يعتقد أن الأوروبيين يفتعلون ذلك لدعم قدرتهم التصديرية في ظل الركود الاقتصادي القائم؟

لا أعتقد أن هذا الانخفاض مفتعل، لأن اهتزاز الثقة بالسندات الأوروبية بناء على انخفاض اليورو ربما تكون له آثار سلبية أكبر بكثير من زيادة الصادرات، لأن نسبة الصادرات لن تكون كبيرة جراء انخفاض العملة، لكن مسألة الثقة باليورو أهم بكثير ولاسيما الآن مع تدهور وضع الدولار. الثقة باليورو صارت أخيرا ومنذ حدوث الأزمة المالية الحالية أكبر بكثير من الثقة بالدولار، فتدهور الثقة باليورو ستؤدي إلى فقد الثقة بالدول الأوروبية أكبر من استفادتها من زيادة الصادرات.

ولذلك أنا على ثقة بأن ألمانيا ستتدخل بقوة لكنها أيضا ستكون صارمة في سياساتها وتريد التزاماً من الدول الصغيرة مثل إسبانيا واليونان والبرتغال وإيرلندا والتي تسمى PIGS ومصداقيتها في تعديل سياساتها المالية والاقتصادية لتستحق أن تكون ضمن منظومة اليورو.

كما أنه وبقيادة ألمانيا ستنشئ دول اليورو ما يسمى بـ “صندوق الاستقرار المالي الأوروبي” بقيمة 600 مليار يورو والتي لابد أن تترجم إلى جهة مؤسساتية تؤدي دورا رئيسيا في إقراض الدول المديونة في المنطقة وحل مشاكلها الاقتصادية، على أن تقدم خططا اقتصادية توضح فيها استراتيجياتها المستقبلية وتوافق عليها الدول المانحة وعلى رأسها ألمانيا. فيتدخل الصندوق مشتريا سندات الدول المتعثرة في المنطقة.

وهذا يعد تحديا لأن دول منطقة اليورو متحدة في نظامها البنكي لكن ميزانياتها كانت مسألة وطنية مستقلة لكل دولة على حدة لكن التوجه الآن هو التدخل بشكل أكبر في السياسات المالية لدول اليورو ذات العجز والتأكد من سلامة هذه السياسات. لذلك أتوقع ألا يستمر انخفاض اليورو كثيرا قبل أن يعاود الارتفاع لأن اقتصادات منطقة اليورو قوية ورائدة صناعيا وتقنيا.

الأكثر قراءة