أطفالنا وبناء القيمة التربوية وثقافة «الجوّال»
كثيرا ما يحاسب الوالدان أبناءهما على ما قد يرتكبونه من أخطاء, لكن - مع الأسف - غالبا ما يأتي الحساب متأخرا, وكما يقال ''لا يصلح العطار ما أفسده الدهر''. وما بين محاولات الثواب والعقاب ربما يفقد الطرفان كثيرا، لا يعني ذلك أن الإصلاح على كبر لا قيمة له, لكن العمل على إتقان البناء التربوي للشخصية في الطفولة هو الأفضل على الإطلاق, إذ لا مقارنة بين غرس السلوك والمبدأ والقيمة في الطفولة والاجتهاد للتوجيه في المراهقة والشباب والكبر, لكن كثيرا من الأسر ما زالت لا تعتقد بهذا الأمر على المستوى العام, حيث نرى التعجب والدهشة في عيون الآباء عندما يتقن أطفالهم الصغار بعض الكلمات أو يحفظون بعض الجمل والعبارات أو يلتقطون بعض السلوكيات التي ربما لا يكون هناك قصد في توجيهها من قبل الآباء, ويرجعون تلك الدهشة لكون عمرهم صغيرا, بينما أثبت كثير من نظريات علم النفس القديمة, بل والحديثة منها, أن التعامل التربوي والتعليمي مع الطفل أصعب في الأداء بحكم الفارق العقلي والصعوبة في توصيل الفكرة, لكن في المقابل هو أكثر ثباتا سواء كان الموضوع المكتسب نظريا أو تطبيقيا, لكن مع ازدياد انتشار التفكك الأسري لأسباب كثيرة وحديثة أصبح تعليم الطفل في العصر الحالي من الوالدين مصدرا رئيسا لا يحدث إلا بنسبة بسيطة لا تقارن بالسنوات السابقة, حيث لم تكن هناك في السابق مصادر للتشتت كالفضائيات والإنترنت والآن ثقافة ''الجوال''. أعتقد أن هناك نوعا من الانحدار الفكري والثقافي الشديد أصبحت تعيشه المجتمعات كافة على مستوى العالم, ونحن كمجتمع جزء من هذه الفوضى التي لا تخلف بعدها سوى الانحدار الأخلاقي, ويظل الإعلام حاملا للمسؤولية حاليا وبلا منافس, خاصة في موجة غياب الوالدين تربويا عن الأبناء وتركيز الأبناء على مصادر الإعلام الفضائي. ولو ألقينا الضوء مثلا على ما يقدم للأطفال على القنوات العربية سنجد أن ليس هناك ما ينافس قنوات الأطفال الغربية, حيث الإبداع وحداثة المعلومة وإتقان العرض والإخراج والتعمد الغربي لإبراز شخصيات معينة كأبطال بينما الإعلام العربي يدور في الحلقة نفسها التي كان يدور داخلها منذ سنوات وبأسلوب التوجيه المباشر نفسه, بل لقد كانت قصص الأطفال التي تعرض قبل عشر سنوات تحمل معاني أخلاقية رائعة مثل الأمانة والخير والصدق, لكن قصص الأطفال الحديثة التي تعرض على ساحة الإعلام العربي لا تخرج عن كونها برامج حشو ترفيهي فقط لملء الوقت وتعبئة الفراغ لا يخرج بعدها الطفل بأي فائدة تذكر. لا أعتقد أن لدينا قصورا يعوق تقديم مادة مفيدة وماتعة لأطفالنا تحمل قيمنا الجميلة, لكن ينقصنا حسن التخطيط للأفضل والجدية في إتقان العمل .. فهل يفكر العاملون في ميدان الطفل أن الطفل العربي أصبح يدرك جيدا مفهوم الانتقائية؟