المرأة العصرية والميول التوسعية! (1 من 2)
يجب التنويه إلى أن المرأة العربية قد وُضعت خلال العقدين الأخيرين أمام خيارات نفسية واجتماعية شديدة التعقيد، فقد وُضعت في موقف الاختيار بين ما تبقى من خصائصها الفطرية والطبيعية، وبين أن تمضى في طريق «مدعوم» يضمن لها ندية كاملة مع الرجل في كافة المجالات تقريباً.
فالخيار الأول، يمثل منطقة المرأة الخاصة التي لا ينازعها فيها أحد، لكنها منطقة أُُبعدت عَمْداً عن دائرة الضوء، بل وتم السعي إلى تقويض أركانها عبر آليات إعلامية تتحدث بتجزيء مُخل عن حرية المرأة وحقها البشرى في التعبير عن نفسها، وأما الخيار الثاني، وهو خيار الشهرة وذيوع الصيت، عبر كاميرات ترصد، وأقلام تكتب، وقنوات تعرض، وكثرة جماهيرية تقرأ وتسمع وتشاهد، حتى بات الخبر الذي يحمل على متنه شيئاً عن المرأة هو الخبر الأكثر بريقاً ولمعاناً بين أقرانه من الأخبار.. فلأي خيار سوف تتجه المرأة؟!.
أقول وبلا مزايدة: إن المرأة سوف تميل وتنحاز إلى الخيار الثاني ولو على المستوى النفسي على الأقل، وهنا تضع المرأة أول قدم لها على طريق "التحور" النفسي والسلوكي لتحاكى طبيعة الأرض الجديدة التي تريد ضمها إلى منطقتها الخاصة، إذ يفرض عليها التحدي الجديد أن تتخلى طوعاً أو كرهاً عن بعض حيائها، أو رقتها، أو حنانها، بأن تتقمص بعض خصائص الرجال حديثاً ومظهراً، لتكون جاهزة بالحد الأدنى من وسائل إثبات مفهوم «لا فرق بين رجل وامرأة»، مستغلة طبيعة الظرف الراهن الذي يتعاطف معها بكل أبعاده.
إن عمل المرأة ليس مرفوضاً بالكلية، ولكن يجب أن يتناسب مع طبيعتها وتكوينها كأنثى، لأن طبيعة العمل تؤثر - بلا ريب - في شخصية وأسلوب ممارسه، وبذا فإن الأعمال الشاقة، والأعمال التي تتطلب احتكاكاً بالجمهور، والأعمال التي تعتمد على الحركة المستمرة، أرى أنها لا تصلح للمرأة، ليس من باب أنها لا تملك القدرات، أو أنها لا تستطيع، ولكن من باب أن ممارسة هذه الأعمال يخرج المرأة من ثوبها كأنثى، لينقلها إلى منطقة لا هوية لها، إذ لن تستطيع أن تكون رجلاً، ولن تستطيع الإبقاء على خصائصها الفطرية التي خُلقت بها، وهنا يحدث الارتباك!.
لذا فالمرأة لن تُبقى على شيء من أنوثتها، إن استمرت في البحث عن أماكن الرجال لتشغلها، وهى في ذلك لا تطور من نفسها ولا تحقق ذاتها وإن خُيِّلَ لها ذلك، وإن صفق لها بعض أدعياء الحرية، حتى توغل في نسف دعائم طبيعتها، زاعمين أنهم أهل مناصرة حقها في أن تعمل، وأن تتكلم، وهى كلمات حقٍ يُراد بها باطل، حتى يمضى قضبا المجتمع - الرجل والمرأة - على طريق التضارب والتنافر، لأن الرجل لا يبحث بطبيعته عمن يشابهه في المظهر، أو في الكلام، أو في طريقة التعامل، الرجل يبحث عما يفتقده في نفسه من رقة ونعومة وحنان، فإن صح وفقدت المرأة هذه العناصر دون أن تدرى، فسوف يُعرض عنها الرجل، لأن الأقطاب المتشابهة تتنافر!.
إن حركة المجتمع على درب العطاء الإنساني والاجتماعي لن تستقيم، ما لم تنتظم حركة عنصريه، الرجل والمرأة، في شكل تكاملي وتوافقي وتناغمي، وليس مدعاة للفخر أن تؤدى المرأة كل أعمال الرجل، أو العكس، لأن تداخل الأعمال وتضاربها، سوف يؤثر حتماً على النظام الأسرى والاجتماعي، من خلال التأثير على هيئة العلاقة بين شقي المجتمع، وبذا فليس مطلوباً أن يدخل كل طرف في دوامة الجدل مع الطرف الآخر لإثبات الأحقية بممارسة هذا العمل أو ذاك، فليست هذه هي القضية.
إن القضية تكمن في محددات أربع:-
الأول : مدى أهمية وضرورة العمل الذي تؤديه المرأة للأسرة و للمجتمع.
الثاني: مدى انسجام طبيعة العمل مع طبيعة المرأة كأنثى لها خصائص معينة.
الثالث: مدى تأثير عمل المرأة على الكيان الأسرى من حيث الترابط والانسجام.
الرابع: النتائج العملية التي يجنيها المجتمع ككل من وراء عمل المرأة.
وأظن أنه بتفعيل المحددات الأربع لتسير في توازٍ تام، سوف تؤدى المرأة دورها المنشود من ناحية، وسوف تحتفظ بخصائصها وبريقها من ناحية أخرى.