مشروع الاستراتيجية الوطنية للصناعة .. ماذا بعد؟

منذ عام 2005، قام فريق عمل تابع لوزارة التجارة والصناعة وبالتعاون مع عدد من الجهات ذات العلاقة وبإشراك القطاع الخاص الصناعي والإعلامي، وبطريقة احترافية، بالعمل على مشروع تطوير خطة استراتيجية للصناعة الوطنية. وعلى مدى أكثر من خمس سنوات ومن خلال إنفاق مبالغ مالية كبيرة وتخصيص وبذل أيام عمل بلغت أكثر من 20 ألف يوم عمل، قام فريق العمل بتطوير خطة استراتيجية للصناعة الوطنية تركز على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية والمتوسطة, بحيث تسهم الصناعة في تنويع مصادر الدخل في المملكة مع زيادة نسبة مساهمة الصناعة بأكثر من 20 في المائة في دخل المملكة للفترة الأولى من المشروع. وللأهمية الاستراتيجية ولإيمان قيادة المملكة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ حفظه الله ــ بأهمية الصناعة ودورها في المملكة, حيث أشار ــ حفظه الله ــ إلى أن «الصناعة خيارنا الاستراتيجي لتنويع مصادر الدخل»، فقد تم اعتماد الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية من قبل مجلس الوزراء بتاريخ 2/2/2009 لينتظر الوطن تحقيق أهداف المشروع الاستراتيجية خلال السنوات العشر المقبلة.
وعلى الرغم من أننا أشدنا سابقاً بمنهجية واحترافية العمل في مشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية سواء ما يخص الشفافية في سير المشروع أو مشاركة أطراف المشروع أو وضع مؤشرات أداء ومتابعتها من خلال لجنة توجيه عليا تضم المجلس الاقتصادي الأعلى، إلا أن ما نراه حالياً من غموض في المشروع يدعو إلى القلق وربما يكون مؤشراً قوياً إلى احتمال توقف المشروع أو تغيير أهداف ومنهجية وإدارة ومرجعية المشروع. كنا وما زلنا نأمل أن يكون هذا المشروع نموذجاً وطنياً ناجحاً لمشاريع المملكة وذكرنا ذلك سواءً في مقالات مكتوبة أو من خلال لقاءات، وكانت جميع المؤشرات في حينه تؤيد هذا التوجه.
إن من أهم مبادئ العمل في التخطيط الاستراتيجي وإدارة المشاريع ضرورة العمل بطريقة مؤسساتية لا تعتمد على فرد أو مجموعة متى ما ذهبت أو تغيرت أو دخلت عناصر جديدة توقف أو تأخر أو حتى فشل المشروع. إن ما يمكن ملاحظته من خلال قراءة ودراسة تحليلية ومن خلال اطلاع وتقييم مباشر لأهم المشاريع في المملكة خلال العقود الخمسة السابقة أن من أهم عدم تحقيق بعض المشاريع التنموية الأهداف الاستراتيجية المتوقعة منها اعتمادها على أفراد، هم، بطريقة وبأخرى، من يحدد أهداف المشروع، وهم من يحدد أطراف المشروع، وهم من يحدد ميزانية المشروع، وهم من يحدد كيفية وحجم الصرف، وهم من يقرر من يعمل ومن لا يعمل، وهم من يحدد نجاح المشروع من عدمه، وهم الكل بالكل، فالمشروع وموارده المالية والوظائف المرتبطة به، من وجهة نظرهم، أنشئت وخصصت لتخدمهم وتخدم مصالحهم الشخصية، أما خدمة الوطن والمواطن فهذا ليس شأنهم.
في أي مشروع، هناك عدة شركاء يسهمون ويستفيدون من المشروع، يجب أن يكون كل من منهم على دراية ووعي بما يحدث في المشروع بشكل مستمر، خصوصاً عندما يكون هناك خطر، أياً كان، يواجه المشروع. المشروع يمر بعدة مراحل من أهمها: تعريف وبدء المشروع، تخطيط المشروع، تنفيذ المشروع، المتابعة والرقابة على المشروع (الجودة)، وإغلاق المشروع وقبوله، يتطلب في كل مرحلة منها التعامل مع عدد من العوامل المؤثرة منها: إدارة المخاطر، إدارة الاتصال، إدارة التوثيق، إدارة الوقت، إدارة الموارد البشرية في المشروع، إدارة أطراف المشروع، وإدارة المخرجات. وإذا نظرنا إلى موضوع إدارة المخاطر في المشاريع بشكل عام وفي مشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية بشكل خاص, فإننا نجد أن هناك عددا من الأحداث التي حصلت خلال فترة الأشهر القليلة الماضية منها ما حدث من تغير في إدارة المشروع وتأخير في بدء المشروع وغيرها، دون أن تصاحب ذلك أي شفافية أو تواصل مع أطراف المشروع الأخرى لمصارحتهم ومناقشتهم وأخذ آرائهم حول ما يحدث في المشروع وطلب مرئياتهم ومقترحاتهم ومشاركتهم في اتخاذ القرارات اللازمة لتقليل آثار المخاطر الحاصلة في المشروع، ما يؤدي إلى زيادة مخاطر المشروع وربما يتسبب في فقدان ثقة ودعم أطراف المشروع المختلفة سواءً القطاع الخاص, وهو شريك استراتيجي أو الدولة, وهي الراعي والمالك للمشروع.
إن مشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية ليس ملكاً لوزارة التجارة والصناعة, لكنه ملك للوطن والمواطن، وقد أوكل لوزارة التجارة والصناعة، كمرحلة مؤقتة، الإشراف على وإدارة المشروع من خلال البرنامج الوطني للتنمية الصناعية، على أن يستقل البرنامج بعد انطلاقه وذلك بإنشاء هيئة وطنية للصناعة تعنى برعاية ودعم الصناعة المحلية ذات القيمة المضافة العالية والمتوسطة. هناك عدة أطراف مؤثرة ومشاركة في المشروع يجب التعامل والتواصل معها في جميع الأوقات، خصوصاً عند الضرورة وحدوث مشكلة معينة، منها المجلس الاقتصادي الأعلى الذي يفترض أن يلعب دور المشرف على المشروع من خلال دوره في لجنة التوجيه العليا للمشروع، وعدد من الجهات الحكومية الأخرى والجامعات، والقطاع الخاص الصناعي، والإعلام، والمواطن. مشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية كان طموحاً وكانت له متطلبات ومدخلات على خطط الجهات الأخرى مثل التعليم العام والتعليم الجامعي والتعليم المهني والفني، التي ما زالت تسير وفق خطط التطوير الخاصة بها دون الأخذ في الاعتبار المتطلبات الخاصة بمخرجات التعليم العام والجامعي والمهني المنصوص عليها في مشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية. وهذه الفجوة بين متطلبات مشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية وبين ما يتم العمل به في الجهات التعليمية ينطبق أيضاً على الخطط الخاصة بعدد من الجهات الأخرى مثل الهيئة العامة للاستثمار وهيئة المدن الصناعية ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية و»أرامكو» وغيرها من الجهات ذات العلاقة بالصناعة. وهنا لا بد أن نؤكد أننا لا نتعامل مع عامل الوقت فقط, لكن ضرورة التأكيد على أنه ينبغي تغيير منهجية العمل المعتمدة على العمل والقرار الفردي إلى العمل المؤسساتي, الذي يميز منهجية عمل الدول المتقدمة عن غيرها، وهذا العمل المؤسساتي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تفعيل دور الجهات التنظيمية والتشريعية والرقابية.
ربما لا يكون من المناسب فقط، لكن من الضروري، تدخل الجهات الرقابية وعلى رأسها المجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس الشورى في مراجعة وتقييم وضع مشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية ومدى وجود مخاطر في المشروع ومدى إمكانية تحقيق الأهداف الاستراتيجية المحددة لها، لما يمثله هذا المشروع من أهمية استراتيجية للوطن. ومن الواضح أن اعتماد هذه الجهات الرقابية على تقارير عن وضع المشاريع يتم رفعها من الجهات الحكومية المعنية غير مجد, بل مضلل، حيث إن هذه التقارير دائماً ما تتصف بالإيجابية والمبالغة، وكيف لا وهي مقدمة من الجهة نفسها، وهل نتوقع أن تقوم الجهة المسؤولة عن المشروع بتقديم تقرير مستقل يوضح الإيجابيات والسلبيات؟ إن على جميع الجهات الرقابية ومنها المجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس الشورى إعادة منهجية تقييم ومراجعة أعمال ومنجزات جميع الجهات والمشاريع الحكومية، ومنها مشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية. وما يميز مشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية أنه ما زال في بدايته ويمكن من خلال تقييم فاعل ومستقل ومتخصص تقليل عوامل الخطر في المشروع وزيادة فرص النجاح، وهو ما يحتاج إليه المشروع في الوقت الحالي، الذي يمثل مرحلة حرجة في المشروع.
ويمكن أيضاً استخدام المنهجية نفسها في التقييم والمراجعة والمتابعة الدورية التي يمكن أن يتبناها المجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس الشورى عند تقييم ومراجعة وضع مشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية على مشاريع الوطن الاستراتيجية الأخرى الموجودة على طاولة المجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس الشورى، التي تتطلب، نظراً لأهميتها ودورها الاستراتيجي، متابعة وتقييما مستمرا.
وللحديث بقية..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي