إلى متى يستمر اعتماد الكرة العربية على الخواجات؟ (الحلقة الثانية)

قبل أن نواصل الحديث لا بد أن أتقدم بالشكر للذين بادروا بإرسال إيميلات إشادة بالموضوع وأهميته، وأتمنى في الأجزاء الباقية من الحديث أن تكتمل الصورة.

ثامناً: الحديث هنا متصل عن الناشئين لأن الوصول إلى مرحلة الإمتاع والإبداع الكروي محلياً وقارياً ودولياً, يعود بالعناية والرعاية والتأسيس السليم لقاعدة الناشئين, ولتحقيق هذا الهدف فإنه يتطلب مجموعة من العناصر والأنشطة والفعاليات، فمن خلال المراحل التي مرت بها كرة القدم العالمية وتدرجها عبر خطوط مختلفة إلى أن وصلت إلى الاحتراف، وحسب تركيبتنا العربية التي تأخرت في التعامل مع هذه الجزئية، لا بد من غرس الروح الاحترافية في أبنائنا من البراعم والناشئين، لأن عدم استيعاب اللاعب العربي مفهوم الاحتراف (إلا من رحم ربي)، نتج عن عدم غرس هذه المفاهيم في أبنائنا منذ الصغر وتعليمهم الضوابط والالتزامات التي يجب أن يعمل بها المحترف، وأول جهة تمارس بث هذا المفهوم لدى الصغار هم المدربون، لأن المساءلة تعتمد على مراحل مختلفة تبدأ بالتوجيه وإرساء القواعد العامة والخاصة بهذا المفهوم، بل تتعدى ذلك إلى فرض أنظمة تحكم المتدربين وبفرض العقوبات اللازمة بحيث يعتادون قسوة الإجراءات منذ وقت مبكر في حياتهم، ولتصبح عادة لديهم تستمد قوتها من هذا التعود، وبالتالي لن يجدوا صعوبة في التأقلم مع الأوضاع الاحترافية, خاصة إن كانت خارج بلادهم في مستقبل أيامهم، فكيف لمدرب خواجة أن يقوم بهذه المهمة وهو يعمل من أجل تحقيق نتائج ملموسة في مبارياته تجعله يغفل هذا الجانب التربوي المهم, خاصة أنه يعلم أن مصيره معلق بنتائج مبارياته أو كسبه بطولة أو بطولات؟
تاسعاً: من خلال بعض الممارسات الخاطئة من بعض من المتدربين في هذه الأعمار مما هو مخل بالأدب والدين والنواحي الاجتماعية في بلادنا التي تتمسك بتقاليد ذات أبعاد دينية واجتماعية وأخلاقية, لكن للخواجات عادات وتقاليد وأنظمة اجتماعية تختلف عنا في كثير من جزئياتها, وتحكم هؤلاء الخواجات بحكم تربيتهم ودياناتهم وأوضاعهم الاجتماعية، فيرون في هذه التصرفات التي تحدث من بعض المتدربين أنها طبيعية ولا تتعارض مع أخلاقياتهم ومبادئهم وأنظمتهم الاجتماعية، لذلك لن يتخذوا إجراء لوقفها، وإذا سلمنا جدلاً بأن الأجهزة الإدارية المصاحبة للفرق أو المنتخبات تقوم بهذا الواجب، فربما أيضاً لا يلاحظون ذلك لأن معظمها يحدث داخل الملعب وفي غفلة من الإداريين، وإذا اعتمدنا على التوجيه من خارج دائرة الملعب فإننا أفقدنا المدرب واحدا من أهم واجباته المفروضة عليه, وهو قيامه بالدور التربوي والتوجيهي، ما يشكل لغطا على المتدرب الذي يرى من وجهة نظره أن المدرب لم يسأله ولم يحاسبه في مثل هذا الأمر .. فكيف للإداريين التدخل في أمور يعتبرها الناشئ من واجبات المدرب؟
عاشراً: إن المؤثرات النفسية والبدنية المحيطة بالناشئين تؤثر بصورة مباشرة في تدريباتهم ويجب على المدرب مراعاة الضغوط النفسية الواقعة على كاهل الناشئ ووضع ذلك في الاعتبار عند تخطيط برامج التدريب، بجانب أن التغيرات في أنسجة جسم الناشئ التي تتطلب برنامجا غذائيا محددا يشتمل على عناصر الغذاء التي يجب أن يتناولها الناشئ في هذا العمر، وعلى المدرب أن يعي تماماً ويلم بما يأكل المتدرب خلال ممارسة حياته اليومية وما فيها من عدم الالتزام بتناول غذاء كاف نسبة للظروف المحيطة بالمجتمعات العربية وما يشوبها من مجاملات أسرية وعائلية, بل ربما تشمل ضروب المجتمع كافة, وتتحكم فيها الظروف المادية للأسر عند البعض، حتى خصائص النمو المختلفة عند الناشئين تتأثر بطرق تنمية المستوى الرياضي, ولكل مرحلة من مراحل النمو أثر خاص في مقدرة التكيف وأداء الجهد والتعلم الحركي والنمو النفسي, وهذا يتطلب إلماماً كاملاً بكل الظروف المحيطة باللاعب وأسرته ومجتمعه .. فأي مدرب خواجة مهما كانت قدراته يمكنه استيعاب ما ذكرت والتعامل معه؟
الحادي عشر: إن على المدرب أعباء كبيرة يجب أن يتحملها, فبجانب العمل الفني ومهمة تطوير المهارات الفردية والجماعية وخلق روح الأداء الجماعي من خلال نظم اللعب التي يبتكرها حسب المقدرات الفنية والاستعدادات البدنية التي تمتع بها المتدربون لديه ودرجة استيعابهم واستعدادهم النفسي والفكري التي يتعامل معها، أن يخلق الدوافع Motivation, وتكون هذه الدوافع أكثر تأثيرا إذا كانت مرتبطة بتحقيق الأهداف الشخصية للناشئ، وإذا لم يجدها سرعان ما يبتعد عن النشاط الذي يمارسه لانعدام الدوافع للاستمرار. وهذه الدوافع تتم بالتركيز على نواح بدنية ونفسية معينة واستخدام وسائل مختلفة للرعاية والتوجيه والإرشاد, كما ذكر أستاذنا محمد حسن علاوي، المدرب الخواجة لا يستطيع القيام بهذا لأن الدوافع التي جعلته يقبل عرض التدريب ترتكز على تحقيق النتائج في المباريات وليست تحقيق نتائج عبر خلق دوافع قوية للاستمرار والتكيف والإبداع في التدريب.
الثاني عشر: إنه من المعروف أن عملية التدريب لها وجهان يرتبطان برباط وثيق ويكونان وحدة واحدة، وهما الجانب التعليمي والجانب التربوي، والجانب التعليمي يشمل عملية إكساب وتنمية الصفات البدنية وتعليم وإتقان المهارات الحركية والقدرات الخططية، أما الجانب المهم وهو الجانب التربوي الذي يهدف أساساً لتربية وتطوير السمات الخلقية الحميدة لدى النشء وترسيخ المفاهيم الخاصة بحب الرياضة وحب الوطن وتشكيل دوافع وميول الفرد للارتقاء بها بصورة تخدم المجتمع, وكذلك تطوير السمات الإرادية كسمة المثابرة وضبط النفس والشجاعة والتصميم، ويهدف إلى إكساب اللاعب أو الناشئ الرياضي جميع القدرات والسمات والخصائص والمهارات النفسية وتنميتها وإتقانها, وهذا الاكتساب الرياضي ينعكس على السلوكيات العامة والخاصة, ويظهر جوانب الانضباط, وذلك بالتزام اللاعب أو الناشئ بصفة خاصة على احترام اللوائح والقوانين نصاً وروحاً, وانتهاج التصرف السليم تجاه المحيطين به من إدارة وجمهور وغيرهم, وهنا يأتي الفارق, فالمدرب الخواجة يركز على الجانب التعليمي ويغفل النواحي التربوية للتدريب الرياضي.
الثالث عشر: إذن نصل إلى خلاصة بأن واجبات المدرب في مجال كرة القدم بصفة خاصة تقع على مسؤولياته تخطيط وتنفيذ عملية التدريب إلى جانب تربية وتوجيه وإرشاد المتدربين، وكما أشار عصام عبد الخالق إلى أن أهم النواحي التربوية التي يتصف بها المدرب الرياضي هي:
1- أن يكون قدوة ومثالاً يحتذى به كل من حوله.
2- تربية لاعبيه على الولاء والانتماء للمجتمع الذي يعيش فيه.
3- تشكيل دوافع الفرد وميوله للاستمرار في التدريب لتحقيق الهدف.
4- تنمية وتطوير السمات الإرادية والخلقية كتحمل المسؤولية والمثابرة والثقة وضبط النفس والاتزان النفسي والطموح.
5- العمل على أن يحب اللاعب لعبته أولاً للاقتصاد في بذل الجهد والوقت.
وهنا أضيف أن عملية التوجيه حينما تتم من الموجهين التربويين أو الإداريين المرافقين ليس لها ذاك التأثير مثلما تصدر له من مدرب، لأن تأثير المدرب في اللاعب يجعله يتعلم قيماً وأنماطاً سلوكية مهمة وتعلم طرق جديدة لمعالجة ما يعترضه من مشكلات، وفي أغلبية الأحيان يكون عملية التوجيه وقائية وارتقائية, وربما تصل إلى حد أنها تكون تشخيصية وعلاجية, ويجب أن تتميز بالاستمرارية وليست مقصورة على التوجيه أثناء فترة التدريب أو المنافسات والمباريات.
أين المدربون الخواجات من كل ما ذكرت؟
من خلال ما استعرضت أؤكد أنني لا أقصد الإساءة إلى أحد, بل أرى أنه واجب علي بيان الحقائق مهما كانت قاسية أو تتعارض مع مصالح البعض، من أجل المحافظة على جيل نأمل أن يحمل الراية وتمثيل العرب في البطولات القارية والدولية وأن يكون لنا عدد من الممثلين في نهايات كاس العالم بدلاً من ممثل واحد خالص دعائنا له بالتوفيق.
لنا عودة وفي الحلقة الثالثة والأخيرة لهذا الموضوع نبين الحلول والبدائل مع أمنياتنا لكرتنا العربية بالتقدم والازدهار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي