إسرائيل تتحدى العالم

المجزرة الصهيونية لركاب أسطول الحرية في المياه الدولية وهي في طريقها إلى قطاع غزة لفك حصار الجوع والبطش عنه المفروض عليه من قبل إسرائيل.. هذه المجزرة الشنيعة استنكرها مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين مثلما لقيت شجبا وإدانة من قبل جميع الدول الإسلامية والغربية على لسان رؤساء دول ومسؤولين سياسيين كالرئيس الفرنسي ساركوزي وسفراء الاتحاد الأوروبي في بروكسل فيما اكتفت الولايات المتحدة الأمريكية بـ (الأسف) لما حدث متذرعة بتفهم ما حدث وكأنه لم يكن في محل الرصد والإحاطة منذ كان أسطول الحرية فكرة يتم الإعداد لها من قبل مناصرين للعدل والسلام من جميع الجنسيات والاختصاصات: ناشطون في حقوق الإنسان، برلمانيون، علماء، كتاب، ومناضلون فلسطينيون وعرب.
أكثر من عشرين قتيلا وعشرات الجرحى كانت حصيلة القرصنة الصهيونية في مقدمتهم مواطنو تركيا الدولة الراعية غير الرسمية لأسطول الحرية غير أن ما حدث بات الآن فضيحة التشدق والتدليس الصهيونيين في مزاعم السلام والأمن طالما أن الأوامر للكوماندوز الإسرائيلي جاءت من المتطرف نتنياهو رئيس وزراء الدولة العبرية وبقية أركان الحكومة من وزير دفاعه إلى وزير خارجيته.
الشيء الذي يزرع السؤال حادا في مثل هذا الموقف: هل كانت إسرائيل لتفعل ذلك بمعزل عن غطاء أمريكي؟ وهل يمكن تصديق أن ما قامت به إسرائيل من جزارة بشرية أمام أعين الكاميرات يعد فعلا ضربا بالموقف الأمريكي عرض الحائط دون أدنى اعتبار له؟
إن تعبير أمريكا عن مجرد (الأسف) في مثل هذا الموقف بجانب (أسف) جراء التطرق لاسم إسرائيل في البيان الدولي الخاص بمنع الانتشار النووي ومراقبة المنشآت النووية في غضون أسبوع واحد لا يمكن إلا أن يكون مؤشرا على اطمئنان إسرائيل إلى أن كل ما تقدم عليه وما تمارسه من خرق وتحد للشرعية الدولية ولكل قرارات الأمم المتحدة وبياناتها الرئاسية لا غضاضة من فعله إن لم يكن يحظى بعين الرضا من قبل أمريكا.
وأيا كان الموقف الأمريكي فالمأساة الفلسطينية تم تدويلها بفعل هذه المجزرة الصهيونية لمدنيين عزل جاءوا من أجل مهمة إنسانية سامية.. تم تدويلها في وقت كانت النزاعات بين فصائل المقاومة الفلسطينية والانشطار بين قطاع غزة وقطاع الضفة.. جاء الحدث ليقفز بالقضية إلى الواجهة في عواصم الدنيا وضمائر أحرارها ومنظماتها الحقوقية العادلة.
وها هو حشد من الأنشطة السياسية على مستوى الدول والمنظمات والشعوب يملأ الآفاق بصخب عال كان هو آخر ما تمنت حدوثه إسرائيل وأخشى ما تخشاه فالأمم المتحدة في انعقاد لاتخاذ إجراء أو تحديد موقف أممي إزاء هذه الهمجية الصهيونية والجامعة العربية في طريقها للانعقاد الطارئ من أجل تحديد موقف عربي موحد، وأوروبا الموحدة عبر سفراؤها عن موقف موحد يدين ويشجب هذه المجزرة، وعلى مستوى الشعوب، هبت مظاهرات واحتجاجات ضد هذا البغي الإسرائيلي في عديد من دول العالم.. وكل هذ المطالب تلح على الإدانة وعلى فرض العقاب على الدولة العبرية ومحاكمة أركان حكومة العدو كمجرمي حرب وبالمقابل المطالبة الفورية بفك الحصار عن غزة وتوجيه حملات غوث إنساني عاجلة لأهل هذا القطاع المنكوب.
لو شئنا الاحتماء بالأماني العراض لقلنا إن السحر قد انقلب على الساحر، غير أنه ما من سحر ولا ساحر، فالدولة العبرية الباغية فعلت ما فعلت عن سابق عزم وتصميم، ليس كرد فعل فقط على شجاعة وبسالة أحرار جاءوا من أجل إنقاذ إخوتهم في الإنسانية يتحدون بصدورهم العارية رصاص الكوماندوز الصهيوني، بل أصالة شاذة في طبعها وتكوينها في ارتكاب مثل هذه المجزرة، إذ إن هذا هو سلوكها ونمط تعبيرها عن نفسها منذ قدمت إلى الأراضي الفلسطينية في الثلث الأول من القرن الماضي زمر عصابات مثل الهجانا والأرغن وشتيرن مرورا بكل سنوات الاحتلال والنهب والسلب والسطو على معظم التراب الفلسطيني.. وحتى فعلتها اليوم التي هي امتداد في سياق جحيم الدم والرعب والموت الذي ظلت تفرضه على فلسطين وعلى جوارها العربي أيضا، ممعنة في تكثيف نبذها لكل قادم إليها مثلما هي مستمرة في إفراغ الداخل الفلسطيني من كل سكانه مكرسة عقيدة (الغيتو) عبر بناء الجدار العنصري وعبر مقولة: (إسرائيل دولة يهودية) وبما يؤكد عقدتها المزمنة العنصرية الشاذة بأن إسرائيل (شعب الله المختار)، وبأن العالم، كل العالم، مجرد (أغيار)!!
إن إسرائيل سكرانة بهذا السم العنصري الزعاف، وهي باتت، كما كانت، لا تشكل خطرا على أهل فلسطين ولا على المنطقة فحسب وإنما على سلام العالم كله وأمنه، طالما هي، منذ وجدت وإلى أن صبغت مياه البحر المتوسط بدم ضحايا مجزرتها وهي تضرب بكل القرارات الدولية عرض الحائط وتشن الحروب، تسرق الأراضي، تسطو على البيوت والمقدسات، تسحق، تدمر، تغتال فيما آذانها مسدودة وقلبها في صمم أما رأسها فمشتعل بغطرسة شذوذ التفوق العرقي أما الديني فاليهودية في مظانها منها براء.
وبعد... لن يبقى أمامنا سوى أن نرقب المشهد الكوني لنرى ونسمع ما الذي سيفعله العالم إزاء هذه الدولة المارقة مروقا لا مثيل له على كل القيم النبيلة والحقوق العادلة التي ظلت البشرية تكافح من أجلها قرونا؟ هل يفلح في لجمها والدفاع عن الشرعية الدولية التي يسعى لحمايتها من أن تستبدل بشريعة الغاب؟ أم تبقى هذه الشرعية الدولية مجرد جملة لا يتطاير منها غير رماد يذر في العيون!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي