الأداء الحكومي والمحاسبية .. تفعيل أكبر لدور مجلس الشورى

منذ تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932على يد القائد الملك عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ والمملكة تشهد تطوراً ملحوظاً في جميع المجالات، معتمدةً على مقومات نجاح حباها الله بها متمثلة في كونها أولاً بلداً إسلامياً ينعم بوجود أطهر وأقدس بقاع الأرض: مكة والمدينة المنورة، وتوافر واستقرار حكم سياسي مبارك ينعم بدعم وولاء المواطنين على مر العقود، وتعاقب قيادات حكيمة ابتداءً من المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله وبارك في عمله لخير البلاد والعباد، وامتلاك ثروة بترولية كبيرة نتج عنها دخول مالية عالية، وتوافر عناصر بشرية سعودية تنتظر استثماراً أكبر وأشمل فيها لخدمة الوطن. ومن خلال قراءة تاريخية، فقد مرت المملكة بعدة مراحل تطويرية وإصلاحية فيما يخص تطوير طريقة العمل الحكومي وإدارة مواردها المالية واستثمارها، وإعادة تفعيل العمل والاستفادة من مجلس الشورى الذي أسس له الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ والتوزيع الأمثل ما أمكن لإدارة العمل الحكومي بين التشريعية والتنفيذية والرقابية. ويمكن قراءة وتفسير قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ بتكوين لجنة عاجلة للتحقيق في أحداث مدينة جدة وكذلك تحويل تقرير اللجنة لهيئة الرقابة والتحقيق لمحاسبة المقصرين، كمحطة تجهيزية وانتقالية لمرحلة تطوير شاملة ونقلة نوعية وتاريخية على مستوى المملكة في المجالات التشريعية والتنفيذية والرقابية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ والنائب الثاني الأمير نايف بن عبد العزيز ـ حفظه الله.
وبعد أكثر من 80 سنة من تأسيس المملكة وإنشاء الأجهزة الإدارية المختلفة لإدارة وتسيير شؤون البلاد وتقديم الخدمات للمواطن في مجالات التعليم والصحة والخدمات العامة شاملة المياه والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات وغيرها، وما يلاحظ على أداء بعض الأجهزة الحكومية من قصور وترهل وبطء في طريقة العمل واتخاذ القرارات وتداخل الأعمال والصلاحيات وتشتت المسؤوليات بين الأجهزة الحكومية، وتعدد واستمرار إحداث تعديلات وإضافات تنظيمية بشكل مستمر، فقد يكون من المناسب، وفي هذا الوقت تحديداً، وتمشياً مع مبادرات القيادة الحكيمة في الأخذ بكل ما هو مفيد ونافع لخير الوطن والمواطن، إعادة النظر في هيكلية وطريقة العمل في الأجهزة الحكومية، ويمكن أن يقوم مجلس الشورى بتقديم دراسة تقييمية شاملة لهيكلة وطريقة العمل الحكومية ومستوى الأداء الحكومي ومعدل العائد على الاستثمار في جميع المشاريع الحكومية، على أن يقدم مجلس الشورى توصيات وهيكلة جديدة للقطاعات الحكومية تعتمد على مبادئ وأسس تنظيمية علمية وعملية من أهمها الفاعلية في الوفاء بالمتطلبات الخدمية للمواطن، وتطوير الأداء الحكومي وتحسين الخدمات المقدمة للمواطن، والرقابة وضبط الجودة، وتحقيق أعلى كفاءة ممكنة في العمل، وتوافر المرونة المناسبة في العمل وتقديم الخدمات، وإعادة توزيع عبء الأعمال والموارد البشرية بين القطاعات الحكومية بعد إعادة هيكلتها وترتيب أعمالها، وتقليل التكلفة الإجمالية على الدولة في تشغيل القطاعات الحكومية. وقد يكون من المناسب عند دراسة وتقييم القطاعات الحكومية وعملها من قبل مجلس الشورى، إعادة النظر في عدد من الأمور الاستراتيجية التي تحكم العمل الحالي، نورد فيما يلي بعضا من أهمها:
1. تفعيل واستثمار توجيه مقام خادم الحرمين الشريفين بمحاسبة المقصرين في أحداث مدينة جدة، لإعادة النظر والتقييم في طريقة مراقبة الأداء الحكومي من قبل الأجهزة الرقابية الحالية، وتقديم توصيات لإعادة هيكلة أجهزة الرقابة الحالية مع استحداث جهات أخرى لمراقبة جودة المشاريع أثناء التخطيط والتنفيذ، مع تفعيل عاجل لهيئة مكافحة الفساد التي أقرها المقام السامي، التي متى تم البدء فيها ستساعد على رفع مستوى الأداء الحكومي وتحفظ المال العام وتكون رادعاً لكل من تسول له نفسه المساس والعبث بمدخرات الوطن، على أن يتم توصيل رسالة وبطريقة عملية بأن النظام من مكافأة وعقاب ينطبق على الجميع دون استثناء، الكبير قبل الصغير, والغني قبل الفقير, والوزير قبل الموظف, والرجل قبل المرأة, والمواطن قبل المقيم.
2. إعادة طريقة إعداد الموازنة بحيث تعتمد على تحقيق الأهداف وليس على أساس ميزانية بنود لا ترتبط بمؤشرات أداء للجهات الحكومية. فما يتم عمله حالياً يعتمد على بنود محددة تحت أبواب الميزانية الأربعة، وأرقام مالية تاريخية مخصصة لكل جهة حكومية، ويتم قبل كل سنة مالية مناقشة وتفاوض الجهات الحكومية مع وزارة المالية للحصول على مخصصات مالية للسنة المقبلة، عادة تماثل مخصصات السنوات الماضية مع بعض الزيادة التي تعتمد على المساحة المتاحة للزيادة من قبل وزارة المالية وقدرة إقناع وقوة تفاوض وعلاقة الجهة الحكومية. ويجب ألا نحمل وزارة المالية مسؤولية ضعف ومحدودية، وأحياناً انعدام الاستفادة، من مخصصات الميزانية أو سوء استخدام المال العام من قبل بعض الجهات الحكومية، وإنما ينبغي دعم ومساعدة وزارة المالية في تقديم حلول عملية تضمن حسن استخدام وتوجيه المال العام في مصلحة الوطن والمواطن، تبدأ بتغيير طريقة إعداد الميزانية بالاعتماد على الموازنة على أساس الأهداف.
3. التركيز على استثمار العائد من مبيعات الغاز والنفط في استثمارات طويلة الأجل، وعدم استخدام العائد مباشرة في الإنفاق الحكومي، مع ربط الإنفاق الحكومي بتحقق مؤشرات أداء معينة، وتغيير منهجية إعداد ميزانية الدولة. ويمكن هنا إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة وطريقة إدارته ليعمل كذراع استثمارية للدولة، لتهيئته للتعامل مع حجم كبير من الاستثمارات المتدفقة من إيرادات الغاز والبترول. وبهذه الطريقة يمكن أيضاً التركيز على تنويع مصادر الدخل بشكل أكثر فاعلية من خلال دخول الدولة من خلال ذراعها الاستثمارية، صندوق الاستثمارات العامة، في مشاريع صناعية رائدة تعتمد على التركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة المتوسطة والعالية، مع الدخول في شراكة استراتيجية مع البرنامج الوطني للتنمية الصناعية, الذي تم إقراره من قبل المقام السامي كنتيجة لتوصيات الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية، ويمكن إذا تم إدارة هذه الشراكة والاستثمارات بشكل صحيح وتحت رقابة فاعلة وقوية زيادة الدخل من المصادر الصناعية غير البترولية بأكثر من 50 في المائة خلال عشر سنوات وليس فقط 20 في المائة كما تهدف له الخطة. كما يمكن أيضاً من خلال هذه الشراكة والاستثمار الأمثل لموارد الدولة المالية توظيف كم كبير يصل بسهولة إلى مئات الآلاف من أولادنا.
4. التركيز على تنويع مصادر الدخل من خلال الاستثمار مباشرة في الصناعات ذات القيمة المضافة المتوسطة والعالية. ومرة أخرى يتم التركيز على تفعيل وحسن إدارة ومتابعة تنفيذ الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية من خلال متابعة مؤشرات أداء حقيقية لمتابعة تنفيذ الخطة بحيث تقاس وتتابع من جهات عليا مستقلة.
5. إجراء وقفة ومراجعة لسوق العمل, حيث إننا وصلنا إلى مرحلة اعتبار العمالة السعودية أقلية، ما يؤدي إلى نتائج وانعكاسات سلبية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية, خصوصاً على الأمد طويل الأجل. سوق العمل ليست مشكلة وزارة العمل وحدها ولا يمكن أن نحملها المسؤولية المطلقة لما يحدث في سوق العمل، فهناك جهات أخرى مشاركة ومؤثرة في سوق العمل مثل الهيئة العامة للاستثمار وغيرها. وينبغي إجراء عدد من العمليات الجراحية لإيقاف نزيف سوق العمل وتحوله إلى سوق عمل أجنبي خالص، من أهمها لإيقاف الاستقدام لجميع أنواع العاملين لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، والتحقيق والتحري في ماهية ملكية محال التجزئة والمحال والمكاتب التجارية والمقاولات، واستصدار قرارات تعتبر كل وظيفة مشغولة من غير السعوديين وظيفة شاغرة مع ضمان تفعيل هذه القرارات، وإيجاد محفزات مالية حقيقية لدعم السعودة، مع ضمان فاعليتها والرقابة عليها. كما يجب هنا إعادة تقييم دور صندوق الموارد البشرية حيث لم يتضح وجود أي تأثير فعلي وملموس لعمل الصندوق في سوق العمل من حيث تخفيض نسبة البطالة.
6. إعادة طريقة تخطيط وإدارة وتنفيذ مشاريع البنية التحتية، بحيث تتم إدارة وتنفيذ جميع مشاريع البنية التحتية, خصوصاً المياه والصرف الصحي وتصريف السيول والاتصالات والكهرباء من خلال جهة واحدة، كما هو الحال في مدن الجبيل وينبع ودول أخرى متقدمة عالمية مثل كوريا الجنوبية وكندا ودول مجاورة مثل قطر وغيرها. ومما يدعم هذا التوجه استمرارية وجود تعثر وتأخر في عدد كبير من المشاريع، والهدر المالي الكبير الذي يمثل أكثر من 30 في المائة من ميزانية الدولة الخاصة بالمشاريع والتشغيل والصيانة سنوياً، أو أكثر من 100 مليار ريال سنوياً، نتيجة لتكرار العمل على الشارع والحي من حفر ودفن وغيره من الأعمال المدنية والإنشائية، وعدم تفعيل مبدأ اقتصاديات الحجم، وصعوبة إدارة ومتابعة التشغيل والصيانة لاحقاً. وتمثل هذه العوامل بعضاً مما يجب التعامل معه من قبل مجلس الشورى في ملف تطوير وتحسين أداء العمل الحكومي وإعادة هيكلة القطاعات الحكومية وضمان حسن إدارة الاستثمارات وتنويع مصادر الدخل، بما يضمن تقديم أفضل الخدمات للمواطن وتقديم فرص وظيفية حقيقية لجميع المواطنين والمواطنات. وكلنا أمل في خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن يتم تبني هذا الطرح ويولي جلالته هذا المشروع الاستراتيجي جل اهتمامه وأن يشرف على تنفيذه بنفسه لإحداث نقلة نوعية وحضارية للمملكة.
وللحديث بقية..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي