العمل الخيري .. والبرتقال!
يحدثنا الأولون في بعض مناطق نجد أن البرتقال كان سيد الفاكهة، بل هو الفاكهة بأم عينها عندهم. وإذا ما قيل فاكهة فهم يعنون البرتقال ليس إلا!.
تطلب أم العيال من أبيهم أن يحضر فاكهة للمنزل فلا يحضر إلا البرتقال لكنها لا تعاتبه لأن البرتقال كان كل ما تعنيه!، ويصيح المضّيف في أبنائه يستعلجهم بإحضار صحن الفاكهة فيكون الصحن القادم خالياً من كل أنواع الفواكه إلا من البرتقال!
في شؤون حياتنا الأخرى، وفي ظل محدودية الخيارات من المنتجات في وقت ما، فإن اسم منتج معين قد يسود ويطغى على اسم فئة المنتج نفسه، وإلى عهد قريب كان الواحد منا يطلب علبة (كلنيكس) من صاحب البقالة ويحاسب عن منتج آخر من الفئة نفسها لأن المطلوب هو المناديل الورقية بشكل عام، وليس اسم علامة تجارية بعينها. وفي بعض الحالات تنحصر اسم فئة منتجات معينة في أذهان الناس في منتج واحد فقط، كما كان كثير من الناس في وقت مضى يطلقون (البارد) على البيبسي. وفي وقتنا الحاضر يسمي كثير عملية البحث في الإنترنت بجوجل، (جوجلها في النت وحتعرف معناها): هكذا رد علي أحدهم عند سؤالي له عن معنى كلمة ما!
العمل الخيري في المجتمعات العربية في العموم يعاني الظاهرة ذاتها عند كثير، فالعمل الخيري ينحصر في بعض جوانبه فقط، وعدد محدد من منتجاته، فالتبرع عند كثير ينحصر ذهنياً في التبرع بالمال مع أن التبرع يمكن أن يكون بالمال والوقت والأعضاء والدم وغيرها كثير من أصناف التبرع. والتبرع بالمال ينحصر عند كثير بالتبرع لصالح مجالات محددة مثل بناء المساجد وحفر الآبار وكفالة الأيتام. ويعتقد البعض أن العمل الخيري نشاط محصور بفئة معينة من المجتمع دون غيرها وهم الأكثر تديناً أو الأكثر ثراءً.
هذا التنميط اللاإرادي في التعامل مع العمل الخيري وحصره في نطاقات ضيقة جدير بأن يعرقل مسيرة تطوره وازدهاره، لأنه يهمل بطريقة غير مباشرة تلك المجالات التي تقع خارج دائرة التنميط السائدة، ويهمش طاقات كثيرة في المجتمع. والعمل الخيري التطوعي، كما تعرف أخي القارئ الكريم، لا تحده حدود ولا تحاصره سدود، فهو يشمل جميع مجالات حياة الإنسان الضروري منها والتكميلي، بل ويتعداه إلى ما حوله من الكائنات الأخرى كالحيوان والنبات. لاحظ على سبيل المثال تكاثر عدد جمعيات البر بينما لا يوجد في المملكة سوى جمعية أو اثنتين تهتم بالبيئة مع أن البيئة تؤثر في حياة الناس بشكل واضح ومباشر كما في حالة بحيرة (المسك) وأثرها في سيول جدة.
السؤال الذي يطرح نفسه: مسؤولية من، تغيير النمط السائد في ممارسة العمل الخيري والانطلاق به إلى آفاقه الواسعة والفسيحة؟
أهي مسؤولية (البرتقال) أم بقية أصناف (الفواكه) أم (مسؤول سوق الفاكهة) بأن ينشر ثقافة أن الفاكهة ليست برتقالاً فقط، ويرسم سياسية واضحة للعمل الخيري والتطوعي تعتمد على التكامل والتنوع والشمولية؟