«جدوى» ترجح عودة الأسهم إلى 7400 نقطة بنهاية العام
توقع تقرير اقتصادي حديث أن يرتفع النمو الاقتصادي في السعودية و''أن تعود ميزانية الدولة لتحقيق فوائض''، وأن يسجل مؤشر الأسهم السعودية قيمة عادلة تبلغ 7.400 نقطة بنهاية العام.
وبحسب تقرير أصدرته ''جدوى للاستثمار''، فإنه ليس للبنوك السعودية تعرض في اليونان والدول الأخرى التي تتوقع الأسواق تعثرها في السداد ''إلا في أضيق الحدود''.
واستبعدت أن تتسبب الإصلاحات المقترحة لإصلاح القطاع المالي في دول مجموعة العشرين، في تغيرات كبيرة للمصارف السعودية إذا تم تطبيقها في المملكة ''حيث إن مؤسسة النقد تتبني سلفاً الإجراءات الاحترازية على المستوى الجزئي ولن تكون هناك دواع لعمل تغييرات كثيرة''.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
توقع تقرير اقتصادي حديث، أن يرتفع النمو الاقتصادي في السعودية و''أن تعود ميزانية الدولة لتحقيق فوائض''، وأن يسجل مؤشر تاسي قيمة عادلة تبلغ 7.400 نقطة بنهاية العام.
وبحسب تقرير أصدرته ''جدوى للاستثمار''، فإنه ليس للبنوك السعودية تعرض في اليونان والدول الأخرى التي تتوقع الأسواق تعثرها في السداد ''إلا في أضيق الحدود''.
واستبعدت أن تتسبب الإصلاحات المقترحة لإصلاح القطاع المالي في دول مجموعة العشرين، في تغيرات كبيرة للمصارف السعودية إذا تم تطبيقها في المملكة ''حيث إن مؤسسة النقد تتبني سلفاً الإجراءات الاحترازية على المستوى الجزئي ولن تكون هناك دواع لعمل تغييرات كثيرة''.
ورغم وجود مشتقات مالية لدى البنوك السعودية مثل عقود مبادلة الائتمان التي ربما تنتقل للتداول في الأسواق، إلا أن أحجامها ليست بالضخامة التي قد تترتب عليها تداعيات.
وفي ما يلي نص التقرير الذي أصدرته ''جدوى للاستثمار'':
#2#
أزمة اليورو وتداعياتها على السعودية
ملخــــص
• ولجت الأسواق العالمية مرحلة من التذبذب العنيف حيث أدت تداعيات مشكلات الديون في منطقة اليورو إلى رفع حدة المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي مما تسبب في تغير مفاجئ في المزاج الاستثماري.
• تحول انتباه الأسواق إلى عوامل أخرى مثل السياسة الجديدة للحكومة الصينية الرامية إلى إبطاء النمو وارتفاع درجة المخاطر السياسية في كوريا الجنوبية وتايلاند، رغم أن البيانات الاقتصادية الجديدة الصادرة من مختلف أرجاء العالم تشير إلى أن التعافي الاقتصادي آخذ في ترسيخ أقدامه.
• التطورات الراهنة بعيدة كل البعد عن التهديد الحقيقي الذي شكلته الأزمة المالية على الاقتصاد العالمي التي انطلقت عقب انهيار عدد من المؤسسات المالية الضخمة وتوجها انهيار مصرف ليمان براذرز في أيلول (سبتمبر) من عام 2008.
• على المدى القصير سيغلب على حركة اليورو طابع التذبذب وسوف تتحكم فيها الحالة المزاجية للمستثمرين، أما على المدى الطويل فهناك عوامل كثيرة تشير إلى تراجع في قيمة اليورو.
• رغم حدة تراجع أسعار النفط حالياً إلا أنها تظل أقرب إلى المستوى الذي وصفه وزير النفط السعودي بـ ''السعر المثالي'' البالغ 75 دولاراً للبرميل مقارنة بمستواها في أوائل الشهر، ونعتقد أنه من المستبعد تراجع أسعار النفط إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل لفترة طويلة.
• لا يعتبر الرأي الذي يرجح تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي لاحقاً هذا العام عندما تلجأ الحكومات لسحب الدعم بالأمر الجديد وتم سلفاً أخذه في الاعتبار في تقديراتنا. لذا نتوقع أن يرتفع النمو الاقتصادي في السعودية وأن تعود ميزانية الدولة لتحقيق فوائض وأن يسجل مؤشر تاسي قيمة عادلة تبلغ 7.400 نقطة بنهاية العام.
• يعتبر التأثير المباشر لتباطؤ النمو في منطقة اليورو على صادرات المملكة ضئيلاً، كما أن ضعف اليورو سيساعد على خفض معدلات التضخم. نال تدهور أسعار النفط والأسهم من ثقة المستثمر، ومن شأن استمرار تدهور تلك الأسعار إعاقة النمو وقد يحدو بنا ذلك في النهاية إلى خفض توقعاتنا.
• لم يتأثر القطاع المصرفي السعودي كثيراً بالأحداث العالمية ولا نزال نتوقع حدوث انتعاش في الإقراض من البنوك المحلية خلال الفترة المتبقية من العام. لكن الحصول على تمويل من البنوك الأجنبية سيصبح على الأرجح أكثر صعوبة.
#3#
ما الذي يحدث في منطقة اليورو؟
أضحت منطقة اليورو محور الاهتمام الرئيسي للأسواق وتحولت مشكلات الميزانية في اليونان إلى إعصار من أزمات الديون والعملات سحب معه بقية الدول الأوروبية وعرّض العلاقات السياسية الرئيسية في المنطقة إلى اختبار فيما يتعلق بجوهر العملة الأوروبية الموحدة في حد ذاته.
وكانت مشكلات اليونان قد برزت العام الماضي عندما كشفت حكومة تشكلت حديثاً آنذاك أن بيانات الميزانية التي نشرتها الحكومة السابقة لم تظهر العجز بحجمه الحقيقي، لذا فقد سرت المخاوف في الأسواق المالية بشأن مقدرة اليونان على تدبير الدين اللازم لتمويل العجز في ميزانيتها، مما دفع الأسواق إلى رفع أسعار الفائدة التي يجب على اليونان دفعها مقابل الاقتراض وارتفع بالتالي احتمال تعثر اليونان عن السداد.
ورغم أن اليونان واحدة من أصغر الدول في منطقة اليورو (حيث تشكل 2.6 في المائة فقط من الناتج الإجمالي للمنطقة)، إلا أن تعثرها يمثل مشكلة خطيرة للمنطقة برمتها لأن من شأن ذلك ضعضعة الثقة بالعملة الموحدة وخلق ضغوط على الدول المشابهة من حيث خصائص المديونية والميزانية خاصة البرتغال وإسبانيا وأيرلندا، عدا التسبب في مضاعفات خطيرة على بنوك الاتحاد الأوروبي التي تعود إليها 49.2 مليار يورو (62 مليار دولار) من ديون اليونان (35.1 مليار يورو منها عائدة إلى بنوك فرنسية وألمانية). نتيجة لذلك، ورغم أن ميثاق الاتحاد الأوروبي ينص على رفض مبدأ التدخل، فقد اتفق الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على خطة إنقاذ بقيمة 110 مليارات يورو.
#4#
بيانات اقتصادية مقارنة (2009)
لكن أسواق السندات اعتبرت أن الخطة غير كافية وواصلت هجومها على الدول المتأثرة.
فقرر الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد بعد فترة وجيزة طرح ضمانات للقروض بقيمة 750 مليار يورو لتمكين الحكومة اليونانية وغيرها من الحكومات التي قد تحتاج إليها من الاقتراض دون دفع الفائدة المرتفعة التي تتطلبها أسواق السندات.
ثم اجتازت خطة حزمة الضمانات تلك أإحدى العقبات الرئيسية بمصادقة البرلمان الألماني عليها بتاريخ 21 أيار (مايو).
وقد أدى حجم وهيكل حزمة الضمانات إلى تخفيف حدة المخاوف بشأن التعثر في سداد الدين، فانصرفت أنظار المستثمرين بعدها نحو التركيز على مدى صرامة الإجراءات الاقتصادية التي تضمنتها الخطة.
ولا شك أن الخفض الكبير في الإنفاق وزيادة الضرائب تعتبر العناصر الأساسية لتقليص عجز الميزانية، ليس لليونان فقط بل لجميع دول الاتحاد الأوروبي تقريباً.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فقد شهدت جميع دول منطقة اليورو عجزاً في الميزانية عام 2009، حيث فاق العجز لـثمان من دول المجموعة الـ 16 نسبة 6 في المائة من الناتج الإجمالي وتجاوز مستوى 10 في المائة في حالات أيرلندا وإسبانيا واليونان.
وكان إجمالي العجز في الميزانية للمنطقة ككل قد سجل نسبة 6.3 في المائة من الناتج الإجمالي العام الماضي مرتفعاً بنسبة 2 في المائة عن مستواه عام 2008.
ويتوقع صندوق النقد الدولي، حتى بعد إجراء بعض التعديل في السياسات هذا العام، ارتفاع إجمالي عجز الميزانية لمنطقة اليورو إلى 6.8 في المائة من الناتج الإجمالي للعام الحالي وكذلك بقائه فوق مستوى 6 في المائة من الناتج الإجمالي لعام 2011.
#5#
وكان عجز الميزانية قد تضخم بسرعة خلال العام الماضي نتيجة لهبوط الإيرادات الحكومية بسبب حالة الركود، مما أدى إلى زيادة الإنفاق الحكومي.
لكن خفض النمو في العجز يتطلب زيادة إيرادات الضرائب وخفض الإنفاق، وهي سياسات تحد من النمو الاقتصادي المتهالك أصلاً.
أما في حالة اليونان وبموجب البرنامج الاقتصادي الذي صاحب خطتها الأولى للإنقاذ فقد كان من المتوقع أن يهبط النمو الاقتصادي بمعدل 4 في المائة بالقيمة الفعلية عام 2010 وبنسبة 2.6 في المائة في عام 2011 وألا يرتفع معدل البطالة حتى عام 2012 بحيث يبلغ 14.8 في المائة كحد أٌقصى، لكنه سيظل مرتفعاً جداً في عام 2015 مقارنة بمستواه في عام 2009.
ورغم أن تطبيق تلك السياسات بالكامل وفي كل الحالات لا يزال أمراً يتطلب وقتاً إلا أن المخاوف من تأثيراتها المحتملة قوضت الثقة لدى المستهلك والشركات وأدت إلى موجة عارمة من التظاهرات؛ حيث سجلت ثقة المستهلك في منطقة اليورو في ايار (مايو) الجاري ثاني أدنى مستوى لها خلال ما يقارب 20 عاماً.
إضافة إلى المخاوف بشأن الملامح المستقبلية للنمو الاقتصادي، كشفت الأحداث الأخيرة كثيرا من أوجه الضعف في هياكل المؤسسات وفي الإرادة السياسية، وهما عنصران مهمان لدعم العملة الموحدة. وشملت أوجه الضعف تواضع مستوى هياكل المؤسسات وضعف تطبيق القوانين الاقتصادية والمالية وتباين السياسات المتبعة حتى وسط أكبر دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى انعدام هيئة مالية مركزية وكذلك عدم وجود نظام تحويلات مالية عبر الدول.
من الناحية الرسمية يتعين أن تخضع الدول التي يتجاوز عجز ميزانيتها 3 في المائة من الناتج الإجمالي لعقوبات مالية، لكنها نادراً ما تطبق وليس هناك أحساس بضرورة التشدد حيالها، فدولة مثل اليونان تجاوزت العجز المستهدف في تسع سنوات بين عامي 1999 و2009 وتجاوزته إيطاليا ست مرات وفعلت كل من فرنسا وألمانيا والبرتغال أربع مرات.
تتناقض خطة الإنقاذ التي تمت المصادقة عليها مع التزام نص عليه ميثاق الاتحاد الأوروبي بعدم التدخل لإنقاذ أي من اقتصادات المجموعة، كما أنها تهدد بتقويض استقلالية البنك المركزي الأوروبي من خلال مطالبته بشراء سندات حكومية (رغم تعهداته السابقة بعدم فعل ذلك). علاوة على ذلك، ورغم أن الأزمة كشفت حاجة حكومات الاتحاد الأوروبي للعمل سوياً لحل مشكلات المنطقة، إلا أنه كانت هناك توترات واضحة بين كبار الاقتصادات في المنطقة، أي ألمانيا وفرنسا على وجه التحديد.
وقد تبدى الاختلاف في استعداد فرنسا لتبني حزمة ضمانات القروض حتى مع التأييد الضعيف من قِبَل ألمانيا. وفي إجراء من طرف واحد لجأت الحكومة الألمانية الأسبوع الماضي إلى حظر ''البيع على المكشوف'' بالنسبة لفئات أصول معينة تشمل بعض أسهم البنوك والسندات الحكومية (حيث يقوم المستثمر ببيع أصول ليست في حوزته).
وعموماً تشير الطريقة التي اُتخِذ بها قرار حزمة الضمانات إلى صعوبة الوصول إلى اتفاق سريع في حالة الأزمات عندما تكون صلاحية اتخاذ القرارات بأيدي الكيانات التي تمثل المنطقة بدلاً عن الحكومات الوطنية.
#6#
وتكشف هذه القضايا غياب المؤسسات المركزية التي تتمتع بصلاحيات كافية وبالأخص انعدام السلطة المالية المركزية.
ويعزى نجاح الدولار الأمريكي في خدمة الاقتصاد الأمريكي برغم ضخامته وتنوعه، إلى وجود نظام يتيح تحويل الأموال بين مختلف الولايات من خلال الإنفاق الفيدرالي وهو نظام يفتقده الاتحاد الأوروبي.
والواقع أنه يتعذر على دافعي الضرائب قبول فكرة استخدام أموالهم لدعم دول أخرى تنفق بإسراف ويتمتع مواطنوها بشروط عمل أكثر رخاءً. ويعتبر إنشاء هيئة رسمية كبيرة لتحصيل الضرائب من جميع دول الإقليم تتمتع بصلاحية إعادة توزيع الإيرادات الضريبية على جميع الدول الأعضاء أمرا ضروريا لضمان أداء جيد لليورو، لكن يبدو أن هذا الهدف بعيد المنال وغير واقعي في الوقت الحالي باعتباره يثير جدلاً سياسياً كبيراً.
وقد تدهورت قيمة اليورو بصورة حادة في ظل هذه الظروف، حيث تدنت قيمته حتى هذه اللحظة من العام بنسبة 9.5 في المائة وذلك مقابل سلة مرجحة تجارياً من عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين في المنطقة، وبنسبة 4.2 في المائة حتى نهاية نيسان (أبريل). وجاء هبوط اليورو مقابل الدولار بمستوى أكبر حيث تراجع بنسبة 14.3 في المائة و7.7 في المائة على التوالي، بل سجل في منتصف الأسبوع الماضي أدنى قيمة له في أربع سنوات قبل أن يحقق بعض الانتعاش الطفيف. ويشير ضعف أداء اليورو مقابل الدولار والارتفاع في أسعار سندات الخزانة الأمريكية إلى أن المستثمرين دأبوا على شراء الدولار والأصول الآمنة المسعرة بالدولار في الأوقات التي تسود فيها أجواء الحذر حتى وإن لم تكن المعطيات الأساسية للاقتصاد الأمريكي قوية.
على المدى القصير سيغلب على حركة اليورو طابع التذبذب وسوف تتحكم فيها الحالة المزاجية للمستثمرين. وبالرغم من جميع المشكلات الحالية في منطقة اليورو، فقد تعززت قيمة العملة الموحدة الأسبوع الماضي. ونتوقع في ضوء المخاطر التي تواجه العملة الأوروبية الموحدة أن يشهد اليورو اتجاهاً تنازلياً متذبذباً خلال الأشهر القليلة المقبلة.
أما على المدى الطويل فهناك عوامل كثيرة تشير إلى تراجع في قيمة اليورو، حيث إن الاتحاد الأوروبي هو المنطقة الوحيدة في العالم التي ربما تشهد ركوداً مزدوجاً حيث كانت عودته إلى النمو ضعيفة (ارتفع الناتج الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 0.5 في المائة فقط على أساس سنوي في الربع الأول) فضلاً عن أن من شأن إجراءات التقشف أن تضعف الأداء الاقتصادي. كذلك لن تكون الفروقات في أسعار الفائدة في صالح العملة الأوروبية الموحدة، حيث يبدو الآن أن البنك المركزي الأوروبي لن يلجأ على الأرجح إلى رفع الأسعار لبعض الوقت. وقد ظل البنك المركزي الأوروبي باعتباره الجهة المنوط بها ضبط التضخم مثابراً على إبقاء أسعار الفائدة أعلى من نظيرتها في أمريكا، حيث يناط بـ ''الاحتياطي الفيدرالي'' ضبط التضخم ودعم النمو في الاقتصاد. وفي حالة عملتي اليورو والدولار يلعب الفرق الحقيقي في أسعار الفائدة والتغيرات المتوقعة في هذه الفروقات دوراً مهماً في التأثير في تغير قيمة العملة. وفي ظل الضعف الاقتصادي في أوروبا فإن ''الاحتياطي الفيدرالي'' قد يلجأ إلى استباق البنك المركزي الأوروبي في رفع أسعار الفائدة، وهي خطوة من شأنها المساهمة في إضعاف اليورو على نحو أكبر.
#7#
وستظل المشكلات المؤسساتية والسياسية تثقل كاهل اليورو، خاصة أن تشديد السياسات المالية قد يؤدي إلى بعض الاضطرابات الاجتماعية. علاوة على ذلك يتوقع أن تقوّض المشكلات الحالية من تنامي دور اليورو كعملة احتياطي، مما يجعل البنوك المركزية حول العالم أقل رغبة في رفع احتياطياتها منه. وهناك مشكلة هيكلية عويصة أخرى يصعب معالجتها قريباً تتمثل في غياب التنافسية بين عديد من دول منطقة اليورو، وقد نشأت هذه المشكلة بسبب صرامة أسواق العمل التي امتنعت عن إجراء تعديلات في نظام الأجور. ويلجأ كثير من الدول إلى معالجة هذه المشكلة عادة من خلال خفض قيمة عملتها عندما تكون غير مرتبطة بعملة أخرى، لكن المعالجة داخل منظومة العملة الموحدة تتطلب إجراء إصلاحات داخلية صارمة.
توقع المحللون قبل أقل من عام أن يعاني الدولار ضعفا هيكليا على المدى البعيد وأن الحالة المزاجية في أسواق العملات يمكن أن تتغير بسرعة. وبافتراض صواب هذه التحليلات فإن كثيرا من حكومات منطقة اليورو سترحب بخفض قيمته بحسبان أن ذلك سيؤدي إلى تحسين القدرة التنافسية لصادراتها. ورغم أن اليورو لامس أدنى مستوى له منذ أربع سنوات إلا أن متوسط سعره مقابل الدولار منذ انطلاقته في عام 1999، البالغ 1.18 لا يزال يتفوق عليه بل يقترب من القيمة التي يراها كثير من المحللين عادلة. لذا نرجح أن يكون المسار المستقبلي لليورو هو الاستمرار في التدني طالما بقيت سياسة الاتحاد الأوروبي مشتتة ولم تقدم تطمينات كافية للأسواق. لكننا لا نعتقد أن منطقة اليورو ستتفكك حيث لا تزال العملة الموحدة تحظى بدعم سياسي قوي.
#8#
ما أثر الأزمة الراهنة
في بقية دول العالم؟
لا تقتصر المخاوف من احتمال حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي على أوروبا وحدها، حيث تثار الشكوك في مختلف أنحاء العالم حول سلامة التعافي الاقتصادي وقدرته على الاستمرار. ومن شأن تجدد الركود في الاتحاد الأوروبي أن ينعكس على بقية دول العالم لأن المنطقة تمثل سوقاً ضخمة للواردات، حيث بلغت القيمة الإجمالية للواردات إلى الاتحاد الأوروبي عام 2008 نحو 2.1 تريليون دولار جاء معظمها من الصين والولايات المتحدة وروسيا بنسبة 14 في المائة و13 في المائة و12 في المائة على التوالي. وإضافة إلى تأثير الأزمة المباشر على الدول المعنية، تشير المشكلات الحالية التي ضربت اليونان إلى أن هناك اقتصادات أخرى ستتعرض لفترات مشابهة من التقشف حتى تستطيع ميزانياتها العامة العودة إلى الوضع المناسب. وبصفة عامة ونتيجة للتغير الحاد المفاجئ في الحالة المزاجية تركز الأسواق حالياً على الأخبار السيئة حتى مع وجود أخبار جيدة وبيانات قوية.
وينطبق هذا الوضع بصفة خاصة على الولايات المتحدة، حيث تشير البيانات الحديثة إلى تسارع التعافي الاقتصادي لكن الأسواق تتجاهل ذلك بصورة واضحة. وقد انتعش التوظيف في نيسان (أبريل) بأسرع معدل له منذ شباط (فبراير) 2006 وارتفعت مبيعات التجزئة للشهر نفسه بنسبة 0.4 في المائة، أي ضعف توقعات المحللين، كما ارتفع الناتج الصناعي بنسبة 1 في المائة وهي نسبة فاقت كذلك معظم التوقعات، بينما بلغت ثقة المستهلك أعلى مستوياتها منذ آذار (مارس) 2008. وتدل كل هذه البيانات على أن الإنفاق الاستهلاكي يسجل بعض الزخم مما يساعد على دفع الاقتصاد برغم تقلص برامج التحفيز.
وأكثر ما يؤثر في الحالة المزاجية في السوق حالياً هو القلق بشأن وتيرة وقوة الانتعاش، حيث يعتبر الانتعاش الحالي أضعف بكثير مقارنة بالانتعاش الذي أعقب ركود الفترة 1980 ــ 1982 (أطول فترة ركود بعد الحرب الثانية حتى اليوم). وكما يبين الرسم البياني على اليمين، أعقبت نهاية ذلك الركود وبصورة سريعة خمسة فصول تجاوز فيها النمو نسبة 6 في المائة (على أساس سنوي معدل موسمياً) وبلغ النمو في الفصل الثالث 9 في المائة. بالمقابل، كان الانتعاش خلال عام 2009 وحتى الفترة الحالية من عام 2010 بطيئاً ولم يتجاوز النمو في الفصل الثالث 3.2 في المائة. ويأتي هذا التباطؤ رغم الإنفاق الحكومي الضخم وأسعار الفائدة المنخفضة بصورة استثنائية.
إن السحب الحتمي لبرامج التحفيز يرجِّح تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي في النصف الثاني من العام. وبالرغم من أن أسعار الفائدة ستبقى منخفضة جداً لكن بقية إجراءات التحفيز سوف تنتهي. إضافة إلى ذلك، لن تظل المكاسب المتحققة حديثاً من إعادة بناء مخزونات الشركات تساهم في عملية النمو بصورة رئيسية وسيؤدي ضعف معدل استخدام الطاقات الإنتاجية إلى كبح مستويات الاستثمار بينما تستمر عملية خفض المديونية. علاوة على ذلك، ستظل التحديات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي كبيرة بسبب اقتراب معدل البطالة من نسبة 10 في المائة، فضلاً عن الصعوبات التي تعانيها الشركات في سبيل الحصول على القروض.
سجلت آسيا حتى الآن أداءً اقتصادياً أقوى من أي منطقة أخرى منذ الأزمة المالية، ويعود ذلك جزئياً إلى عدم تأثر البنوك الآسيوية بالأزمة المالية مقارنة ببنوك المناطق الأخرى، كما أن الحاجة إلى برامج التحفيز كانت أقل. كذلك كان الأداء الاقتصادي فيها قوياً نتيجة لضخامة الطلب من قِبل الاقتصاد الصيني الذي نما بنسبة 8.7 في المائة العام الماضي وبلغ نموه في الفصل الأول من عام 2010 نحو 11.9 في المائة على أساس سنوي معدل موسمياً.
ورغم أن الاقتصاد الصيني يواصل أداءه القوي (حيث ارتفع كل من مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي في أبريل بنسبة 18 في المائة على أساس سنوي)، إلا أن هناك مخاوف من أن تؤدي سهولة الحصول على القروض المصرفية إلى تضخم كبير في أسعار الأصول وخاصة العقارات. وقد اتخذت الحكومة الصينية عدة خطوات لتهدئة سوق العقار (مثل زيادة معدلات الاحتياطي القانوني للبنوك وبالتالي تقليص المبالغ المتاحة لها لعمليات الإقراض) لكن تأثيرها يكاد لا يذكر حتى الآن. وتشعر الأسواق بالقلق إزاء احتمال مزيد من الإجراءات التي قد تضر بالنمو الاقتصادي والطلب على السلع. وقد تأثرت الحالة المزاجية في آسيا سلباً الأسبوع الماضي جراء تفاقم الأوضاع السياسية في تايلاند (نتيجة الاضطرابات المحلية) وشبه الجزيرة الكورية.
ولن تتمكن الأسواق الناشئة الأخرى من تفادي آثار التباطؤ في الاقتصادات المتقدمة في النصف الثاني هذا العام، وسوف يتمثل أوضح أثر لتجدد التباطؤ في تناقص الطلب على صادرات دول الأسواق الناشئة وكذلك انخفاض أسعار السلع. ونعتقد أن أداء الاقتصادات الناشئة سيظل متفوقاً على الاقتصادات المتقدمة طيلة العامين الحالي والمقبل، لكن من الواضح أن نموها سيأتي أقوى في حال كانت الأحوال أفضل مما هي عليه في الاقتصادات العالمية الكبيرة.
ما الذي يحدث في الأسواق؟
توقع كثير من المحللين، ونحن من بينهم، تباطؤ الاقتصاد العالمي خلال النصف الثاني هذا العام وبقائه منكمشاً خلال عام 2011 جراء الأسباب التي أشرنا إليها أعلاه، لكن ردة الفعل من جانب الأسواق جاءت حادةً مع تسجيل حالات هبوط كبيرة. ولم تكن حدة ردة الفعل مستغربةً في أسواق منطقة اليورو، حيث أدى الانتشار السريع للمشكلات والمعالجات الحكومية لآثارها إلى الإضرار بالأسواق، ورغم أن المشكلات في اليونان كانت جلية ومنذ فترة إلا أن انتشارها السريع جاء مفاجئاًً. أما بالنسبة لأسواق المناطق الأخرى، فإن السبب الرئيسي للتراجع هو التدهور الكبير في الحالة المزاجية للمستثمرين.
وكنا نعتقد لبعض الوقت أن عديدا من الأسواق تخطت المستوى الذي يجب أن تكون عليه في ظل هشاشة التعافي الاقتصاد العالمي، حيث تبدو أسواق الأسهم في الاقتصادات المتقدمة والناشئة مقيمة بأعلى من قيمتها الحقيقية وكان واضحاً أنها اتخذت منحى تصحيحيا منذ بداية العام، كذلك بدا أن أسعار النفط عند مستوى 86 دولاراً للبرميل مبالغ فيها في ظل الأوضاع الاقتصادية السائدة. لذلك يبدو أن الحالة المزاجية في الأسواق استبقت الأحداث على أرض الواقع، حيث لجأ كثير من المستثمرين وبسرعة بمجرد تأكدهم من انتهاء المرحلة الأسوأ من الركود برفع أسعار عديد من الموجودات إلى مستويات أعلى مما تبرره المعطيات الأساسية للانتعاش. والآن فقد أدت الأحداث في منطقة اليورو إلى تذكير المستثمرين بضعف المعطيات الأساسية من خلال موجة عمليات التصحيح الحادة في الأسواق.
ويستعرض الجدول أدناه أداء أسواق الأسهم وأسعار الصرف في جميع أنحاء العالم الشهر الماضي وأيضاً خلال الفترة المنقضية منذ بداية العام. ويشير الجدول إلى أن جميع أسواق الأسهم الرئيسية هبطت الشهر الماضي وسجلت كلها تراجعاً حتى المرحلة الحالية من العام. ولم يكن مستغرباً أن يكون أكبر الخاسرين هذا العام السوق اليوناني تليه السوق الصينية حيث يشعر المستثمرون بالتململ من تحرك الجهات المختصة تجاه ضبط النمو الائتماني. وقد سجلت أسواق ناشئة رئيسية الشهر الماضي أداءً دون مستويات دول الاتحاد الأوروبي بسبب تعريض مشكلات منطقة اليورو الاقتصاد العالمي كله للخطر ونتيجة لتراجع قابلية المستثمرين لتحمل المخاطر بصفة عامة.
ويتضح ارتفاع مستوى توخي المستثمرين الحذر من حركة الأسعار الحالية للعملات. وكانت العملة الوحيدة التي تعززت قيمتها مقابل الدولار الشهر الماضي هي الين الذي يعد أكبر ملاذ آمن على مستوى العالم. وعلى النقيض من أسواق الأسهم، فإن الضعف الذي أصاب اليورو ومعظم العملات الأخرى حتى اللحظة الحالية من العام حدث قبل الشهر الماضي. ويعود هذا الأمر إلى أن الضغوط على العملة كانت تتراكم طيلة العام بينما تأثرت أسواق الأسهم أكثر بالحالة الاقتصادية الشاملة الناتجة عن تعمق الأزمة. ولم تكن التغيرات في أسعار العملات المشار إليها في الجدول، باستثناء اليورو، ذات بال حيث المعطيات الاقتصادية في عديد من الأسواق الناشئة الرئيسية أقوى من معطيات منطقة اليورو.
التغيرات الأخيرة في الأسعار كانت أكثر حدة بالنسبة لمجموعة السلع، حيث هبط مؤشر رويترز لأسعار السلع بنسبة 10 في المائة منذ نهاية نيسان (أبريل). وكان الهبوط الأكبر من نصيب أسعار المنتجات التي يتأثر الطلب عليها بقوة الاقتصاد العالمي، حيث انخفضت أسعار النفط بنسبة 24 في المائة خلال الشهر الماضي وهبطت أسعار البتروكيماويات فانخفضت أسعار مادة النافثا بنسبة 20 في المائة وتراجع سعر الألمونيوم بنسبة 14 في المائة. وارتفعت أسعار الذهب مقيماً باليورو خلال الشهر الماضي مسجلة سلسلة من الارتفاعات تحققها لأول مرة، لكن في حالة تقييمه بالدولار نجد أن الزيادة ضئيلة لا تتعدى 2.4 في المائة وذلك بسبب الأحداث الأخيرة.
من المرجح أن تظل أسواق الأسهم العالمية وأسعار الصرف وكذلك أسعار السلع معرضة للضغوط خلال الأشهر القليلة المقبلة حيث يراقب المستثمرون الأحداث في منطقة اليورو والبيانات الاقتصادية حتى تتضح الصورة حول النمو في الاقتصاد العالمي. وقد استخدمنا الرسم بياني على اليمين في عديد من تقاريرنا السابقة وهو يعتمد على بحث أجرته مجلة ''كابيتال إيكونوميكس'' ويوضح الرسم أن مؤشر إس آند بي 500 الأمريكي عادة ما يرتفع بنسبة 5 في المائة فقط في المتوسط وذلك في السنة الثانية عقب كل فترة ركود. وبالنسبة للانخفاض الحالي فقد كانت أدنى نقطة لمؤشر إس آند بي 500 في آذار (مارس) 2009 عقب مكاسب قوية جداً خلال السنة الأولى من الانتعاش، وتشير تحركات السوق الأخيرة إلى أن ذلك النمط التاريخي ربما يتكرر مع انخفاض الأرباح في 2010. وعندما تتضح الرؤية للمستثمر بشأن مسار التعافي فسوف تستعيد المعطيات المستقبلية الخاصة بكل دولة أهميتها وتستطيع الأسواق التي تتمتع بإمكانات قوية كأسواق المملكة تسجيل أداء متميز.
#9#
ماذا يعني ما تقدم بالنسبة للسعودية؟
في الوقت الراهن ينبغي أن يصمد الاقتصاد السعودي أمام ما يحدث في الاقتصاد العالمي. وكنا قد توقعنا تباطؤ النمو العالمي خلال النصف الثاني من العام، ورغم عنف حركة أسعار الأصول إلا أنه بناء على مرئياتنا للمعطيات الأساسية لن نعمد إلى تغيير توقعاتنا. لكن لا يعني ذلك أن المملكة لن تتأثر بما يحدث في الاقتصاد والأسواق العالميين، حيث إن تراجع أسعار النفط وأسعار الأسهم يقوضا من ثقة المستهلك ومن شأن استمرارهما عرقلة عملية النمو مما قد يدفعنا لمراجعة تقديراتنا. أما الأثر المباشر على صادرات المملكة من تراجع النمو في منطقة اليورو فيمكن التعامل معه، كما أن اليورو الأضعف يساعد من خلال خفض معدلات التضخم.
يأتي الأثر المباشر والأكثر وضوحاً على الاقتصاد وسوق الأسهم السعوديين من أسعار النفط، فقد هبطت أسعار النفط (خام غرب تكساس) من مستوى 86.2 دولار للبرميل في 3 آيار (مايو) إلى 65.2 دولار للبرميل في 26 أيار (مايو)، أي ما يعادل 24 في المائة. وقد نتجت هذه الضغوط التنازلية على أسعار النفط من عوامل عدة تشمل المشكلات في منطقة اليورو وجهود الصين لإبطاء اقتصادها وارتفاع المخزونات النفطية حول العالم وارتفاع قيمة الدولار وانهيار أسواق الأسهم.
وكما أوضحنا أعلاه أضحى وارداً أن النمو الاقتصادي وبالتالي الطلب على النفط سوف يتباطآن. وسوف يكون ذلك أكثر وضوحاً في أوروبا التي تشكل نحو 18 في المائة من الطلب العالمي على النفط، كما أن المخاوف من التباطؤ في الصين يلقي بتداعياته على أسواق النفط. ورغم أن نصيب الصين من الطلب العالمي على النفط لا يعدو 10 في المائة أي أقل من حصة أوروبا، إلا أنها أسرع مصادر الطلب على النفط نمواً. وحسب وكالة الطاقة الدولية فإن نحو 40 في المائة من حجم الزيادة اليومية في الطلب العالمي البالغ 1.6 مليون برميل هذا العام يحتمل أن تأتي من الصين.
كما تشكل الزيادة المستمرة في المخزونات في وقت قد يتراجع فيه الطلب مصدر قلق آخر للأسواق، حيث ارتفعت المخزونات التجارية من النفط الخام على مدى الأشهر القليلة الماضية في عدد من الدول المستهلكة الرئيسية خصوصاً الولايات المتحدة، مما أدى إلى زيادة احتمال أن تتراجع أسعار مادة الجازولين خلال موسم العطلات الصيفية في الولايات المتحدة بدلاً عن ارتفاعها كما هو معهود. وحالياً تربو المخزونات في دول مجموعة التعاون الاقتصادي والتنمية عن استهلاك 60 يوماً من الطلب المتوقع حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، وذلك مقابل متوسط للأعوام الخمسة السابقة قدره 55 يوماً، وكان نيسان (أبريل) الماضي قد شهد ارتفاعاً حادا على نحو خاص في المخزون من مادة النفط الخام.
وفي ضوء احتمالات تراجع الطلب وارتفاع المخزونات فإن الطاقة الاحتياطية الفائضة لإنتاج النفط تضيف عبئاً آخر على أسعاره. عالمياً تبلغ الطاقة الفائضة لإنتاج النفط نحو 6 ملايين برميل في اليوم معظمها تقريباً لدى دول أوبك (نحو 4.2 مليون برميل في اليوم لدى السعودية منفردة). وتنص السياسة البترولية المعلنة للمملكة على الاحتفاظ بفائض إنتاج قدره مليونا برميل في اليوم للتحوط ضد صدمات تناقص العرض التي تحدث من وقت لآخر. وكي تتمكن الطاقة الفائضة من دعم الأسعار يتطلب الأمر تراجعها إلى ما دون مستوى ثلاثة ملايين برميل في اليوم لكننا لا نرجح حدوث ذلك خلال فترة وجيزة في ضوء النمو الضعيف في الطلب.
وإضافة إلى المخاوف من الطلب الفعلي على النفط فقد تراجع الطلب الاستثماري بمحاذاة الارتفاع في قيمة الدولار والانخفاض في أسواق الأسهم العالمية. وقد شهدت الأعوام الأخيرة في معظمها علاقة عكسية قوية بين حركة أسعار النفط والدولار؛ حيث ترتفع أسعار النفط عندما تتراجع قيمة الدولار. وتفسر أسعار النفط، الذي يتم التداول فيه بالدولار بصورة رئيسية قدرا معينا من تلك العلاقة، حيث يحافظ على قيمته الفعلية مقابل العملات التي تتذبذب. لكن هذه العلاقة مع الدولار وهنت العام الماضي واتخذت أسعار النفط مساراً مغايراَ أكثر ترابطاً مع أسواق الأسهم الرئيسية ترتفع بارتفاعها وتهبط بهبوطها. وفيما يبدو أن هذا التغير يعكس استخدام المستثمرين للنفط كمعيار على سلامة أوضاع الاقتصاد العالمي. وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية تعزز قيمة الدولار وتراجع مؤشرات أسواق الأسهم بما يحمله ذلك من إشارة قوية بتضافرهما لجر أسعار النفط إلى الأسفل.
#10#
وكانت أسعار النفط قد تدهورت إلى مستوى 30 دولارا للبرميل أوائل آذار (مارس) 2009 في أعقاب أسوأ أزمة مالية لكنها سرعان ما استردت عافيتها لترتفع فوق مستوى 60 دولارا للبرميل ثم ظلت عند ذلك المستوى لفترة عام. ورغم تضافر كل العوامل ضد أسعار النفط في الوقت الراهن إلا أننا نستبعد هبوطها دون مستوى 60 دولارا للبرميل بصورة مستمرة، وإلا فربما تدفع بمنظمة الأوبك لاتخاذ إجراء إن اقتربت الأسعار من ذلك المستوى (أقله تشديد الالتزام بحصص الإنتاج الحالية إن لم تلجأ إلى خفضها). مرة أخرى، وكما أشرنا أعلاه، فقد توقعنا تراجع مستوى النمو في الاقتصاد العالمي في النصف الثاني من عام 2010 وتم أخذ ذلك في الاعتبار عند تقديرنا أن يأتي متوسط سعر خام غرب تكساس عند مستوى 75 دولارا هذا العام. ولا يزال متوسط سعر خام غرب تكساس فوق ذلك المستوى بصورة مريحة عند مستوى 79.3 دولار للبرميل رغم التراجع خلال الشهر الماضي. ولا نرى أن هناك تغيرات أساسية في أسواق النفط العالمية تبرر تعديل تقديراتنا.
ورغم حدة تراجعها إلا أن أسعار النفط عند مستوى 65 دولارا للبرميل حالياً تظل أقرب إلى المستوى الذي وصفه وزير النفط على النعيمي بـ ''السعر المثالي'' البالغ 75 دولارا للبرميل مقارنة بمستواها في أوائل الشهر. وتظل السعودية، عند مستوى الأسعار وحجم الإنتاج اليومي البالغ ثمانية ملايين برميل، متقدمة كثيراً عن مستوى 53 دولارا للبرميل المطلوبة لاستيفاء ميزانية الدولة لهذا العام، لذا لا نتوقع التراجع عن مستويات الإنفاق التحفيزي القوي الجاري حالياً. وحتى إذا ما تراجعت أسعار النفط بصورة أكبر فإن لدى الحكومة احتياطيات ضخمة من الموجودات الأجنبية تستطيع السحب منها لتمويل الإنفاق. وقد استمرت موجودات مؤسسة النقد في الارتفاع معظم العام حتى بلغت 414 مليار دولار بنهاية نيسان (أبريل).
وقد ساهم تدهور أسعار النفط بصورة كبيرة في الانهيار الذي تعرض له مؤشر تداول خلال الأسابيع القليلة الماضية. ورغم استبعادنا أن يضعف تدهور أسعار النفط من التزام الدولة ببرامج الإنفاق، إلا أن من شأنها الإضرار بتنافسية قطاع البتروكيماويات الذي يسجل الأداء الأسوأ بين قطاعات السوق حتى الآن هذا الشهر. إضافة إلى أنه من شأن النمو الاقتصادي العالمي الضعيف الإضرار بالطلب. كما انعكس الأثر النفسي لانهيارات أسواق الأسهم العالمية على مزاج المستثمر المحلي وأعاد للذاكرة التجربة القاسية للأزمة المالية العالمية في أواخر عام 2008، عندما اختفى تماماً أي أثر لمعطيات السوق المحلية على حركة مؤشر تاسي. لكننا وفي ضوء المعطيات الأساسية لا نزال عند رأينا بأن القيمة العادلة المستهدفة بنهاية العام هي 7.400 نقطة، بارتفاع قدره 28 في المائة فوق المستوى الحالي للمؤشر.
من الأهمية بمكان متابعة نشأة وتطور سوق الأسهم السعودية لمحاولة التعرف على الكيفية التي سوف تؤثر بها موجة التذبذب الحادة الحالية في الاقتصاد. وبالنظر إلى أن السواد الأعظم من المواطنين يستثمرون في سوق الأسهم، وباعتبار أن التغير في قيمة محافظهم الاستثمارية تنعكس على قراراتهم المتعلقة بالإنفاق فإن احتمال أن يؤدي انهيار السوق الأخير إلى ضعف الإنفاق الاستهلاكي يظل أمراً وارداً. ويظهر الرسم البياني العلاقة الوثيقة بين التغير السنوي في قيمة عمليات نقاط البيع (أقرب مؤشر لرصد مبيعات التجزئة) وبين التغير في مؤشر تاسي، حيث يظهر احتمال تراجع مستويات الإنفاق الاستهلاكي إذا لم يرتد المؤشر بصورة سريعة (الرسم البياني حسب إغلاق السوق في 25 مايو).
ونفترض أن لحركة أسعار النفط وأسعار الأسهم أثر أكبر يدعونا لتعديل توقعاتنا نزولاً أكثر من المشكلات المترتبة على العلاقات التجارية المباشرة، حيث لم يعدو نصيب اليونان من إجمالي صادرات المملكة 0.7 في المائة عام 2008 وفقط 0.2 في المائة من الصادرات غير النفطية عام 2009. أما اليونان والبرتغال وإسبانيا وأيرلندا مجتمعين فلم تعدو حصتهم 3 في المائة من إجمالي صادرات المملكة وأقل من 1 في المائة من الصادرات غير النفطية في الأعوام نفسها.
يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر الشركاء التجاريين للمملكة، لكن على النقيض من العلاقة مع بقية الشركاء التجاريين الرئيسين فقد سجلت المملكة عجزاً تجاريا معه (حسب آخر البيانات) نتيجة المستوى المرتفع لوارداتها. ويتلقى الاتحاد الأوروبي 11 في المائة من صادرات المملكة (نحو 33 مليار دولار عام 2008) و9 في المائة من الصادرات غير النفطية (نحو 2.7 مليار دولار عام 2009). ومن شأن النمو الضعيف أن يؤدي إلى تراجع الطلب على الصادرات، لكن نتيجة لهيمنة النفط على هذه العلاقة التجارية وبسبب أن أسعاره مرشحة للتماسك فلن يكون للنمو الضعيف أثر ملحوظ على المملكة. وربما يعاني مصدرو السلع غير النفطية إلى دول الاتحاد الأوروبي من تراجع الطلب والأسعار، ومن شأن اليورو الأضعف أن يعمل على خفض أرباح الشركات بالريال مقابل مبيعات الشركات في الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم مما تقدم وبالنظر إلى الحجم الكبير من الواردات التي تأتي من دول المجموعة الأوروبية فإن من شأن اليورو الأضعف أن يأتي في صالح المملكة التي تستورد نحو 25 في المائة من وارداتها من المجموعة الأوروبية. ويعني ضعف اليورو أن تكلفة المنتجات الأوروبية سوف تكون أقل بالنسبة للمستوردين وربما إلى المستهلك النهائي عند تحويلها إلى الريال السعودي مما يخفض من مستوى التضخم. ومن شأن انخفاض أسعار السلع أن يعمل على التخفيف من آثار التضخم لكن ليس بالمستوى نفسه بالنسبة لأسعار المواد الغذائية التي تشكل النسبة الأكبر من مكونات مؤشر تكلفة المعيشة. وفي أغلبية الأحوال فإن الواردات من المجموعة الأوروبية لا تتنافس بصورة مباشرة مع المنتجات المحلية، لذا لا نتوقع أن تتضرر الشركات المحلية من الواردات الأرخص.
ولا نتوقع أن تتأثر عمليات الإقراض بواسطة المصارف المحلية. وكان التباطؤ في عمليات الإقراض أحد الأسباب الرئيسية التي حدت من الأداء الاقتصادي على مدى الـ 18 شهرا الماضية. وليست للبنوك السعودية تعرض في اليونان والدول الأخرى التي تتوقع الأسواق تعثرها في السداد إلا في أضيق الحدود. وتعكس أسعار الفائدة بين البنوك (التي تستخدمها البنوك عند إقراض بعضها بعضاً) درجة الارتياح السائدة في القطاع المصرفي المحلي حيث كانت قد ارتفعت عندما تراجعت السيولة في النصف الثاني عام 2008، كما قفزت الفائدة بين البنوك لثلاثة أشهر مباشرة عقب انهيار مصرف ليمان براذرز إلى مستوى 4.67 في المائة (267 نقطة أساس فوق سعر إعادة الشراء العكسي). بالمقابل لم تتغير الفائدة بين البنوك لثلاثة أشهر منذ منتصف آذار (مارس) وتراوح حالياً عند مستوى 0.73 بالمائة (48 نقطة أساس فوق سعر إعادة الشراء العكسي). لذا لا نزال نتوقع نمواً تدريجياً في عمليات الإقراض بواسطة البنوك المحلية إلى مؤسسات القطاع الخاص هذا العام.
ومن المرجح أن تزداد صعوبة الحصول على التمويل من البنوك الأجنبية، خصوصاً أن عديدا من البنوك الأوروبية سوف تصبح أكثر قلقاً من انكشافها أمام دول مجموعة اليورو ولن تتحمس كثيراً في التوسع في عمليات التمويل. وعموماً فإن الإقراض بواسطة البنوك الأجنبية إلى المملكة شهد تراجعاً خلال الأعوام القليلة الماضية نسبة لانخفاض قابليتها لتحمل المخاطر وبسبب المشكلات التي تعرضت لها بعض شركات القطاع الخاص وبسبب أزمة دبي. ورغم أن المؤسسات المقرضة وافقت على إعادة جدولة الديون على الأخيرة لكننا لا نعتقد أن في ذلك إشارة إلى عودة التوسع في الإقراض في ظل الأوضاع الراهنة. كما تعني أوضاع السوق الصعبة أن المستثمرين سوف يطالبون بعائد أعلى على إصدارات الصكوك والسندات، مما قد يضطر الشركات التي بصدد إصدار أدوات دين أو إجراء طرح أولي إلى التأني ريثما تتحسن الأوضاع.
إخلاء المسؤولية
ما لم يشر بخلاف ذلك، لا يسمح إطلاقا بنسخ أي من المعلومات الواردة في هذه النشرة جزئيا أو كليا دون الحصول على إذن تحريري مسبق ومحدد من شركة جدوى للاستثمار.
البيانات المالية الواردة في هذا التقرير تم الحصول عليها من وكالات: رويترز وبلومبيرغ وشركة تداول ومن مصادر محلية أخرى، ما لم تتم الإشارة لخلاف ذلك.
لقد بذلت شركة جدوى للاستثمار جهدا كبيرا للتحقق من أن محتويات هذه الوثيقة تتسم بالدقة في كافة الأوقات. حيث لا تقدم جدوى أية ضمانات أو ادعاءات أو تعهدات صراحة كانت أم ضمنا، كما أنها لا تتحمل أية مساءلة قانونية مباشرة كانت أم غير مباشرة أو أي مسؤولية عن دقة أو اكتمال أو منفعة أي من المعلومات التي تحتويها هذه النشرة. لا تهدف هذه النشرة إلى استخدامها أو التعامل معها بصفة أنها تقدم توصية أو خيار أو مشورة لاتخاذ أي إجراء/إجراءات في المستقبل.