إلى متى يستمر اعتماد الكرة العربية على الخواجات؟
هذا الموضوع موضوع حيوي يجب أن نناقشه بهدوء وموضوعية, مرتكزين في تحليله على الأسس العلمية بكل مضامينها ومقاييسها التي توصلنا بأقرب الطرق إلى حلول تعود بالفائدة على كرتنا العربية.
والسؤال الذي طرح نفسه وما زال يطرح ونتهرب من الإجابة عنه، هو: إلى متى ستظل الكرة العربية حبيسة فكر وتخطيط وتكتيك المدرب الخواجة؟
وللإجابة التي ربما تغضب البعد نقول:
أولا: من الأخطاء الكبيرة التي نرتكبها هي اعتقادنا الجازم أن المدرب هو الشخص الذي يدرب اللاعبين على المهارات الأساسية ووضع خطط اللعب وتحقيق الانتصارات والنتائج في المباريات، ونغفل دائماً أمراً مهما جداً وهو واجبنا كإداريين ومسؤولين عن أجيال من الشباب العربي بأن نلم تماماً بالجوانب النفسية والروحية لشبابنا والدور المهم والكبير المنوط بالمدرب للقيام به من تهيئة ومعالجات نفسية تتطلب من المدرب الجلوس فيها مع اللاعبين ودراسة نفسياتهم وتوصيل آرائه وأفكاره بطرق متعددة, وربما يتطلب الأمر الجلوس مع لاعب بعينه لهذا الغرض، لأن الدراسة التي أتحدث عنها تشمل تحديد طريقة تفكير اللاعب, وبالتالي تحديد طريقة التعامل معه، وهذا ما لا يستطيع المدرب الخواجة القيام به لعوامل اللغة وعوامل أخرى كثيرة سترد لاحقاً.
ثانيا: المدرب الأجنبي يتعامل مع اللاعب العربي وفي مخيلته اللاعب في بلده إن كان أوروبياً أو من أمريكا أو غيرها من بلاد الخواجات، مع العلم بالفارق الكبير والكبير جداً بين هؤلاء اللاعبين في سلوكياتهم وأخلاقياتهم وتربيتهم وعاداتهم وتقاليدهم، فيأتي الخلل في طريقة التعامل, ما يؤثر سلباً في اللاعب العربي, وبالتالي يضطر إلى أن يجبر نفسه على مجاراة وطاعة المدرب طاعة عمياء خوفاً من الإبعاد وفقدان فرصة اللعب. حتى نتأكد من هذا علينا أن نراجع قوائم اللاعبين في العالم العربي ونعدد سنين استمرارهم في الملاعب إلا من رحم ربي، لأن المنظور العام للمدرب الخواجة يريد من اللاعب تنفيذ مهمة ما فقط, لكن لا يهمه مستقبل هذا اللاعب ولا استمراريته، لأن ذلك لا يهمه في شيء.
ثالثاً: توضيح فكرة أو توجيه معين من المدرب للاعب يعتمد على طريقة الشرح وتوصيل المعلومة، وقد تأتي لحظة يكون الحديث فيها بين المدرب واللاعب حديث عقل لعقل أو حديث قلب لقلب، فكيف يحدث ذلك وهناك وسيط اسمه المترجم؟ كيف يستطيع المترجم ترجمة مشاعر وعواطف وخواطر المدرب؟ وكيف يستطيع المترجم أن ينقل للمدرب رأى المدرب أو مشاعره وإن نقلها فأنه ينقلها بالطريقة ربما لا تعبر فعلا عن مشاعر هذا اللاعب، خاصة حينما يكون المترجم مترجما وليس رياضيا أو مدربا. وفي يوم من الأيام حكى لاعب قصة تؤيد كلامي, حيث قال للمترجم شيئا لينقله للمدرب فقال له المترجم أنا قلت للمدرب كلاماً آخر لأن هذا الكلام ربما يجعل المدرب يكرهك ويبعدك عن تشكيلة الفريق, لكم أن تحكموا بأنفسكم على ذلك.
#2#
رابعاً: إن عقدة الخواجة كانت عقدة إداريين ونقلت العدوى فأصبحت عقدة لاعبين لأننا أدخلنا في عقول أبنائنا أن المدرب الخواجة يستطيع أن يصنع به العجائب ويجعله أحسن لاعب في العالم، وامتد هذا الخطأ، بأن نولي تدريب البراعم والناشئين لمدربين خواجات، فأعمار اللاعبين البراعم والناشئين والشباب هي أعمار ما قبل المراهقة وعز المراهقة وما بعد المراهقة, وكلها مراحل خطيرة في حياة اللاعب تحتاج إلى التعامل بصورة يعتمد فيها المدرب على الحديث المباشر مع اللاعب والتقرب منه لفهم مشاعره, وتقلب هذه المشاعر حسب مروره بهذه المرحلة، بل يحتاج إلى الولوج في مناقشة بعض أموره الشخصية مثل أموره الدراسية وأحواله المادية وغيرها حتى يقيم نوع التغيير الذي يحدث له في هذه المرحلة من عمره، فكيف يفعل المدرب الخواجة؟ فلا عامل اللغة ولا حتى استعداده النفسي لتحمل مسؤولية تربوية مثل هذه لأن مهمته تأتي في المقام الأول في تحقيق النتائج، وشاهدنا سلوكيات لبعض المدربين الخواجات في منافسات الناشئين الخليجية والعربية تحزننا كثيراً، ويمتد الحديث في ذلك بأن هناك بعض المعالجات لهؤلاء اللاعبين تتطلب من المدرب دراسة البيئة التي يعيشها اللاعب والظروف الأسرية والاجتماعية التي تحيط به وربما تحتاج من المدرب لقاء أسرة اللاعب والحديث معهم وتوجيههم إلى طريقة التعامل معه في البيت لأن الملعب وحده لا يكفي لبلورة شخصية اللاعب .. فكيف يفعل ذلك مدرب خواجة؟
خامسا: من أسوأ الأمور التي يمكن أن تحدث للاعب, خاصة في مرحلتي الناشئين والشباب, هي أن يحدث له جرح نفسي أو روحي ينتج عن عدم إفهام المدرب لهذا الناشئ أن كرة القدم لعبة رياضية تعتمد على بذل الجهد وتقبل النصر والهزيمة بروح رياضية وتعويضهم عما يحدث لهم في داخل المباريات من إهدار فرص أو أخطاء فنية بحديث يزيل آثار ما يحدث في داخل الملعب، فكم شاهدنا من ناشئ أو شاب يبكي بعد إضاعته هدفا أو ضربة جزاء وبلا أدنى شك في أن هناك خللا نتج في التربية الفكرية الرياضية لهذا الناشئ, ولمن يقولون إن الأطباء أو المعالجين النفسيين يمكن أن يقوموا بهذا الدور, أقول إن ما يستطيع أن يحدثه المدرب بكلمة واحدة لا يستطيع الطبيب أو المعالج النفسي أن يحدثه في شهر كامل من الحديث، لأن عشق اللاعب مدربه يجعله في مقام الأب أو الأخ الأكبر, وحديثه له قيمة ووزن ومضمون آخر, بل أن الطبيب أو المعالج النفسي يمنحه الشعور بأنه مريض, وهذا الطبيب يريد أن يعالجه من مرض ما.
ولنذهب إلى جزئية أخرى مهمة وهي تعليم المهارات الأساسية للاعب, فهي تحتاج إلى شرح نظري ثم تطبيق عملي ثم تصحيح للأخطاء ثم متابعة, فكيف للمدرب الخواجة عمل كل ذلك وبينه وبين اللاعب حواجز اللغة وغيرها؟
سادساً: إذا رجعنا مرة أخرى إلى المعالجات النفسية التي يحتاج إليها اللاعب, خاصة قبل وأثناء وبعد التدريب أو المباراة في تحريك همته وتحفيزه على البذل وبذل الجهد التي تتطلب أن يتغمس المدرب شخصية عالم النفس الرياضي لتوصيل هذه المعلومة فكيف يوصلها المدرب الخواجة للاعب خاصة أن الفترة الزمنية ضيقة وربما يحتاج إلى كلمة أو اثنتين لتنفيذ هذا الشيء؟ اللهم إلا إذا كان ذلك يتم بصياح الخواجات الذي تسمعه المدرجات بأكملها فنقول اللهم زدنا علماً.
#3#
سابعاً: إن المدرب الناجح هو من يقوم بإعداد اللاعب بدنياً ومهارياً وخططياً، وربما يحدث نقص ما في أحد هذه العوامل لإنجاح الأداء العام للاعب كفرد أو اللاعبين كمجموعة، وهذا النقص غالباً ما يتم إكماله برفع روح الحماس وإشعال محركات الغيرة على الشعار الذي يرتديه, أو تحريك الحس الوطني بصورة دافعة له لتقديم مزيد من الجهد, وهذا يحدث دائماً بحديث إنشائي يستعمل فيه المدرب قدراته اللغوية واختيار الألفاظ المناسبة والجمل ذات التأثير المباشر .. فكيف يقوم المدرب الخواجة بذلك؟
لنا عودة لنبين الحلول والبدائل مع أمنياتنا لكرتنا العربية بالتقدم والازدهار, ولمدربينا العرب التوفيق في القيام بمهمتهم وتخليص العالم العربي من عقدة الخواجة, وذلك يأتي بالجهد والمثابرة وكسب ثقة المسؤولين, وبالله التوفيق.