تقرير مصرفي: انخفاض النفط دون 70 دولارا لن يؤثر في الإنفاق الحكومي

تقرير مصرفي: انخفاض النفط دون 70 دولارا لن يؤثر في الإنفاق الحكومي

رجح تقرير مالي حديث أن تنخفض أسعار النفط خلال العام الجاري 2010 دون مستوى 70 دولارا للبرميل مع تفاقم أزمة الدين اليونانية والاتحاد الأوروبي، وهو المستوى الأدنى المريح لدول الخليج المنتجة، ما يعني أن سعر النفط سيستمر في دورانه في فلك السعر الذي يراه عدد من منتجي الخام ومستهلكيه عادلا والذي يراوح بين 70 و80 دولارا للبرميل وفقا لمستويات الطلب في العالم وكميات الإنتاج.
ولفت التقرير الصادر عن ''الرياض المالية'' ـ الذراع الاستثمارية لبنك الرياض ـ ربع السنوي حول الاقتصاد السعودي، إلى أنه في حال انخفاض أسعار النفط إلى 70 دولارا للبرميل فإنه لن يؤثر في الإنفاق الحكومي، وذلك لتمتع الحكومة بفائض في الميزانية ونمو اقتصادي إيجابي.
وتشير الأرقام المعلنة - وفق الاقتصاديين - إلى أنه تم اعتماد سعر يراوح بين50 و55 دولارا للبرميل عند اعتماد الموازنات الخليجية للعام الماضي وأن متوسط سعر برميل النفط تجاوز هذا المعدل ليصل إلى 59 دولارا للبرميل، وهو ما يفسر استمرار الأنشطة الاقتصادية في دول مجلس التعاون بمعدلات جيدة رغم انحسار الأنشطة الاقتصادية في العالم وانكماش العديد من الاقتصاديات العالمية.
كما أشار التقرير، الذي أعده الدكتور خان زاهد كبير الاقتصاديين في ''الرياض المالية''، إلى أن المؤشرات الاقتصادية والمالية الأخيرة توضح تحسنًا في الظروف الاقتصادية السعودية للشهر الثالث على التوالي، حيث ازداد عدد المؤشرات الخضراء مرة أخرى، ومازال عدد المؤشرات الحمراء عند مستويات منخفضة، وبالأخص مؤشر الإقراض المصرفي للقطاع الخاص الذي أظهر نموًا ملحوظًا على مدى ثلاثة أشهر متتالية.

أسواق النفط العالمية

لفت تقرير ''الرياض المالية''، إلى أن أحد أهم التطورات الاقتصادية خلال الربع الأول من عام 2010 كان التغير في أسعار النفط، حيث يعد النفط المحرك الأساسي للاقتصاد السعودي، فعلى الرغم من تقلبها بلغت أسعار النفط مستويات قياسية خلال نيسان (أبريل) الماضي، ولكن الاضطرابات الاقتصادية الأخيرة الناجمة عن الأزمة اليونانية تسببت في انخفاض أسعار النفط مرة أخرى. فقد انخفضت الأسعار بأكثر من عشرة دولارات خلال ثلاثة أيام فقط في مطلع أيار (مايو) الجاري، وفي الرابع عشر من الشهر نفسه ثبت سعر خام غرب تكساس المتوسط عند 71.61 دولار للبرميل.
وأضاف أن الأمر الإيجابي هو بقاء الأسعار ضمن نطاق 70 - 80 دولارا للبرميل، وهو المستوى المرغوب من قبل دول الخليج المنتجة للنفط. أما الأمر السلبي فهو احتمال تراجع أسعار النفط أكثر مع استمرار التأثير السلبي لأزمة الدين اليونانية - الأوروبية في الأسواق العالمية وتهديدها بحدوث ركود اقتصادي عالمي مزدوج آخر (ركود يتبعه انتعاش قصير فركود مرة أخرى)، خاصة مع زيادة الضغوط السياسية في اقتصادات دول كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والصين لتقنين الإنفاق الحكومي المالي وتخفيف الحزم النقدية. وعلى الرغم من أنه ما زال من غير الواضح إن كانت أزمة الدين الأوروبية ستتحول إلى ركود حقيقي، إلا أن الاحتمالات تزداد كلما طال أمد الأزمة أو انتشرت إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. ونظرًا لازدياد حالة الغموض هذه على المدى القريب، فإن تقرير ''الرياض المالية'' أبقى على توقعاته السابقة للوقت الحالي بأن يبلغ متوسط خام غرب تكساس نحو 75 دولارا للبرميل لعام 2010، مقدما في الوقت ذاته تصورين بديلين بناء على ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط وتأثيرها في توقعاته للاقتصاد السعودي، السيناريو الأول في حال انخفاض أسعار النفط إلى 70 دولارا للبرميل فإنه لا يزال متيحا المجال للإنفاق الحكومي لتمتع الحكومة بفائض في الميزانية ونمو اقتصادي إيجابي، حتى على الرغم من زيادة الإنفاق الحكومي بنسبة 9 في المائة عما في الميزانية العامة للدولة الحالية، حيث يتوقع أن يسجل معدل نمو الناتج المحلي نسبة 12.5 في المائة، وأن يبلغ حجم الصادرات النفطية 174 مليار دولار، وميزان الحساب الجاري بنحو 44 مليار دولار، فيما يقدر أن يبلغ الإنفاق الحكومي بنحو 588 مليار ريال، مقابل إيرادات (عائدات) تقدر بـ 621 مليار ريال، ما يعني توقع تسجيل فائض في الميزانية بقيمة 33 مليار ريال.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في حال ارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولارا للبرميل، حيث يتوقع أن يسجل معدل نمو الناتج المحلي نسبة 21 في المائة، وأن يبلغ حجم الصادرات النفطية 200 مليار دولار، وميزان الحساب الجاري بنحو 67 مليار دولار، فيما يقدر أن يبلغ الإنفاق الحكومي بنحو 608 مليارات ريال، مقابل إيرادات (عائدات) تقدر بـ 701 مليار ريال، ما يعني توقع تسجيل فائض في الميزانية بقيمة 94 مليار ريال.
فيما السيناريو المتوقع لأسعار النفط خلال العام الجاري بأن تبلغ نحو 75 دولارا للبرميل للبرميل، فيتوقع أن يسجل معدل نمو الناتج المحلي نسبة 16 في المائة، وأن يبلغ حجم الصادرات النفطية 185 مليار دولار، وميزان الحساب الجاري بنحو 52 مليار دولار، فيما يقدر أن يبلغ الإنفاق الحكومي بنحو 599 مليار ريال، مقابل إيرادات (عائدات) تقدر بـ 653 مليار ريال، ما يعني توقع تسجيل فائض في الميزانية بقيمة 54 مليار ريال.

انتعاش الإقراض المصرفي

تحسن مؤشر الإقراض المصرفي للقطاع الخاص عن مستواه السلبي في كانون الثاني (يناير) الماضي وأظهر نموًا على مدى ثلاثة أشهر متتالية، حيث حقق المؤشر نموًا على أساس شهري بنحو 0.2 في المائة في كانون الثاني (يناير)، 0.6 في المائة في شباط (فبراير)، و1.6 في المائة في آذار (مارس). وصاحب هذا النمو في الإقراض المصرفي انخفاض ملحوظ في احتياطيات المصارف لدى مؤسسة النقد العربي السعودي، مما يوحي بتحويل البنوك السعودية احتياطياتها إلى قروض مصرفية بدلا من الاحتفاظ بها لدى مؤسسة النقد. وتتجه البيئة الائتمانية في منطقة الخليج إلى الاستقرار دون وجود أي مفاجآت كبيرة، إن هذا التغيير في التوجه سيكون إيجابيًا للقطاع المصرفي السعودي شريطة أن يستمر هذا التوجه.

سوق الأسهم السعودية

قمنا بتحليل سوق الأسهم السعودية بناء على مجموعة متنوعة من المعايير منها الأداء، احتمالات النمو، التقييم، السيولة، وحجم التداول لتحديد القطاعات الجذابة وغير الجذابة للاستثمار.
ومن أهم القطاعات المختارة على المدى المتوسط: قطاع البتروكيماويات، وقطاع الزراعة والصناعات الغذائية، إضافة إلى قطاع الاستثمار الصناعي. كما نوصي بالاستثمار في ثلاثة قطاعات، وذلك في حال حافظت على وتيرة الأداء الإيجابي الذي سجلته في الآونة الأخيرة. وهي: قطاع المصارف والخدمات المالية، قطاع التشييد والبناء، وأخيرًا قطاع التجزئة.

أداء القطاعات الأفضل والأسوأ

يعد الأداء المعيار الرئيسي في استراتيجية الاستثمار بالنسبة لكثير من المستثمرين، فالقطاعات التي تتمتع بأداء جيد متواصل تعتبر هدفًا للاستثمار، شريطة أن يكون احتمال استمرار هذا الأداء الجيد إيجابيًا. في تقريرنا ربع السنوي السابق قمنا بتحليل القطاعات وفقًا لاحتمالات نموها الاقتصادي على المدى الطويل وتقييمها (نسبة السعر إلى الربح)، وفي هذا التقرير اتبعنا مسارًا تحليليًا أكثر شمولا ليغطي أداء قطاعات مختلفة. والقطاعات الثلاثة الأولى في كل الفترات المذكورة تعد أفضل القطاعات للاستثمار وهي: قطاع الصناعات البتروكيماوية، قطاع
الزراعة والصناعات الغذائية، وقطاع الاستثمار الصناعي. وقد أطلقنا عليها مسمى ''القطاعات الأفضل أداء''. فقد حققت هذه القطاعات الثلاثة أفضل النسب الربحية في مؤشرات كل منها خلال فترات الأشهر الثلاثة، والأشهر الستة، والعام المنقضي بأكمله. وتعتبر هذه القطاعات من أهم القطاعات القوية في الاقتصاد السعودي، حيث إنها تسهم في التنمية الصناعية، وخلق الفرص الوظيفية، وتحقيق النمو الاقتصادي. كما أن التحليل المعتمد في التقرير ربع السنوي السابق قد حدد هذه القطاعات الثلاثة كأفضل القطاعات من ناحية القدرة الاقتصادية والتقييم على المدى الطويل. إن التقييم مقاسا بنسبة السعر إلى الربح المقدم، يعد مهمًا لأنه السعر الذي يضطر المستثمرون لدفعه لتغطية المخاطر التي قد ينطوي عليها الاستثمار في تلك القطاعات. ويتمركز قطاع الاستثمار الصناعي في الجزء الربعي الأعلى من ناحية القطاعات ذات النمو والسعر المرتفع، بينما تقع قطاعات الصناعات البتروكيماوية والزراعة والصناعات الغذائية ضمن الجزء الربعي ذاته، ولكن بتقييم أكثر منطقية (نسب الربحية إلى السعر كانت أقرب منها إلى متوسط القيمة السوقية).
ويعود الأداء القوي والمتسق للقطاعات الأفضل أداء خلال العام المنقضي بشكل رئيسي إلى انتعاش الاقتصاد العالمي وتأثيره الإيجابي في الاقتصاد السعودي. ففي قطاع الصناعات البتروكيماوية، استعادت أسعار بعض المنتجات الرئيسية انتعاشها عقب الانخفاض الذي شهدته بسبب الركود العالمي، كما توقع العديد من المحللين أن تعاود الأسعار نموها خلال العام الحالي. على سبيل المثال، حققت كل من المواد التالية البروبيلين، الميثانول، مثيل ثالثي بوتيل الإيثر، البنزين، والبيوتادايين نموًا مزدوج الرقم خلال عام 2009. ومن المتوقع أن يستعيد الطلب العالمي على منتجات البتروكيماويات نموه مما يدعم بدوره نمو الإنتاج السعودي، في حين تسهم أسعار النفط القوية في دعم نمو الإيرادات لهذا القطاع.
من جهة أخرى، قمنا بتصنيف قطاعين وهما قطاعا الاستثمار المتعدد، والإعلام والنشر ضمن القطاعات الأسوأ أداء، حيث كان كلا القطاعين ضمن القطاعات الخمسة المتدنية. إن أفضل استراتيجية للاستثمار في
هذه القطاعات هي اختيار الأسهم، بدلا من اتباع نهج القطاع وذلك للأسباب التالية: تشتمل هذه القطاعات على عدد صغير من الشركات المدرجة في البورصة ذات صلة عالمية وبالتالي فهي لا تمثل إمكانات القطاع بشكل عام، كما تشتمل هذه القطاعات على شركات متنوعة ليس من السهل تصنيفها ضمن قطاعات اقتصادية معينة (ولذا لم تكن مشمولة ضمن التحليل السابق).
من جهة أخرى، تقدم القطاعات الأخرى صورة متضاربة.
تمكن قطاعان من تحقيق أداء ناجح وهما قطاع المصارف والخدمات المالية، وقطاع التشييد والبناء. فقد أظهر كلا القطاعين انتعاشًا ملحوظًا وتحسنًا عن أدائهما المنخفض في وقت سابق من السنة. حيث انتقل قطاع المصارف والخدمات المالية من المركز الثالث عشر ضمن الأداء السنوي إلى المركز السابع ضمن أفضل القطاعات أداء خلال فترة الأشهر الثلاثة الماضية، بينما انتقل قطاع التشييد والبناء من المركز الحادي عشر إلى المركز الخامس. كما أظهر التحليل السابق الذي قمنا بإجرائه أن كلا القطاعين يمثلان فرصًا استثمارية جيدة نظرًا لقربها من القيمة السوقية.
وعلى النقيض من ذلك، تظهر ثلاثة قطاعات أخرى أداء متدنيًا. فقد تراجع قطاع الفنادق والسياحة من المركز السابع ضمن الأداء السنوي للعام الماضي إلى المركز الثاني عشر خلال أدائه للأشهر الثلاث الماضية. كما تراجع قطاع الطاقة والمرافق الخدمية بشكل ملحوظ من المركز التاسع إلى المركز الخامس عشر خلال الفترة الزمنية ذاتها. إضافة إلى ذلك، انتقل قطاع التأمين من المركز الرابع إلى المركز التاسع خلال الفترات الأخيرة. ويوضح التحليل السابق أن قطاع الطاقة والمرافق الخدمية ليس مفضلا للاستثمار بسبب ارتفاع أسعار أسهمه رغم ضعف أدائه، في حين أن حالة قطاع الفنادق والسياحة هي أكثر شمولا.
وهناك ثلاثة قطاعات حافظت على مراكزها دون تغيير يذكر، حيث بقي قطاع الأسمنت متذبذبًا ضمن المركزين السادس والسابع خلال الفترة. أما قطاع التجزئة، فقد تقلب بين المركزين الرابع والخامس، بينما بقي قطاع النقل ضمن النصف الأدنى من التصنيف. يعد قطاعا الأسمنت والتجزئة حالات عامة بناء على التقييم وإمكانات النمو.
من جهة أخرى، كاد يكون قطاع التطوير العقاري ضمن القطاعات الأسوأ أداء، لو لم ينتقل من تصنيف القطاعات الخمسة الدنيا، حيث انتقل القطاع من المركز الرابع عشر إلى المركز العاشر في فترة الأشهر الثلاثة الأخيرة. فقد أظهر تحليلنا السابق أن إمكانيات النمو التاريخية للقطاع ستكون منخفضة كما كان التقييم أعلى من متوسط القيمة السوقية بشكل طفيف. وفي واقع الأمر، انتقل القطاع في تصنيف الأداء خلال فترة الأشهر الثلاثة الأخيرة على الأرجح بسبب تجدد التوقعات فيما يخص إقرار قانون الرهن العقاري. نتوقع أن يكون القطاع متقلبًا خلال الفترة المقبلة نظرًا للغموض المحيط بقانون الرهن العقاري المرتقب إضافة إلى ارتفاع أسعار العقارات في المملكة، وبناء على ذلك نحدد استراتيجية استثمارية على نحو ''الاحتفاظ'' أو ''انتقاء الأسهم'' لهذا القطاع في الوقت الحالي.
إن القطاعات التي تظهر أداء متذبذبًا، أي أداء متقلبًا بين فترة وأخرى، وهي قطاع التأمين، وقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، إضافة إلى قطاع النقل، قد لا تكون مناسبة لصغار المستثمرين.
إن الإمكانيات الاقتصادية الكامنة للقطاعات متدنية الأداء والقطاعات المتضاربة ما زالت غير واضحة، ولكن العديد من هذه القطاعات تعتمد بشكل كبير على الطلب المحلي. وتشير تقاريرنا الشهرية إلى انتعاش الطلب المحلي ولكن ببطء. ومن المؤشرات الاقتصادية التي تشير إلى تباطؤ نمو الطلب المحلي، مؤشر الإقراض المصرفي للقطاع الخاص ومؤشر عرض النقود. فقد أظهر كلا المؤشرين انخفاضًا في القوة الدافعة خلال العام المنصرم، ولم تظهر تحولا إيجابيًا ثابتًا حتى الآن.

حجم التداول القطاعي

إن حجم التداول يعد مؤشرًا مهمًا على اهتمام المستثمرين وكذلك السيولة. حيث يشير حجم التداول المرتفع إلى زيادة اهتمام المستثمرين في القطاع، إضافة إلى أن حجم التداول المرتفع يشير أيضًا إلى زيادة السيولة، أي أن المستثمر يستطيع العثور بسهولة على باعة أو مشترين في سوق يتمتع بسيولة عالية.
يشير تحليلنا إلى أن قطاع الصناعات البتروكيماوية يتمتع بالمرتبة الأولى على الدوام خلال الفترات المختلفة ثلاثة أشهر، وستة أشهر، والعام الماضي بأكمله، من ناحية السيولة. كما احتل القطاع المركز الثاني من ناحية متوسط حجم التداول اليومي في الفترات الثلاثة المعتبرة في التحليل. ففي العام الماضي، بلغ متوسط حجم التداول اليومي للقطاع 32 مليون سهم. انخفض هذا المتوسط خلال فترة الستة أشهر المنقضية بشكل طفيف إلى 29 مليون سهم، وبقي كذلك في فترة الأشهر الثلاثة الأخيرة.
ويظهر قطاعان آخران ثباتًا على المدى الطويل، ولكن انخفضت سيولتهما خلال فترة الثلاثة الأشهر الأخيرة. فقد حقق قطاع الزراعة والصناعات الغذائية المرتبة الأولى من ناحية متوسط حجم التداول اليومي في فترتي الأشهر الستة والعام الماضي، إلا أنه تراجع إلى المرتبة التاسعة في فترة الأشهر الثلاثة الأخيرة. أما القطاع الآخر فهو قطاع النقل والذي أظهر انخفاضًا مماثلا، حيث احتل المرتبة الثالثة في أدائه السنوي للعام الماضي، وكذلك فترة الأشهر السنة الماضية، وعاود الانخفاض إلى المرتبة العاشرة في الفترة الأخيرة. وهذا يشير إلى انخفاض رغبة المستثمرين للاستثمار في هذين القطاعين في الأشهر القليلة الماضية.
من جهة أخرى، انتقل قطاع المصارف والخدمات المالية إلى المرتبة الأولى لفترة الأشهر الثلاثة الأخيرة. فقد كان القطاع يحتل المرتبة الثامنة في فترة الأشهر الستة الماضية، والمرتبة الحادية عشرة لفترة العام الماضي. من الواضح أن اهتمام المستثمرين بهذا القطاع قد ازداد في الفترات الأخيرة. يذكر أن قطاع المصارف والخدمات المالية هو أحد القطاعات المتميزة من حيث الأداء. إجمالا، يمكن رؤية التذبذب في ترتيب القطاعات من حيث الأداء خلال فترات زمنية مختلفة. ولا يمكن تحديد أفضلية قطاع على آخر، حيث تتناوب القطاعات في الترتيب بمرور الوقت. ولا يعد ذلك مفاجئًا، حيث تعتمد رغبة المستثمرين واهتماماتهم الاستثمارية على عدة عوامل ويمكنها أن تتغير مع الوقت، إضافة إلى ذلك، يتضح لنا عدم وجود علاقة واضحة المعالم بين السيولة والأداء. فعلى سبيل المثال، احتل قطاع المصارف والخدمات المالية المرتبة الأولى في فترة الأشهر الثلاثة الأخيرة من ناحية السيولة، بينما احتل المرتبة السابعة من ناحية الأداء. وفي السياق نفسه، كان قطاع الاستثمار الصناعي في المرتبة الأخيرة من ناحية السيولة خلال فترة العام المنقضي، ولكن أتى في المركز الثالث من ناحية الأداء. ويشكل قطاع البتروكيماويات حالة استثنائية، حيث سجل أعلى المراتب من كلتا الناحيتين السيولة والأداء، وهذا ينطبق على كل الفترات الزمنية المعتبرة في التحليل.
ومن الحالات الاستثنائية الأخرى، قطاع الزراع والصناعات الغذائية، والذي احتل المراكز الأولى من ناحية الأداء والسيولة في الفترات طويلة المدى. تلخيصًا لما سبق ذكره، فإن حجم التداول يعد مؤشرًا لاهتمام المستثمر، والسيولة. ووفقًا لهذا المؤشر، يمكن القول إن قطاع البتروكيماويات وقطاع الزراعة والصناعات الغذائية يعدان قطاعين ناجحين. من ناحية أخرى، شهدت بعض القطاعات تحركًا إيجابيًا في حجم التداول الخاص بها خلال الأشهر الأخيرة (مثل قطاع التأمين في فترة الأشهر الستة الماضية)، إلا أنها لم تحتل المراتب الأولى في المعايير الأخرى المعتمدة (وهي الأداء، التقييم، والإمكانيات الاقتصادية). والبعض الآخر مثل قطاع المصارف والخدمات المالية، وقطاع الصناعة قد انتقلت إلى المراتب الأولى من ناحية حجم التداول وبعض المعايير الأخرى مثل (الأداء، التقييم، والإمكانيات الاقتصادية) مما يبرر زيادة اهتمام المستثمرين في كلا القطاعين. من جهة أخرى، تراجعت بعض القطاعات من ناحية حجم التداول مثل قطاع النقل وقطاع الطاقة والمرافق الخدمية، كذلك توضح المعايير الأخرى أن تراجع اهتمام المستثمرين بهذين القطاعين كان مبررًا. وبشكل عام، لا يبدو أن أداء القطاعات محرك رئيسي لاهتمام المستثمرين.

الخلاصة

وحتى مع الانتعاش العالمي، ربما يطل وحش مالي جديد برأسه بحيث يعرقل ذاك. وهذا الوحش الجديد عبارة عن الديون السيادية الزائدة عن الحد والإنفاق بالعجز في الاتحاد الأوروبي. ولا يعرف حتى الآن بالتفصيل مقدار الديون السيادية أو من يحتفظ بها، تماما كما كان الحال في القطاع الخاص، في عالم فيه كل أنواع أدوات الديون التي تمرر المخاطر (التزامات ضمانات القروض، اتفاقيات تبادل الائتمان المتعثر، أو أوراق مالية مدعومة بالرهن.. إلخ). كما أن ارتفاع معدل التذبذب والانخفاض في سوق الأسهم العالمية في الأيام القليلة الماضية مؤشر على حالة عدم اليقين التي تواجه الاقتصاد العالمي في الأشهر المقبلة. ونرى أن هذه الأزمة، مثل ما قبل، ستزداد سوءا قبل أن تتحسن. وستستمر الأسواق العالمية في التراجع وسيواصل المستثمرون الفرار إلى الأصول الآمنة مثل الأوراق المالية عالية الجودة ذات الدخل الثابت والدولار والذهب والنفط والسلع الأخرى. ويبقى أن نرى فيما إذا كان الجزء السيادي من الأزمة المالية سيتحول إلى ركود مزدوج (ركود يتبعه انتعاش قصير فركود مرة أخرى). وهذا يتوقف على السياسات المالية والنقدية للحكومات في جميع أنحاء العالم. وإذا قلصت الحكومات الدعم المالي قبل الأوان، وقامت السلطات النقدية بسحب السيولة ورفع أسعار الفائدة - كما يطالب العديد من صقور التضخم في أنحاء العالم - فإننا سنرى غالبا ركودا مزدوجا قبل نهاية هذا العام. بالنسبة للاقتصاد السعودي، فينظر إلى عام 2010 على أنه عام تكيف من طفرة عالية إلى وضع طبيعي جديد. وقد ساعدت السياسة الحكومية القوية والنظام المالي المنظمة جيدا وانتعاش أسعار النفط والطلب منذ منتصف عام 2009، ساعد كل هذا الاقتصاد السعودي على التكيف مع متغيرات الأزمة المالية العالمية. ونتوقع أن تبقى السياسة النقدية والمالية داعمة، وأن تتحسن أكثر أساسيات سوق النفط، ما يتيح للاقتصاد المحلي الحفاظ على نمو أعلى في عام 2010. ويبدو أن الضعف في الائتمان المصرفي للقطاع الخاص قد بدأ في التحول في الزاوية مع ثلاثة أشهر متتالية من النمو. إن ثقة الأعمال وربحية الشركات تعود إلى مستويات صحية في عام 2010، والتي بدورها تحسن مساهمة القطاع الخاص في النمو الاقتصادي السعودي بشكل أكبر.

الأكثر قراءة