أوضاع المجتمع بين العمالتين المنزلية والوافدة

لن تتوقف المسيرة التصاعدية لفاتورة العمالة المنزلية إلى حد معين طالما أن مجتمعنا مازال مستمراً في عاداته وسلوكياته السلبية المعتمدة كلياً على هذه العمالة وستواصل هذه الفاتورة ارتفاعها وصعودها الفلكي يوماً بعد يوم، فقد تمكنت هذه العمالة بنجاح من أن تصبح جزءاً أساسياً من مجتمعنا فاحتلت البيوت وكسبت عطف الأبناء وتمكنت من معرفة كل صغيرة وكبيرة في المنزل مما جعل الاستغناء عنها يصبح صعباً إن لم يكن مستحيلاً، فلا تكاد تجد منزلاً مهما كانت ظروفه المالية إلاّ وفيه عاملة منزلية ومعظمهن من العمالة الإندونيسية.
أول أمس نشرت إحدى الصحف خبر صعود فاتورة الاستقدام من إندونيسيا إلى 10 آلاف ريال وذلك بزيادة قدرها 500 ريال، حيث كانت الفاتورة قبل فترة 9.500 ريال كما سجلت تكاليف الاستقدام زيادة بمقدار 1000 ريال في غضون شهرين، حيث أفاد أصحاب مكاتب الاستقدام أن الضغوط التي تمارسها مكاتب السمسرة الإندونيسية أجبرت المكاتب الوطنية على زيادة أجورها، مشيرين كذلك إلى أن السقف الزمني لوصول هذه العمالة زاد أيضاً من ثلاثة أشهر ليصبح خمسة أشهر وكالعادة ومع قرب شهر رمضان المبارك فإن هذه الفاتورة ترتفع، حيث تزيد الطلبات على هذه المكاتب مما يؤدي إلى رفع أسعارها وفي المقابل تنشط السوق السوداء وتبدأ المساومات داخل البيوت وخارجها على هذه العمالة.
وقد وصلت مستويات أعداد العمالة المنزلية في وطننا إلى حد مخيف فهي تقدر بالملايين من العاملات اللاتي يسكن في منازلنا منهن 800 ألف فقط في منطقة الرياض، ويلجأ بعض هذه العمالة إلى الهروب من كفلائهم فور وصولهم لجوءا إلى السوق السوداء التي تصل فيها أسعار هذه العمالة إلى ثلاثة أضعاف ما هو معتمد لهم من أجور عند التعاقد معهم، وذلك يأتي من خلال اتفاقات مسبقة قبل وصولهن إلى كفلائهن، ويندب كثير من الأهالي حظوظهم مع العاملات، إذ يقوم رب الأسرة بدفع آلاف الريالات لمكاتب الاستقدام وبعد وصولها إلى المنزل لا تكاد تبقى أسبوعاً إلاّ وتقوم بالهروب، وبذلك يخسر رب المنزل ما دفعه، إضافة إلى خسارته الوقت الذي انتظره لوصول هذه العاملة وكذلك الوقت الذي سيخسره لوصول البديلة، إضافة إلى أهمية بلاغه في الشرطة وغيره من إجراءات نظامية مختلفة لاستخراج تأشيرة بديلة عن التأشيرة التي خسرها بهروب العاملة.
لقد استطاعت هذه العمالة أن تنتج مجتمعاً متواكلاً ذا عادات سلبية وأطفالا مدللين ومتواكلين وجيلا أصبح يعتمد في كل صغيرة وكبيرة على هذه العمالة بل إن الزوجة أهملت دورها الأساسي في المنزل وتفرغت لأمور ثانوية في حين أصبحت العاملة هي المسؤولة عن الطبخ والتنظيف ورعاية وتربية الأبناء وغيرها من الأساسيات وعلى هذا الأساس تمكنت هذه العمالة من منازلنا وفرضت شروطها ورفعت أسعارها وجعلت الوصاية لها بل أصبحت تنتقل اليوم من منزل لآخر وفق رغبتها حرصاً على الحصول على أفضل العروض من راتب وطبيعة عمل أسهل وجهد أقل، وبهذا أصبح مجتمعنا اليوم بين مطرقة العمالة الوافدة في الشوارع وسندان العمالة المنزلية في البيوت ومازلنا نتابع هذا الأمر يوما بعد يوم وما ينتج عنه من جرائم سرقة أو انتقام أو ممارسة بعض السلوكيات غير السوية أو السحر أو الاعتداء على الأطفال أو القتل ومع ذلك فهناك ارتفاع متواصل في عملية استقدام هذه العمالة دون ضوابط واضحة وسيطرة عليها خصوصاً فيما يتبعها من سوق سوداء وسمسرة معلنة وبيوت معروفة تحتضن العاملات الهاربات أو اللاتي يحضرن بتأشيرة عمرة لتعيد تشغيلهن مقابل رسوم مالية.
لا تكاد تجد هذه الظاهرة في أي مجتمع آخر إلا في الدول الخليجية ولذلك يجب علينا أن نعمل أولاً على الحد من التوسع في ظاهرة استقدام العمالة المنزلية وإعادة النظر في شروطها، التي تركز فقط على القدرة المالية وعدد أفراد الأسرة، إضافة إلى الحرص على تربية أفراد المجتمع على الاعتماد على أنفسهم وكشف ما يحدث في السوق السوداء لهذه العمالة تحجيماً لدورها ووقفاً لما يحدث فيها من تجاوزات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي