أين المعلومات؟
عدد العاطلين والعاطلات عن العمل هل هو 350 ألفا أو 750 ألفا أو 1.5 مليون؟ ونسبة العاطلين والعاطلات هل هي 13 في المائة أو 18 في المائة، أو 24 في المائة؟ وعدد الفقراء هل هو مليون أو ثلاثة ملايين؟ وعدد العاملين غير السعوديين هل هو ثمانية ملايين أو تسعة ملايين؟ وعدد أصحاب الأعمال السعوديين هل هو مليون أو مليونان؟ وعدد محال التجزئة هل هو 500 ألف أو 800 ألف؟ وعدد أصحاب الأعمال (أو الملاك الحقيقيين لمحال التجزئة) غير السعوديين هل هو 200 ألف أو 500 ألف؟ وحجم التحويلات الخارجية من العمالة غير السعودية (عمالة تجزئة وغيرها) هل هو 60 مليار ريال سنوياً أو 100 مليار ريال سنوياً؟ ونسبة المواطنين المالكين لمساكن خاصة هل هي 40 في المائة أو 20 في المائة؟ ... إلخ، والنتيجة أننا ما زلنا نسمع عن أرقام ونسب مختلفة لمختلف المؤشرات الاقتصادية. ولعلنا هنا نتساءل، وهذا الأهم، عن مدى صحة القرارات التي بنيت وتبنى على هذا النوع من المعلومات غير الدقيقة وغير المتكاملة، مثل قرارات معالجة البطالة، وقرارات التوسع أو التخفيض في منح فيز العمالة غير السعودية، وقرارات دعم الفقراء، وقرارات دعم العاطلين عن العمل، وقرارات دعم الصناعة المحلية، وغيرها من القرارات الاستراتيجية؟
عدد أو نسبة العاطلين والعاطلات في المملكة غير واضحين، سواءً من حيث الرقم الحقيقي أو من حيث مصدر المعلومة، أو من حيث كيفية احتساب العدد أو النسبة. هناك عدد من الجهات ذات العلاقة بالتوظيف يمكن أن توفر معلومات عن عدد ونسبة العاطلين. فوزارة العمل تستقبل طلبات العمل من بعض الشباب السعودي وقليل من السعوديات، وبناء على العدد المتبقي دون وظيفة من طالبي الوظيفة، تقوم الوزارة باحتساب نسبة البطالة على أسس معينة تعتمد على استبعاد العاطلين عن العمل الذين لم يقبلوا بالعروض الوظيفية، مهما كانت رواتبها، والتي قدمت لهم عند احتساب نسبة البطالة. في المقابل، هناك وزارة الخدمة المدنية، التي تستقبل طلبات العمل من عدد كبير من الشباب السعودي وعدد أكبر من الشابات السعوديات، وخصوصاً خريجي وخريجات الجامعات. وهناك قوائم انتظار طويلة تصل لسنوات لطالبي العمل في وزارة الخدمة المدنية، قد تصل إلى أكثر من مليون طالب وطالبة عمل. ويمكن النظر في أحوال عدد كبير من الأسر من حولنا لنرى عدد الجامعيات العاطلات عن العمل ولسنوات طويلة، مما يؤثر ويتسبب في تنامي مشكلات اجتماعية واقتصادية وأمنية وأخلاقية وغيرها.
ولعلنا هنا نتساءل: هل تتضمن بيانات وزارة العمل عن عدد ونسبة البطالة في المملكة الأعداد الكبيرة الموجودة في قوائم الانتظار لدى وزارة الخدمة المدنية؟ بالتأكيد فإنه في حالة إدراج هذه الأعداد ضمن عدد العاطلين عن العمل لدى وزارة العمل، مع تعديل طريقة تحديد من هو العاطل عن العمل، فإن نسبة البطالة في المملكة ستكون أكبر بكثير مما هي عليه الآن. وهناك أيضاً عدد كبير من المتقدمين على وظائف عسكرية سواءً في وزارة الدفاع أو الداخلية أو الحرس الوطني، ما زالوا يبحثون عن فرصة وظيفية لدى هذه الجهات أو أنهم على قائمة الانتظار، ولا يدخلون في احتساب نسبة البطالة الحالية. أما عمل صندوق الموارد البشرية، فليس من الواضح تأثير عمل الصندوق، هل قلل من نسبة البطالة؟ وكيف يمكن قياس ذلك؟ قياساً بحجم المبالغ الكبيرة التي قدمت للشركات والمؤسسات لتوظيف السعوديين والسعوديات. وهذا ينطبق على بعض المبادرات من القطاع الخاص التي تهدف إلى توظيف السعوديين، وتحصل على معونات كبيرة من الدولة، فهل فعلاً قللت من نسبة البطالة؟ أم أنها لا تتعدى كونها مبادرات شكلية ودعائية؟
أما بالنسبة لأعداد الفقراء، فهي أيضاً غير واضحة. فوزارة الشؤون الاجتماعية تعنى بمساعدة الفقراء، وتعرفهم بأنهم إما الأرامل وإما المطلقات دون عمل، أما ذوو الدخل المحدود أو العاطلون عن العمل فلا يدخلون ضمن فئة المشمولين بالضمان الاجتماعي. وهنا قصرت وزارة الشؤون الاجتماعية تعريفها للفقير بفئة محدودة، ولم تضع أي تعريف بالحد الأدنى لدخل الفقير، فهل مبلغ 1.500 ريال شهرياً يمثل دخلاً كافياً لعائلة مكونة من خمسة أفراد، وهل يكفي هذا المبلغ إيجار السكن والملابس والأكل والنقل ومصاريف الكهرباء والمياه والهاتف، وحتى لو كان الدخل الشهري ثلاثة آلاف ريال شهرياً، فهل يعد كافياً لمقابلة هذه المصاريف؟ كما أن هناك أكثر من 400 جمعية خيرية في المملكة تقدم معونات مالية وعينية لبعض الأسر، وتجتهد في تعريف الأسر المستحقة، وكذلك في نوع وحجم المعونة المعطاة لكل أسرة. وليس من الواضح مدى تكامل وعدم تكرار معلومات الأسر بين وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات الخيرية.
أما عن أعداد محال التجزئة وحقيقة ملاكها، فهي أيضاً غير واضحة. فوزارة التجارة ووزارة الشؤون البلدية والقروية من خلال البلديات الفرعية تتعاون في تقديم التراخيص التجارية وهي تتكاثر بشكل غير طبيعي، إضافة إلى كثرة الحديث عن تملك غير السعوديين لأكثرها بطريقة غير مباشرة (التستر). كما أن هناك جهات أخرى تقوم أيضاً بتقديم تراخيص تجارية لغير السعوديين مثل الهيئة العامة للاستثمار، التي ينبغي التأكد من وجود تنسيق معلوماتي متكامل مع وزارة التجارة، إضافة إلى التأكد من وجود قيمة مضافة للمملكة من جراء منح هذه التراخيص. كثرة وانتشار محال التجزئة وإدارتها (وحتى تملك أغلبيتها) من قبل عمالة غير سعودية ظاهرة لا يمكن إهمالها أو تجاوزها، ليس فقط لأنها تؤثر في زيادة نسب البطالة، أو زيادة التحويلات المالية (وبعشرات المليارات) للخارج، ولكن أيضاً لتأثيراتها السلبية في الاقتصاد الوطني والأمني والاجتماعي. ما لم نقيم وضع محال التجزئة، وغيرها من الأعمال الأخرى مثل مكاتب العقار والمقاولات والصيدليات وغيرها من حيث تحديد الملاك الحقيقيين وخصوصاً غير السعوديين، وتحديد مدى تملك موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين أعمالا خاصة سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك من خلال زوجاتهم أو أمهاتهم، فستزداد مشكلة البطالة. ويكفي أن نعلم أنه لو تم الاعتماد على الشباب السعودي في العمل في محال التجزئة فقط، لما شاهدنا عاطلاً واحداً. ما نشاهده من أعداد خرافية من محال التجزئة والعقار والمقاولات وغيرها، وكثرة العمالة غير السعودية إلى درجة أن أصبحت العمالة السعودية أقلية، ظاهرة تتطلب الدراسة والتقييم, على أن تبدأ عملية الدراسة والتقييم بالحصول على معلومات دقيقة وكاملة عن أعداد وملاك والعلاقة مع الموظفين والإدارة الفعلية لهذه المحال.
في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة، هناك مؤشر رسمي لنسبة البطالة يتم عرضه على الرأي العام، بشكل أسبوعي أو شهري، مع توضيح كيفية احتسابه والتغيرات التي تحدث عليه من فترة لأخرى، وتتم متابعته من قبل جميع المستويات الإدارية العليا في الدولة، ومن ضمنها الرئيس الأمريكي الذي يتأثر عمله ومدى رضى ودعم الشعب له بقدرته على تخفيض نسبة البطالة. فنسبة أكثر من 5 في المائة تسبب قلقا كبيرا على جميع المستويات الإدارية في أمريكا، ومن ضمنها الرئيس، وتتطلب تدخلا مباشرا من الدولة لحلها وتخفيض العبء على المواطنين. كما أن محال التجزئة لا تنتشر في كل شارع كما هو الحال في شوارع مدن وقرى المملكة.
ويمكن تبني مثل هذه الإجراءات في المملكة عند التعاطي مع ظاهرة البطالة، من خلال بناء مؤشر بطالة دقيق ومتكامل ومتابعته من قبل جميع متخذي القرار. وليس بالغريب أن يتبنى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ هذا التوجه المبارك، ويخصص جزءاً من جدوله اليومي المزدحم بأعمال الدولة المختلفة لمتابعة ومناقشة التغير في نسب البطالة، واتخاذ جميع القرارات المناسبة لمساعدة أبناء وبنات الوطن مع محاسبة المقصرين بناءً على معلومات ومعطيات دقيقة وصحيحة.
ونرى أن بناء قرارات صحيحة لا يتم ما لم تكن معتمدة على مدخلات معلوماتية صحيحة ودقيقة وآنية. ولذا لا بد أولاً وثانياً وثالثاً من تصحيح الوضع المعلوماتي في المملكة، حيث يتم الاعتماد أولا على معلومات صحيحة، ودقيقة ومتكاملة وآنية. وقد تكون البيانات المتاحة في مركز المعلومات الوطني أساس ونقطة الانطلاق في تطوير نظام معلوماتي متكامل للدولة بجميع قطاعاتها. فهذا المركز هو الوحيد في المملكة الذي تتصف بياناته بالدقة والاكتمال ونوعاً ما بالفورية، فهي تغطي جميع البيانات الشخصية للمواطن والمقيم على حد سواء. ويمكن العمل على خطة وطنية استراتيجية لتطوير نظام معلوماتي وطني متكامل, على أن يعتمد وينطلق من قاعدة البيانات لدى مركز المعلومات الوطني.
وللحديث بقية...