يعيش من أجل غيره
في كل أسرة أو قبيلة أو دولة حكيم قريب من كل أحد، وبعيد عن كل أحد. فهو قريب يفهمك ويتفهمك ويسارع بنجدتك كأنما لا يعرف في الدنيا إلا أنت، كما أنه بعيد حتى يرى الأمور دون عاطفة، فمن يشارك في صناعة الاستراتيجيات عليه أن يكون عقلانيا بشدة، لأن تلك القرارات مصيرية، والمصيرية تحتاج إلى أمرين أحدهما: معرفة التاريخ، والثاني مهارتك في صناعة الهوية.
يمكن أن تعرف التاريخ بأن تقرأه، ثم تعيد قراءته على طلابك أو مستمعيك، وهذه وظيفة شريفة، لكنها لا تكفي إن كنت ذلك الحكيم .. فالتاريخ عنده ليس ماذا حدث؟ بل لماذا حدث؟ ومن تلك القوى التي صنعت اللاماذا؟ وهل تلك القوى مبدئية أم برجماتية؟ وما علاقة تلك القوى بالداخل والخارج أو بالغنيمة والهزيمة؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى عقل قارئ وممارس، ثم يحصل على إجابات يقنع بها أي أحد. أدرك أهمية التاريخ فخاف على التاريخ، فرعى دارة الملك عبد العزيز وأمينها عقل نظيف جداً وهو الدكتور فهد السماري، كي يحافظ على الذاكرة مع طرح الأسئلة وتحويل هوايته الحكيمة إلى عمل مؤسسي، إن الناس تحتاج إلى دليل ملموس، فالتصق هو بالتراب والدرعية، فكانت مشاريع طموحة تولتها شخصيات لصيقة به فكان الأمير النشط سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيساً للهيئة العليا للسياحة والآثار، والمهندس الرزين عبد اللطيف بن عبد الملك آل الشيخ للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض والمشرفة على مشروع الحفاظ على الدرعية معقل الفكرة والقوة والأعوان، وآخرها الرئيس الشرفي للجمعية السعودية للتاريخ حين يحاور أكاديمياً رموزها.
هل تعتقد أن هذا يغني عن أن تكون لك ذاكرة حديدية .. لا .. لا يغني سلّم عليه مرة واذكر اسمك بشرط أن يرتبط من قريب أو بعيد بالتاريخ ثم سيبادرك في المرة التالية باسمك.
سأختصر لك المسافة .. إذا أردته أن يفرح ويعطيك انتباها كاملا في أحلك الظروف .. قل له إنك وجدت مخطوطة .. أما عن الهوية فهي نتاج تلقائي وطبيعي لعنايتك وشغفك بالتاريخ، فكل إناء بما فيه ينضح .. فإذا كان في إنائك الإمام محمد بن سعود وعبد العزيز وسعود وعبد الله وترِكيِ وفيصل وعبد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز فماذا ستكون هويتك .. وإذا كان في إنائك الإمام محمد بن عبد الوهاب وعبد الرحمن بن حسن وعبد اللطيف بن عبد الرحمن وابن سمحان وابن عتيق ومحمد بن إبراهيم وابن باز وابن عثيمين فماذا ستكون هويتك .. هويته متوازنة .. هويته الله ثم الوطن .. إن هويته حاضرة في القرارات المصيرية حتى أنك تخاف إن خالفته الرأي.
إن التاريخ والهوية لصيقان أحدهما بالآخر لكن الناس مرة أخرى تطالب بالملموس .. الملموس هو أن تصنع عاصمة وأمينها أمير نبيل الأمير عبد العزيز آل عياف، تستوعب أعلى نمو سكاني في العالم 3.8 في المائة سنوياً وبها مرافق تعليمية واقتصادية وسياسية واسعة، ثم استكملت حراكها وانفتاحها الثقافي وأصبحت أكبر دار نشر للعالم العربي والإسلامي، تنزعج أحياناً من غبارها فتغادر في سفر ثم تشعر بالغربة فتعود سريعاً مبتسماً لأنك تعود للتاريخ والهوية، ولك أن تسأل غير السعوديين الذين عاشوا في الرياض.
الملموس يحتاج إلى التزام، لأنك دائماً تحت ضغط المصداقية، تبادر وتتفاعل ثم تختفي لأن الالتزام ثقيل .. إنه ليس ثقيلا على السلطان أن يداوم على الدوام أكثر من 50 عاما الساعة الثامنة صباحاً ولم أر مثله في القطاع الخاص فما بالك بالقطاع الحكومي .. إنه ثقيل أن تسلّم على عشرات الألوف عبر حياتك المهنية، وقد حسبت له في أحد المجالس أن سلّم على أكثر من 500 شخص في أقل من ساعة والبعض يسأل لماذا .. وهو يجيبك بأن السلام دليل على إتمام الصفقة والصفقة، هي حقوق وواجبات.
ثم يلتقي بالنخبة الساعة الثامنة مساءً في إطلاق مشروع تنموي وآخر خيري ويتفقد بنظره الحضور ثم يتفقد بنظره الحضور في حفل آخر ثم يسأل لماذا لم يحضر فلان؟ .. إذا حضر الحفل شعرت بالحفل، وإذا غاب عن الحفل، غاب الحفل، حتى أنك تشكك في إخلاصك وبذلَكَ .. أطمئن أنه حضور الكاريزما «الشخصية الملهمة» هكذا هي في كل عصر ومصر.
إنك تخاف إذا غابت، وتشعر بالأمن إذا حضرت .. هذا صنف نادر من البشر يرحم الله به الناس من همّه بالرسالة تجده معنياً بالأدب والسلوك، فعنده أبناء الوطن أبناؤه ويستشعر تلك الأبوة والمسؤولية .. إنه يخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا، فهو يعرف الدنيا والآخرة .. ولذا يردع ويؤدب من يتجاوز وإذا قيل لأحدهم بيني وبينك الأمير يسارع بالتسوية فوراً.
اختار لمدارس الرياض مربيا غيورا وفاضلا، الدكتور عبد الإله المشرّف، وأطلق مركزه للقيادات الشابة.
المعرفة في عقله التثاقف مع أفضل عقول العرب، وهم يفرحون بلقائه ومنهم نقولا زيادة، سمير عطا الله، حسن العلوي، ومحمد الهاشمي .. بعد ما يخرجون من مجلسه يقولون هذا هو أمير المثقفين ومثقف الأمراء.
هاجسه الأمن لأن الاقتصاد والأمن هما الدولة المدنية قال تعالى «لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» سورة قريش.
قليل جداً من الناس يعرف أنه خبير بالأدلة الجنائية، فإذا وقع حادث إرهابي في منطقة الرياض ترفع له ملابسات ووقائع الحدث الإرهابي بعد وقوعه فيخضعها للتحليل الشخصي ويخرج باستنتاجات تحول إلى خطة عمل لاحقة وقد أثبتت آراؤه نجاحاً ميدانياً.
بقي عليك أن تعرف كيف يدير قصته مع تلك المهام النوعية والحساسة. يا سيدي .. لا تتعب نفسك بقراءة كتب إدارة الذات والوقت لستيفن كوفي أوزيج زيجلر. اتبع طريقته إذا كنت أنا فهمتها وهي:
1) اعرف من أنت وماذا تريد.
2) ضع لك رسالة في الحياة محورها العقيدة والتاريخ والوطن.
3) عش لغيرك.
4) طوّر تقنياتك الخاصة بالخبرة والمقارنة والمثابرة والتركيز.
5) التزم.
إنها ببساطة متناهية الدقة، اعمل بعقلية البوصلة فتحسن الخروج قبل أن تحسن الدخول.
اقرأ هذه الشخصية النموذج، تصل إلى أنه متعدد القدرات والمواهب وهذا صحيح .. إنما تجمعها قدرتان وموهبتان .. معرفة التاريخ وصناعة الهوية.
أيها السعوديون .. إنه الرجل الذي عاش من أجل غيره.
أيها السعوديون .. إنه الأمير سلمان بن عبد العزيز «ابن سعود».