تحذيرات من تجاهل بنوك شرق أوسطية الإفصاح عن القروض «غير المتحصلة»

تحذيرات من تجاهل بنوك شرق أوسطية الإفصاح عن القروض «غير المتحصلة»

كان ''ليمان براذرز'' قد أشهر إفلاسه يوم 15 أيلول (سبتمبر) 2008 مشعلا أسوأ أزمة مالية تشهدها الولايات المتحدة والعالم منذ الحرب العالمية الثانية. لكن ما علاقة الحيل المحاسبية التي اشتهر بها البنك الأمريكي بالمصارف الإسلامية في الخليج؟

تجاهلت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وثلاث شركات محاسبة عالمية الإجابة عن أسئلة ''الاقتصادية'' في إذا ما كانت البنوك الإسلامية في الخليج، ولا سيما تلك التي تعاني انكماشا في تدفقاتها النقدية، قد مارست ''حيلا محاسبية مماثلة لتلك التي قام بها بنك ليمان براذرز الأمريكي.
تأتي تلك التساؤلات عقب نشر صحيفة ''ذا ناشونال'' تقريرا نسبته إلى مصدر محاسبي أكد من خلاله تبني بعض الشركات الخليجية ممارسات محاسبية شبيهة بالممارسات التي كان يستخدمها بنك ليمان براذرز للتغطية على طبيعة الموجودات الرديئة قبل انهياره''.
أحد المصادر المصرفية الذي تحدثت معه ''الاقتصادية'' والذي يترأس قسم هيكلة الأدوات الإسلامية في أحد البنوك الأوروبية لم ينف أو يؤكد تلك المعلومة. إلا أنه كشف عن قيام بعض البنوك الشرق أوسطية بممارسة بعض الحيل وذلك بتعمد عدم الكشف عن القروض غير ''المتحصلة'' من عملائها.
يذكر أن هناك دعوات تطالب الجهات المسؤولة في المنطقة بتشديد القبضة على الشركات التي تضلل المستثمرين عن طريق وضع الموجودات التي يمكن أن تكون مسؤولة عن الخسائر خارج ميزانياتها العمومية Off-Balance sheet. بمعنى أن هذه الخسائر لن تسجل ولن يعلم عنها المساهمون شيئا.
وبالعودة إلى المصدر المصرفي الذي يمتنع عن كشف هويته نظرا لحساسية الموضوع لدى الجهة التي يعمل لديها، فإن المصارف الإسلامية ليست في وضع أفضل أو أسوأ من التقليدية. حيث يقول: ''لقد سمحت الجهات التنظيمية للبنوك بإخفاء القروض غير المتحصلة، وذلك عبر تغيير بعض القواعد (المحاسبية) من أجل منح البنوك وقتا كافيا لوضع مخصصات مالية لتغطية هذه القروض غير المتحصلة''.
جاء ذلك التعليق كتأكيد لما نشرته ''الاقتصادية'' في الأسبوع الماضي حول قيام البنوك بتفضيل خيار الكشف ''التدريجي'' عن أحجام هذه القروض غير المتحصلة خلال إعلاناتها الربعية.

مواجهة التدقيق

في الوقت نفسه تواجه شركات التدقيق والمحاسبة عمليات تمحيص متزايدة بعد سلسلة من فضائح الشركات التي أضرت بثقة المستثمرين من البحرين إلى دبي.
ويتهم المدققون الماليون بعض الشركات الخليجية بتجاهل وازدراء القواعد المحاسبية في سبيل تجنب الإفصاح عن التعاملات التي تشتمل على الأسهم والصكوك إلى المساهمين.
وهم يقولون إنه يجب أن يكون هناك تشديد في فرض الأنظمة مع تنظيم التعاملات والتداولات، في سبيل الحؤول دون نشوء موقف شبيه بانهيار بنك ليمان براذرز، الذي ساعد على إشعال فتيل الأزمة المالية العالمية.
وقال يوسف حسن، مدير دائرة الممارسات المهنية في الخليج العربي، لدى شركة المحاسبة كي إم بي جي إنترناشونال KPMG International في الإمارات: ''لا أعتقد أن هناك ضوابط كافية في المنطقة على نحو يؤدي إلى منع نشوء الممارسات السيئة. نحن في حاجة إلى المزيد من تدريب المؤسسات على أثر المعايير المحاسبية. ستكون الضوابط جيدة لكن يتعين على مدققي الحسابات فرضها انطلاقاً من أسباب أخلاقية''.

التهرب من الإجابة

عادة ما تقوم شركات المحاسبة بالتدقيق على أنشطة البنوك الإسلامية والتقليدية في الخليج، وذلك بغرض التأكد من عدم تسجيل أي حيل محاسبية.
وأخيرا تم انتقاد شركة إرنست آند يونج للمحاسبة وذلك، بحسب صحيفة ''فاينانشيال تايمز''، لفشلها في التساؤل، أو الطعن في تعاملات خارج دفتر الميزانية اقترفها بنك ليمان المنكوب لتطرية مركزه المالي.
حيث خلص محقق عيّنته محكمة أمريكية إلى أن بنك ''ليمان براذرز'' لجأ إلى حيل محاسبية وكان في حالة إعسار قبل أسابيع من طلبه إشهار إفلاسه في أيلول (سبتمبر) 2008، فقد ذكر المحقق أنتون فالوكاس رئيس شركة جينر آند بلوك للاستشارات القانونية، أن هناك أيضا أدلة دامغة تدعم مزاعم بأن شركة ''أرنست آند يونج''، وهي مدقق حسابات ''ليمان'' كانت تتعامل بـ ''إهمال''، وأنه يمكن لـ ''ليمان'' أن يطالب بتعويضات من ''أرنست'' بسبب ''سوء الممارسة المهنية''.
يذكر أن ثلاث شركات محاسبة عالمية من بينها ''أرنست آند يونج'' و''ديلويت'' قد تهربت من الإجابة عن أسئلة ''الاقتصادية'' حول الحيل المحاسبية التي قد تقوم بها البنوك الإسلامية. في حين قالت نانسي ديسوزا، من شركة هيل آند كنولتون للعلاقات العامة، أن عميلها وهي شركة المحاسبة برايس ووترهاوس كوبيرز لا تفضل أن تعلق على هذه القضية الحساسة.

إخفاء مخاطر الصكوك

بعد الأزمة المالية، هناك مخاوف متزايدة حول المعايير المحاسبية المستخدمة في الشركات الخليجية.
وقال محاسب يعمل في الخليج العربي طلب عدم الكشف عن اسمه إبان تصريحه لصحيفة ''ذا ناشونال'': ''في هذا الجزء من العالم (يقصد الخليج)، هناك أنواع كثيرة من الترتيبات التي يمكن أن يبرز فيها دور هذه القواعد المحاسبية الخاصة بإزالة الموجودات من قيود محاسبية معينة''.
وأعطى هذا المحاسب أمثلة على الشركات التي تصدر الصكوك، والتي ربما لا تنقل جميع المخاطر السلبية المرتبطة بالموجودات التي ارتكز عليها الصك إلى حملة السندات الإسلامية. فضلا عن ذلك فهذه المخاطر لا تظهر على الميزانية العمومية للشركة صاحبة الإصدار, ما يعني أن هذه المخاطر، بحسب المحامي، تم إخفاؤها.

«ليمان» والانطباع المضلل

تبين من التحقيق في العوامل التي أدت إلى انهيار بنك ليمان براذرز أن البنك كان يستخدم أسلوباً محاسبياً يعرف باسم اتفاقية إعادة الشراء قصيرة الأجل، أو ريبو 105، لإعطاء انطباع مضلِّل أمام المساهمين بسلامة الوضع المالي للشركة.
حيث استفاد بنك ليمان من الثغرات الموجودة في القواعد المحاسبية (المعروفة بإزالة الموجودات من الميزانية العمومية) لنقل الموجودات السيئة إلى خارج الميزانية العمومية للبنك.
وهذا أتاح للبنك إمكانية الإبلاغ عن الوضع المالي النقدي للبنك على نحو يجعله يبدو أقل خطراً مما هو في واقع الحال. وخلص المحقق إلى أن الحيلة التي ترجع لعام 2001 واستخدمت دون علم المستثمرين أو الجهات التنظيمية أعطت الانطباع بأن ''ليمان'' يخفض مستويات ديونه الكلية في 2008 وهو ما كان يخالف الحقيقة. وأضاف التقرير أن ''ليمان'' استخدم هذه الحيلة المحاسبية لشطب 50 مليار دولار من الأصول مؤقتا من ميزانيته في 2008.

حيلة بيع الأسهم الخاسرة

من جانب آخر، تستطيع الشركات بيع الأسهم الخاسرة إلى شركة مرتبطة بها، وفي الوقت نفسه تحتفظ بالعقود التي تخولها إعادة شراء هذه الأسهم بتاريخ لاحق.
يقول هذا المحاسب: ''السؤال الأساسي الذي يجب أن يُسأل في الحالات التي من هذا القبيل هو ما إذا كان هناك بيع فعلي للموجودات موضوع البحث. تركز المحاسبة على الجوهر وليس على الشكل القانوني، وإذا كان جوهر التعامل ليس من البيع، فإن القواعد المحاسبية تقضي بألا تؤخذ هذه الأسهم من الميزانية العمومية''.
شانكار كريشنان، العضو المنتدب في دبي لشركة ألفاريز ومارشال، التي كانت الشركة التي قامت بتصفية بنك ليمان براذرز، أوضح أن الممارسة التي من خلالها لا يتم الإبلاغ عن التعاملات مع الشركات المرتبطة بالشركة الأصلية هي كذلك أكثر انتشاراً في الخليج العربي منها في الولايات المتحدة.
وقال: ''هذه التعاملات في حاجة إلى أن يتم فحصها بالفعل من قبل المحاسبين حتى يضمنوا أن الشركات ليست لها انكشافات غير طبيعية أمام المساهمين. إن مسؤولية مدققي الحسابات هي إبراز هذه النقطة وتأكيد سلامة التعامل''.
يقول المحاسبون إن من واجب الشركة أن تضمن أن القواعد المحاسبية يتم إتباعها، في حين أن الأجهزة التنظيمية في حاجة إلى أن تضمن أن التعاملات يتم رصدها والإبلاغ عنها في سبيل تمكين المساهمين من فهم المخاطر المالية. معظم الشركات الخليجية، على خلاف الشركات الأمريكية التي لديها قواعدها المحاسبية الخاصة بها، فإنها تتبع معايير الإبلاغ المالي الدولية.
وقال أشرف جمال، وهو شريك في الخدمات المالية في دبي لدى شركة التدقيق برايس ووترهاوس: ''معايير الإبلاغ المالي الدولية هي إطار محاسبي قائم على المبادئ، وهو نشط على درجة تكفي لضمان أن يتم التعرف على الموجودات والمطلوبات في الشركة التي لها مصلحة نافعة، وقياسها في البيانات المالية''.
رغم أنه لا توجد اختلافات بين معايير الإبلاغ المالي والأنظمة المحاسبية الأمريكية، إلا أن النظامين يحاولان ضبط موضوع نقل الموجودات خارج الميزانية العمومية.
وقال حسن: ''لا يبدو أن هناك الكثير من آليات الإنذار المبكر متوافرة في المنطقة. في الوقت الحالي الضمان الحقيقي الوحيد في هذه الأنواع من التعاملات هو نزاهة الإدارة والإبلاغ عن الممارسات المحاسبية المشبوهة من قبل مدققي الحسابات''.

الأكثر قراءة