نقصُ "فيتامين" الرجولة!

الصفاتُ مثلُ الأعضاء، تحوزُ صحة أو تعاني مرضاً، وربما تيسر علاجُ أسقام البدن لأن لها أمارات من ألم وأنين، تبدو واضحة على كل حال، لكن علل الصفات قد تستعصي على العلاج، لأن وجهها الكئيب لا يبدو إلا إذا صارت طبعاً ملتصقاً بشخصية صاحبه.
كما أن البشر عادة يتصفون بالتَّقزُّم العجيب والعجز المريب أمام عيوب النفس، فلا يبدو المرء نقَّاداً لنفسه إلا في حالات نادرة، وذلك حين تنهمر الكوارث على رأسه سيلاً جراء ما قدمت يداه.
والرجولة بما تحمله من معاني الشهامة والصدق والوفاء، تعاني حسب رؤيتي الشخصية هُزَالاً عاماً يصل إلى درجة "الأنيميا" في بعض مراحله، ذلك لأن "مكروبات" مثل الأنانية والسلبية والانهزامية، رتعت في كيان الرجولة، إثر تعبيد الظروف وتهيئة البيئة المساعدة على انتشارها.
ولا أكاد أستثني أحداً من المشاركة في تكسير عظام الرجولة وإن تباينت النسب، فالبيت يشارك، والمدرسة تشارك، وبيئة العمل تشارك ..إلخ، ليس بالقول ولكن بالطريقة التي تفرز أجساداً مفرغة من رائحة الرجولة!
1- في البيت:
- الطفل في البيت، محكوم عليه ألا يتكلم .. ألا يسأل .. ألا يلعب .. ألا يعبر عن نفسه، حتى يحصل على تصريح مسبق، في إصرار من الأسرة على كبت العفوية والتلقائية عند الطفل، الأمر الذي يطمس ميول الطفل، ومواهبه، وقدراته.
- الشيء الآخر، هو إخضاع الطفل لقانون الطاعة العمياء، فهو مُكرهٌ دائماً على الدوران في فلك أوامر الأسرة، فلا مكان لرأيه، أو امتعاضه، أو اعتراضه، أو رفضه، فذا يعرضه للعقاب، الأمر الذي ينشىء طفلاً في القالب الذي اختارته الأسرة، لا كما يريد هو، وهنا يجب التفريق بين التوجيه والإكراه.
- الشيء الثالث، هو المحاولات الظاهرة والمستترة من قبل الأسرة للانتقاص من شأن الطفولة في كل حدث أو حديث، وكأنها مجلبة للخزي والعار، الأمر الذي يعقد الطفل نفسياً ويقتل ثقته بنفسه.
2- في المدرسة:
- غالباً ما تتعامى المدرسة عن المرحلة التي قضاها الطفل في البيت، ولا تسأل، ولا تستفسر، ومن ثم يضيع طرف خيط يمكن أن تعرف به كيف تتعامل مع الطفل، وكيف تعرف قدراته ومواهبه، بل إن المدرسة تعتبر- في معظم الأحيان - مرحلة البيت ملغاة، وبذلك تفقد المدرسة حلقة مهمة في تربية الطفل.
- طريقة تصميم القوالب المتماثلة، هي أسلوب تربوي عقيم، تفسره طريقة المُعلم مع الأطفال، فكل ما يَهُم المُعلم .. اجلس، اسكت، اسمع، إلى كثير من أفعال الأمر، التي تحمل نبرة التهديد والوعيد، فهل تخلق تلكم الطريقة طفلاً قادراً على الإفصاح عن نفسه؟!
- التعلم من وضع الحركة، بهدف اكتشاف مواهب، أو إكساب مهارات، أو استثمار طاقة، أمر لا يقوم على أسس علمية، بل يخضع للصدفة المجردة، ثم كيف يتم ذلك في ظل حالة السجن داخل الفصل، وداخل المقعد معظم الوقت؟!
3- في محيط العمل:
- الاعتماد على تنفيذ التعليمات والأوامر الصادرة من المستوى الوظيفي الأعلى، أو ما يعرف إدارياً بالأسلوب الرأسي للعمل، ما يعني ضمور المبادأة وتنمية "الاتكالية" و"الروتين".
- وضع المُجيد والمُهمل والمُتكاسل في سلة واحدة بلا تفعيل للثواب والعقاب.
- العمل بروح الفريق مُغيب في ظل نظام المسؤوليات المُجزأة لا المحددة.
وبعد .. فهذه حلقات ثلاث لا يمكن أن تبني رجلاً لديه استعداد لتحمل المسؤولية في أي مكان أو مجال، والنتيجة إنتاج بشري بنظام الوحدات المتماثلة فكراً وسلوكاً، والأمر إذن يحتاج إلي علاج عاجل من خلال الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية والإرشادية، لوضع آليات قادرة على بناء "الرجل الأمل" الذي تتحقق على يديه أمانيُّ المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي