العام الأخير لبحيرة الصرف
الأمر الملكي الذي صدر يوم الإثنين الماضي لم يكن تقليدياً بل كان شاملاً سواءً في مضمونه أو أسلوبه أو توقيته فهو يتضمن معظم أطراف فاجعة سيول محافظة جدة وبأسلوب يؤكد من خلاله جدية وأهمية القرار إضافة إلى توقيته الذي يأتي بعد قرابة خمسة أشهر من إصدار قرار تشكيل لجنة التحقيق وتقصي الحقائق في هذه الفاجعة.
جاء الأمر الملكي استشعاراً للمسؤولية والأمانة وحرصاً على إيضاح الحقيقة كاملة ومن ثم إيقاع الجزاء الشرعي الرادع على كل من ثبت تورطه أو تقصيره إبراءً للذمة أمام الله وحرصاً على إعادة الأمور إلى نصابها وانتصاراً لحق الوطن والمواطن وكل مقيم وإرساءً لمعايير الحق والعدالة.
وكمواطن أسكن في مدينة جدة فرحت كثيراً لصدور مثل هذا القرار وأكثر ما أفرحني فيه هو ما ورد من أمر (تقوم وزارة المياه والكهرباء بمعالجة وضع بحيرة الصرف الصحي والعمل على التخلص منها نهائياً خلال عام من تاريخه)، وكم أتمنى أن يقوم سكان جدة وخصوصاً منهم سكان شرق الخط السريع بوضع ساعة إلكترونية مثل تلك التي توضع عند انتظار مناسبة معينة بحيث يسجل فيها يوم المناسبة وتبقى الساعة تحسب كل يوم ينقضي كالعد التنازلي حتى تصل إلى اليوم الأخير للمهلة، التي من المفترض أن يتم فيها الانتهاء من إنجاز المشروع.
وعلى الرغم من وجود كثير من التباشير الخاصة بالقرار فإنني أعتقد أن من أهم أجزاء ذلك القرار إزالة مصدر الخوف والرعب الذي كان ولايزال يهدد سكان جدة ألا وهو بحيرة الصرف الصحي فلا يزال منظر الهلع والخوف في عيون سكان جدة عموما وشرق الخط السريع خصوصاً في ذاكرتي عندما تم تحذيرهم من ارتفاع منسوب تلك البحيرة واحتمال انهيار السد الخاص بها وغرق بعض تلك الأحياء.
واليوم وبعد صدور مثل هذا القرار الذي تضمن عبارات واضحة تقتضي الإسراع في تنفيذه مثل – ويؤخذ في الاعتبار المسارعة في ذلك – فحري بكل من شمله تنفيذ هذا القرار أن يكون قد بدأ فور صدوره في تنفيذه فورا ويأتي هنا دور اللجنة العليا المشكلة بالأمر رقم 4298/2 وتاريخ 1/4/1431هـ لمتابعة هذا الأمر كما ذكر القرار في الفقرة الرابعة وتنفيذ توصياته.
هذا القرار هو منهج يجب أن يتم تطبيقه وتفعيله على جميع حوادث الفساد التي يتم اكتشافها في كل يوم وفي عديد من الجهات الحكومية والخاصة، فقد افتقدنا منذ زمن بعيد الإعلان عن مثل هذه الإجراءات وتطبيق العقوبات ومتابعة ليس فقط المتهمين والتحقيق معهم بل جميع من وردت أسماؤهم في التحقيق وليس لهم علاقة مباشرة، ومثل هذا الإجراء سيسهم بلا شك في الحد من قضايا الفساد في المستقبل فهو رسالة للمفسدين تؤكد لهم أن الأمر لن يمر دون حساب بل ستكون هناك متابعة وتحقيق ومراقبة وقضاء.
القرار لم يشمل جهة واحدة بل شمل عدة جهات وهي وزارة الداخلية ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة العدل ووزارة المالية ووزارة النقل ووزارة المياه والكهرباء وديوان المظالم وديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق وهيئة التحقيق والادعاء ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وهيئة المساحة الجيولوجية والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة وهيئة الخبراء في مجلس الوزراء، وهذا الكم من الجهات الحكومية عندما يتم تجميعه في قرار واحد يؤكد أن محاربة الفساد يجب أن تتم من خلال جهود جماعية ومن خلال مبادئ عامة وشاملة ومن خلال وقفة واحدة من أجل تحقيق هدف واحد وهو محاربة الفساد والقضاء عليه، وأي ثغرة في هذا الفريق قد تسهم في إعاقة عمل كامل الفريق أو تعطيله أو حتى إضاعة جهوده.