فائض في ميزانيات دول مجلس التعاون في 2010

يتوقع أن يتم تسجيل فائض مالي مريح في الميزانية الموحدة لدول مجلس التعاون في السنة المالية 2010, وذلك على خلفية ارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة. يعد القطاع النفطي استراتيجيا بدليل مساهمته بنحو ثلاثة أرباع من الخزانة العامة و80 في المائة من صادرات دول مجلس التعاون الخليجي الست. وعلى هذا الأساس، من شأن ارتفاع أو تدن في أسعار النفط بواقع دولار للبرميل التأثير في مستويات إيرادات الخزانة العامة, فضلا عن الصادرات.

تحول العجز لفائض

الجديد في الأمر هو صدور تقرير لمصرف الإمارات الصناعي, حيث توقع تحويل العجز لميزانيات دول مجلس التعاون للسنة المالية 2010 من ثلاثة مليارات دولار إلى فائض بقيمة 50 مليار دولار. ومرد هذا التحول الكبير هو تحسن أسعار النفط مقارنة بتلك التي تم إقرارها عند إعداد الميزانيات العامة من قبيل 40 دولارا للبرميل في البحرين و50 دولارا للبرميل في عمان و55 دولارا للبرميل في قطر.
يعد متوسط سعر النفط في الميزانية القطرية أكثر واقعيا مقارنة بالدول الأخرى. الجدير ذكره، تبدأ السنة المالية في كل من الكويت وقطر في نيسان (أبريل), ما يعني عدم انحسار الرقم المذكور في عام 2010. بدورها، تتبنى البحرين سياسية إقرار ميزانية لسنتين ماليتين في الوقت نفسه، حيث تم إعداد ميزانية كل من 2009 و2010 في نهاية 2008 عندما تهاوت أسعار النفط على خلفية تراجع الثقة بسبب الأزمة المالية العالمية. وكانت أسعار النفط قد ارتفعت إلى 147 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) من عام 2008 أي الأعلى تاريخيا قبل أن تتراجع إلى أقل من 40 دولارا في نهاية السنة نفسها بسبب الأزمة. وفي كل الأحوال، طرأ تحسن نوعي على أسعار النفط في عام 2009 نظرا لعودة حذرة للثقة بالاقتصاد العالمي على خلفية تعزيز المصروفات العامة في دول مجموعة العشرين, التي تضم كبرى الاقتصادات العالمية, بينها السعودية.
وأشار التقرير نفسه إلى أن دول مجلس التعاون سجلت فائضا بنحو 20 مليار دولار عام 2009, فضلا عن 189 مليار دولار في 2008. ويعود الفائض الكبير لعام 2008 إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل نوعي حتى قبل اندلاع الأزمة المالية. لكن علينا انتظار النتائج النهائية للسنة المالية 2010 قبل إجراء المقارنات وإصدار الأحكام.

تعزيز النفقات

تتميز الميزانية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي في السنة المالية 2010 بارتفاع نسبة المصروفات فيها بنحو 14.5 في المائة إلى 270 مليار دولار. بدورنا نرى صواب رفع مستوى المصروفات لأن من شأن ذلك تهيئة الظروف بشكل أفضل لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية. بل يقتضي الصواب أخذ الحكومات زمام المبادرة لتعزيز النفقات, وبالتالي تشجيع مستثمري القطاع الخاص على تبني خطوات مشابهة.
ولا بأس في هذا الصدد من أخذ بعض الأمثلة، حيث أقرت السعودية أكبر ميزانية لها للسنة المالية 2010 بنفقات قدرها 144 مليار دولار بزيادة 14 في المائة عن الإحصاءات المقدرة أصلا لعام 2009. من جملة الإيجابيات، تم تخصيص 49 في المائة و25 في المائة و11 في المائة من النفقات للبنية التحتية والتعليم والصحة على التوالي, وهي أمور تستحق الإشادة.
بدورها، أقرت قطر ميزانية السنة المالية 2010/2011 بمصروفات قدرها 32.4 مليار دولار, ما يعني تسجيل نسبة نمو بنحو 25 في المائة. من جملة الأمور الجديرة، تم تخصيص 37 في المائة و7.2 في المائة و6.8 في المائة لأغراض المشاريع التنموية والصحة والتعليم على التوالي.

خطر التضخم

لكن هناك جانبا سلبيا لا يمكن إنكاره بالنسبة لزيادة المصروفات العامة والخاصة, وتحديدا تهديد شبح عودة التضخم لاقتصادات دول الخليج. وكانت دول مجلس التعاون, خصوصا قطر, قد عانت الأمرين من ظاهرة التضخم في 2007 و2008 على خلفية ارتفاع المصروفات من جهة واستيراد الأسعار من جهة أخرى نظرا لتراجع قيمة الدولار. تتأثر اقتصادات دول الخليج بالأمور المرتبطة بالدولار بسبب ربط عملات دول مجلس التعاون بالعملة الأمريكية. وأسهم انخفاض قيمة الدولار في استيراد دول الخليج معضلة التضخم من الخارج, وعلى الخصوص من دول مجموعة اليورو. تعد الكويت الوحيدة بين دول مجلس التعاون التي تربط عملتها بسلة عملات، لكن يشكل الدولار نحو 60 في المائة من العملات المشمولة في السلة نظرا لارتباط صادرات الكويت مثل النفط بالعملة الأمريكية.
ختاما, تعد هذه الفترة حساسة, حيث تتطلب تعزيز النفقات لغرض تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية الاستراتيجية مثل تسجيل أعلى نسبة نمو للناتج المحلي الإجمالي, وبالتالي المساهمة في إيجاد فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطنين. يعتقد أن كل دولار يصرف في اقتصادات دول مجلس التعاون يؤدي في نهاية المطاف إلى ثلاثة دولارات بواسطة مفهوم مضاعف الدخل, حيث يتم تدوير المال في الاقتصاد المحلي. باختصار، لا يعد التضخم العدو الأول في هذه الفترة الدقيقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي