اختيار مواقع مفاعلات الطاقة الذرية .. وهل تكون رؤيتنا المستقبلية «دولة الطاقة»؟

صدور الأمر الملكي الأسبوع الماضي بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة ولدعم حق الأجيال في النفط, قرار استراتيجي مهم, وهو أمنية الجميع. وكنت قد كتبت منذ أعوام عدة مقالات عن ''المملكة دولة الطاقة .. حلم أم رؤية مستقبلية'', كان اقتراحي بسيطا ''أو سهلا ممتنعا مع غيره من الاقتراحات لرؤية وطنية متميزة بأمل أن يرى طريقه إلى النور ويصبح الحلم حقيقة''. وحلمي أصبح اليوم حقيقة! وكان ضمن ما اقترحته أن تكون لدينا رؤية مستقبلية واضحة ومتميزة عن بقية دول العالم. وأن تكون رؤيتنا هي أن نكون دولة الطاقة بأنواعها المختلفة وألا نكون حصرا على النفط. وهي استراتيجية ستمكننا من تلبية الطلب المتزايد على مشاريع البنية التحتية مثل الكهرباء والتحلية من خلال توفير وقود مستدام ومأمون، وهو ما يعني ضمان حق الأجيال في هذا المورد. وبالطبع موضوع المفاعلات وتخصيب اليورانيوم يخضع لاشتراطات وتنظيمات الوكالة الدولية للطاقة النووية التي ستملي علينا اشتراطاتها والموافقة لها لزيارة أو معاينة تلك المواقع دوريا للتأكد من احتياطات السلامة ومتطلباتها من البدء في عرض ملف التصميم عليها قبل البدء, خطوات شاقة لكن ما الذي يمنعنا أن نحلم أن نكون دولة أو مملكة الطاقة Energy Kingdom؟
لكن أملي أن يكون اختيار موقع أو مواقع تلك المفاعلات اختيارا استراتيجيا , فاختيار المواقع لتلك المدن والمفاعلات يجب أن يكون على أساس الموقع ثم الموقع ثم الموقع. فاختيار المواقع ربما يكون أهم خطوة. وقد تكون منطقة الربع الخالي من أكثر المواقع مناسبة خاصة قرب محطة الكهرباء الموجودة هناك, لكن - كما أشرت - فإنه لا بد من إعداد الدراسة التخطيطية الشاملة. وليس ذلك فقط بل إن هناك معايير واحتياطات كثيرة يجب أن تدخل في معادلة اختيار المواقع, أهمها:
الأول هو أن تكون هناك دراسة كاملة لجميع مناطق المملكة لمعرفة حجم الاحتياجات الفعلية لكل منطقة أو نشاط صناعي كمحطات تحلية المياه أو غيرها، ومدى قدرة التوصيل لها. فالمفاعلات الذرية خطرة ويجب أن تكون في مناطق بعيدة عن المدن والقرى المأهولة بالسكان, لكن في الوقت نفسه يجب أن تكون أقرب ما يمكن لتوفر في تكلفة تمديد الشبكات أو خطوط التغذية.
الثاني ألا يتم التفكير أو التركيز على موقع واحد مركزي بل يجب أن يتم التفكير من الآن في التخطيط للمواقع الحالية والمطلوبة مستقبلا, فلا يتم تنفيذ محطة واحدة ثم نجد أننا نحتاج إلى أخرى قريبة منها لأن الموقع الأول لم يتم أخذ أو احتساب التوسع المستقبلي, بل يجب أن تكون هناك خريطة واضحة ومجدولة للمواقع المستقبلية وللامتداد المستقبلي لتوسعة موقع المفاعل ومنطقة الحماية المحيطة به, وهي تعتمد على قوة ومدى انتشار الأشعة.
الثالث أن تكون تلك المواقع استراتيجية تتناسب أو تتكامل مع عملية الربط الخليجي أو استثمار الطاقة للدول المجاورة مع التي قد توفرها تلك المفاعلات.
وما أسرني كثيرا هو الشق الثاني من الأمر الملكي هو موضوع الطاقة المتجددة. وعندما نتحدث عن الطاقة المتجددة في بلدنا فإننا نتحدث عن دولة حباها الله ثروات من الطاقة بدءا من النفط ومشتقاته إلى البدائل النظيفة للطاقة. ثروات من وفرة الأشعة الشمسية والشمس اللاهبة وثروة هائلة من الرمال التي يصنع منها السيليكون للشرائح الضوئية, وإلى صحراء ووديان مناسبة لمجار أو أنفاق هوائية لتحريك مراوح الطاقة الهوائية وإلى محاصيل التمور التي يستفاد منها في الطاقة الكيماوية من حرق السكر وتحويله إلى أنواع الوقود الكحولية. مجموعة كبيرة من المخرجات والثروات التي لا بد من تبني فكرة تطويرها حسب الأولوية والأهمية من خلال خطة طويلة المدى وعلى مراحل من عشرات إلى مئات السنين.
حري بنا أن يكون لنا بعض الوعي بالطاقة, فمع أننا دولة نفط إلا أننا ليس لدينا دراية به سواء كمواطنين أو مؤسسات, وأننا من المفروض أن نكون مستشارين للعالم في شؤون النفط والطاقة. أعود وأؤكد أننا كمجتمع ودولة أفراد ومؤسسات يجب أن تكون لدينا رؤية مستقبلية واضحة ومبنية على قدراتنا ومقدراتنا. معظم دول العالم تسعى إلى أن يكون لها اسم يعكس حضارتها وما تسعى الوصول إليه. وسبق أن أشرت في مقالات سابقة إلى الصراع بين بعض الدول الآسيوية مثل ماليزيا وتايلاند وسنغافورة وأسماء مثل آسيا الجديدة وآسيا السياحية والاقتصادية والتجارية. بينما تبقى أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم تفتقد رؤية مستقبلية واضحة لما تهدف إليه. أليس من الأولى أن نبدأ من الآن في وضع رؤية وخطة مستقبلية للاستفادة من مدخراتنا النفطية لتطوير تقنية تقليل التلوث من الوقود وفي الوقت نفسه تطوير البدائل الأخرى للطاقة التي حبانا الله بها مثل الطاقة الشمسية والكيماوية وغيرها, وأن نسخر إمكاناتنا للبحث العلمي والتطوير لتلك البدائل وندرب أبناءنا من خلال برامج مشتركة مع الدول التي سبقتنا في هذا المجال؟
وأكثر ما يشدني إلى هذا الموضوع هو ما أراه حاليا من تسابق عالمي تتزعمه ألمانيا وتنافس فيه سويسرا وأمريكا وهو التوجه إلى أهم بديلين حاليين للطاقة النفطية وهما الطاقة الشمسية والطاقة الهوائية, وتسعى حاليا الصين والهند وكندا إلى الدخول بقوة في هذا المجال.
والطاقة الشمسية لها على الأقل اتجاهان لتوفير الطاقة, الأول: الاستفادة من حرارة الشمس, وهي أسلوب تقليدي معروف, لكن ما يتم حاليا هو تطوير التقنية لتركيز حرارة الشمس في بؤر عاكسة لتسليط حرارة شديدة تساعد على التبخير للمياه ومن ثم تقطيرها. وبذلك فإنه سيكون هناك قريبا إمكانية تطوير محطات تحلية مياه صغيرة جدا ويمكن استعمالها لكل منزل. وتكون مناسبة للمزارع والمصانع البعيدة عن المدن. والاتجاه الآخر هو الأكثر تعقيدا وتكلفة وهو استعمال الخلايا الضوئية (فوتوفولتك) لتوليد الطاقة الكهربائية وتخزينها. وكان العائق أمام هذا البديل هو عدم جدواه اقتصاديا بسبب التكلفة العالية لصناعة الخلايا الضوئية الفولتية, لكن التطور الأخير الذي جعل تلك التكلفة تقل 50 في المائة عما سبق هو الذي أعاد الاهتمام بها. وتقوم ألمانيا بزيادة التركيز على تطوير الطاقة الشمسية, حيث إن اعتمادها الحالي على الطاقة الشمسية يصل إلى 5 في المائة من احتياجاتها, وتسعى إلى رفعها إلى 20 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة.
ويحتل المركز الثاني مصدر المراوح الهوائية لتوليد الطاقة, وهو لاستعمال تقنية المراوح الهوائية لتوليد الطاقة الكهربائية من خلال مزارع من المراوح الكبيرة التي تبلغ ريشها عشرات الأمتار. وتدير تلك المراوح توربينات ضخمة وكافية لتوليد طاقة كهربائية لإنارة مدينة كبيرة.
ويحتل المركز الثالث بدائل الوقود البيولوجية أو الكيماوية مثل الوقود بالكحول والهيدروجين والغازات الأخرى, ويستخرج الكحول من محاصيل زراعية معروفة كمصدر للسكر أو الجلكوز. وقد يكون ما لدينا من ثروات التمور في المملكة تمكنا من تصدير هذه الطاقة إلى العالم.
موضوع بدائل الطاقة موضوع مصيري لمعظم دول العالم ومنافسة شديدة على من يقود الزمام أم يبقى خلفه, لذلك فإننا يجب أن نسارع إلى وضع خطة ورؤية مستقبلية متميزة وتميزنا عن غيرنا. وكلي أمل في هذا التوجه الكريم ونسخر له البحث والقدرات المالية والبشرية والعلمية للتطوير وأن نزرع في أبنائنا هذه القدرات وأن نوجههم التوجيه الصحيح من خلال جامعات ومعاهد تدريب, وأن نسعى إلى أن نكون دولة الطاقة بكل ما يحمله الاسم من أبعاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي