تعزيز الشراكة الخليجية مع منظمة «الكوميسا»
توقيع دول مجلس التعاون الخليجي مذكرة تفاهم مع منظمة السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا المعروفة اختصارا باسم ''الكوميسا'', لأنه يعزز مستويات الشراكة بين الجانبين.
وللتأكيد على جدية المسألة تم التوقيع على مذكرة التفاهم للتعاون الاقتصادي والتجاري الأسبوع الماضي في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في الرياض بواسطة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية ونظيره من منظمة الكوميسا سنديسو نجويني.
أعضاء الكوميسا
خلافا لمجلس التعاون الخليجي الذي يقتصر عدد أعضائها على ست دول, وهي: السعودية, الإمارات, الكويت, قطر, عمان, والبحرين، تضم منظمة الكوميسا 19 دولة تقع في شرق وجنوب إفريقيا, وهي: مصر، السودان، ليبيا، جيبوتي، وإثيوبيا، كينيا، وأوغندا، الكونغو الديمقراطية، زامبيا، زيمبابوي، رواندا، ومدغشقر، مالاوي، بورندي، إريتريا، تنزانيا، جزر السيشل، جزر القمر، وسوازيلاند. تتخذ المنظمة من العاصمة الزامبية لوساكا مقرا لها. تتميز هذه المنظمة بعدد سكانها البالغ 430 مليونا من أصل مليار نسمة يعيشون في القارة السمراء. كما تبلغ مساحة الدول الأعضاء في الكوميسا نحو 12 مليون كيلو متر مربع, أي 40 في المائة من مساحة قارة إفريقيا بما في ذلك جزرها. حسب إحصاءات عام 2008، يوجد نوع من التوازن في الميزان التجاري لأعضاء منظمة الكوميسا, حيث تبلغ قيمة صادراتها 157 مليار دولار مقابل واردات قدرها 152 مليار دولار. لكن لا يوجد تعاون تجاري فعلي بين الدول الأعضاء, حيث تشكل التجارية البينية نحو 5 في المائة من مجموع التجارة, الأمر الذي يكشف رغبة المنظمة في تعزيز العلاقات التجارية الدولية لأعضائها.
استقطاب استثمارات خليجية
في المحصلة، من المرجح أن تنصب الاتفاقية في مصلحة أعضاء منظمة الكوميسا, حيث تأمل الدول الإفريقية في الاستفادة من جانب من قيمة الصناديق الاستثمارية السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي التي تبلغ 1500 مليار دولار. وبشكل أكثر تحديدا، ترغب الدول الإفريقية في توظيف بعض الاستثمارات الخليجية في تطوير البنية التحتية, خصوصا قطاعي الاتصالات والزراعة, وهذا ما يتحقق فعلا على أرض الواقع. وبشكل أكثر تحديدا، تعمل الدول الإفريقية على استقطاب الاستثمارات الخليجية لتطوير القطاع الزراعي مستفيدة من رغبة دول مجلس التعاون في تأمين وتوسيع مصادر تمويل المنتجات الزراعية. لدى الإمارات مشروع لتطوير 70 ألف فدان في السودان لغرض تنفيذ مشاريع زراعية بواسطة التقنية الحديثة. تزيد قيمة فاتورة استيراد المواد الغذائية لدول مجلس التعاون الخليجي على 13 مليار دولار سنويا, الأمر الذي يستدعي تعزيز وتنويع المصادر. باستثناء عمان والسعودية، ليس لدى الدول الأخرى في المنظومة الخليجية برامج لتطوير القطاع الزراعي محليا لأسباب مفهومة تشمل محدودية المياه وندرة الأراضي الزراعية. وفيما يخص قطاع الاتصالات، تلعب شركات الاتصالات الخليجية مثل ''اتصالات الإماراتية'' دورا متناميا بل محوريا في قطاع الاتصالات في بعض دول ''الكوميسا''، حيث توجد في مصر والسودان وتنزانيا. وحديثا فقط استحوذت شركة بهارتي الهندية على أصول شركة زين الكويتية في 15 بلدا إفريقيا بينها أعضاء في الكوميسا.
اتفاقية متأخرة
نعتقد أن الاتفاقية جاءت متأخرة نسبيا بالنظر إلى العلاقات التجارية بين الطرفين، أو كما يقال متأخرا لكن ليس متأخرا جدا. والأهم من كل ذلك، من شأن الاتفاقية تعزيز الوجود الخليجي في هذه السوق الواعدة ووضع إطار عام للعلاقات التجارية بين التكتلين الخليجي والإفريقي.
وفي كل الأحوال، تضيف مذكرة التفاهم مع منظمة الكوميسا لسلسلة الاتفاقيات التجارية التي أبرمتها الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي في الآونة الأخيرة ما يعكس تنامي التقدير للاتفاقيات الدولية. فقد وقعت دول مجلس التعاون الخليجي في منتصف 2009 اتفاقية للتجارة بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة التجارة الحرة الأوروبية والمعروفة اختصارا باسم ''إيفتا''. تضم رابطة ''إيفتا'' كلا من سويسرا, النرويج, آيسلندا, وإمارة ليختتشتاتين.
وكانت دول المجلس قد أبرمت وبشكل جماعي اتفاقية للتجارة مع سنغافورة في نهاية عام 2008, وهي الأولى من نوعها للدول الست بشكل جماعي. كما بدأت دول التعاون مفاوضات تجارية مع عديد من الدول الأخرى من بينها أستراليا ونيوزيلندا واليابان والصين وتركيا وباكستان. بيد أنه هناك معضلة التوصل لاتفاقية للتجارة الاتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. وكانت المحادثات بين الطرفين بشأن إنشاء المنطقة الحرة في عام 1988 لكنها فشلت في إحراز تقدم يذكر بسبب إصرار الجانب الأوروبي على الإتيان بأمور جديدة بين الحين والآخر قبل الموافقة على التوقيع على إنشاء منطقة للتجارة الحرة. فقد أدخل الأوروبيون في بعض الفترات متغيرات جديدة مثل عدم إساءة استخدام البيئة وضرورة منح الأقليات الموجودة في دول الخليج حقوقهم, وبالتأكيد كانت هناك المسائل الاعتيادية مثل حقوق الإنسان والإصلاح السياسي.
عودة إلى موضوع المقال، هناك كثير من الفرص الاستثمارية المتوافرة في الدول الأعضاء في منظمة الكوميسا بالنسبة للمستثمرين الخليجيين من القطاعين العام والخاص. تحتضن منطقة الكوميسا ثروات معدنية في حاجة إلى استثمارات أجنبية لتطويرها, وبالتالي المساهمة في معاجلة التحديات الاقتصادية.