أزمة الحجوزات للصيف وفرص للسياحة الداخلية

بعد ثلاثة أشهر من الآن ستبدأ فترة هجرة الطيور المغادرة لرحلة الصيف, وهي فرصتي لتنبيه الجميع للتخطيط من الآن قبل أن يفاجأوا بعدم وجود حجوزات! وطبعا مع التغير الأخير في مواعيد الإجازات وتزامنها مع شهر رمضان المبارك فإن الجميع ستكون برامجهم أو جداول سفرهم تقريبا متطابقة, خاصة للأغلبية الذين يفضلون الصيام في الوطن, فالإجازة بالنسبة لهم ستبدأ من الأربعاء 18 رجب الموافق 30 حزيران (يونيو) وتنتهي قبل يوم الأربعاء غرة رمضان (11 أغسطس). ولن يستفيد هؤلاء من بقية الإجازة للسفر بل ستسخر للصيام والعبادة لتكون فائدتهم - إن شاء الله - الأجر والثواب من الله. أي أن الإجازة هذا العام ستكون مضغوطة للجميع في حدود 40 يوما. وطبعا العام المقبل ستكون أقل بـ 11 يوما لتصبح شهرا واحدا. بمعنى أن هناك أعدادا كبيرة من المسافرين الذين كانوا يوزعون حجوزاتهم على فترة تصل إلى شهرين ستكون مضغوطة لشهر واحد هذه المرة ما سيضاعف حجم الحجوزات إلى الضعف. ولك أن تتخيل حجم الحجوزات الذي سيتركز على ذلك العدد في أول أسبوع. فلو كان العدد في الماضي نصف مليون مسافر تقريبا في أول أسبوع فهو حتما سيكون مليونا في أول أسبوع هذه المرة. فهل ستخطط شركات الطيران, خاصة الوطنية, لتشغيل رحلات إضافية للذهاب والعودة, وفي الوقت نفسه تقلل منها في شهر رمضان, وبذلك يكون هناك نوع من التوازن والراحة للمسافرين؟ وأن تحاول الاستثمار في نقل المسافرين بدلا من أن تستقطبهم شركات الطيران الأخرى. وهل أيضا ستقوم الشركات الأخرى بإعادة ترتيب رحلاتها وزيادتها؟
وربما تكون كل ضارة نافعة, ففشل شركات الطيران في التأقلم وتبني الفرص لخدمة المسافرين حسب ظروف الإجازات والمواسم قد يكون له إيجابيات ومنافع أخرى, فالأزمة أو عدم تمكن بعضهم من السفر قد تكون علته ومبررا لنا للاعتذار بها لعائلاتنا وأننا نتمنى أخذهم في إجازة لكن لم نجد حجزا. وتخيلوا كم ستوفر من المبالغ التي كانت ستصرف في الخارج, لكنها ستكون بمثابة فرصة يجب أن نستغلها للترويج للسياحة الداخلية, وأن تدور تلك الأموال في وطننا.. ولماذا لا نشجع على السياحة الداخلية؟
كثير منا يلجأ أو يفضل السفر إلى خارج المملكة لكنه يفاجأ بأن تلك الدول سواء عربية أو أجنبية لا تختلف فيما لديها من مناطق ومراكز سياحية أو ترفيهية سواءَ من مبان أو أسواق أو فنادق عما تزخر به مدننا في المملكة. ومن معرفتي بمجموعة كبيرة من الدبلوماسيين سواء سفراء أو رؤساء بعثات وعائلاتهم فإنني لاحظت أن كثيرين منهم يرتاحون في بلدنا أكثر من غيرها من الدول, بل كثيرون يعترفون بأنهم قبل المجيء إلى المملكة كان لهم تصور خاطئ ومختلف عما اكتشفوه بعد وصولهم وتعايشهم معنا. بل إن كثيرين منهم كانوا وما زالوا يقيمون في المملكة منذ أكثر من 30 إلى 40 عاما ولا يتذمرون أبدا بل إنني ألاحظ بعض مواطنينا يتذمرون أكثر منهم.
لا ألومهم أو أستغرب ذلك, فنحن حبينا بوطن ومدن حديثة تكلفت الدولة في بناء البنية التحتية المتكاملة سواء للطرق أو المباني أو للخدمات أو المعلومات والمعرفة. وقد تكون هناك بعض النواقص في البنية والتي ستكتمل قريبا. كما أن القطاع الخاص له دوره في بناء بعض المشاريع والأبراج والأسواق التجارية والفنادق الفخمة التي هي في الحقيقة ميزة وخاصية نتميز بها عما حولنا من الدول. لكن الشيء الوحيد الذي نفتقده هو تعاملنا و احترامنا وحبنا كمواطنين لبعضنا بعضا ولإخواننا من الدول الصديقة وافتقادنا احترامنا الأنظمة والقوانين, وحبنا التدخل في حريات وخصوصيات الآخرين وكأننا أوصياء عليهم. هل مات لدينا كرم الضيافة العربية؟ ولماذا نهرب ونختبئ أو ننعزل عن بعضنا ونكره أن يرانا أو يقترب منا إخواننا حتى في صحراء الله الواسعة تجدنا لا نتحمل أن يحل أحد حولنا, بينما نجد هؤلاء المواطنين أنفسهم خارج المملكة يتمسكون بالنظام ويحترمونه ويتزاحمون لمخالطة غيرهم فسبحان الله!
وإننا يجب أن نتواضع قليلا ولا نعتقد أننا أفضل من غيرنا, فكثير منا يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم وأنهم يتفوقون على غيرهم وبغرور.. فمتى نتغير ونصلح هذا الخلل الذي يكلفنا كثيرا من المليارات من المدخرات التي تهاجر إلى الخارج ليستفيد منها جيراننا والأجانب؟ ومتى نقدر أهمية احتواء هذه الأموال لتدور داخل الوطن ولننتفع بها في القضاء على البطالة والفقر؟ فالله لا يصلح قوما حتى يصلحوا ما بأنفسهم.
التوعية لاحترام الآخرين حتى بعضنا بعضا, وعدم التدخل في حرياتهم الشرعية, واحترام الأنظمة مظهر حضاري ينبع من ديننا الحنيف وتعاليم الشريعة, وهو دافع كبير للتحول إلى السياحة الداخلية التي تعد شريانا اقتصاديا مهما, فالإنسان المواطن هو محور السياحة وهو الذي صنع المدن كامتداد لرغباته الاجتماعية والاقتصادية وحلم كثيراً بالتمتع بمباهجها لقضاء أوقات استجمام هنيئة ولاكتشاف حضارات وتجارب الآخرين. والسياحة لن تعيش من دون دور الإنسان الواعي لخلق الأجواء السياحية. وهنا يكمن دور الوعي السياحي لدى المواطن ومدى تقبله فكرة السياحة وما الإغراءات أو التحديات التي تدفعه إلى تبنى فكرة السياحة.
والوعي مهم جدا, وهو من أهم المحاور التي يجب أن تسير يدا بيد مع الخطة الوطنية لهيكلة السياحة. فهل نحن كمواطنين جاهزون للسياحة؟ وهل نعي ماذا تدره لنا السياحة من النواحي المادية والمعنوية؟ (تدوير الأموال وتوطينها) ( قيمة حضارية بين الدول الأخرى) مما يعطي التشجيع والتعريف بمواردنا وصادراتنا وديننا.
وهل لدينا، كشعب مستهلك للسياحة خارج الوطن وبنسبة كبيرة، فهم لمعنى السياحة؟ إن مفهومنا للسياحة هو السفر إلى أكبر مدن العالم والسكن في أفخم الفنادق والبذخ في المصروفات والتسوق والسهر. فما أن يبدأ موسم الإجازات حتى نرى أفواج الطيور المهاجرة أو الهجرة العكسية والفلول التي تسبب الازدحامات على السفر حيث تكتظ المطارات بالمغادرين وكأنهم ينزحون.
دور المواطن مهم في المساهمة في تسديد النقص في مفهومنا للسياحة بقدر المستطاع ومحاولة الاستفادة من الساحات العامة للتقارب والتلاحم الاجتماعي ومحاولة التعايش مع بعضنا بعضا ''وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا''.
عندما نجول في المناطق الترفيهية في مدننا نجد أن الأجانب هم المستفيد الأكبر منها بينما نحن كسعوديين مفقودون ونخاف أن يرانا إخواننا الآخرون .. فلماذا؟ ولماذا تهتم الدولة بالتراث الوطني وتتكلف تنفيذ مشاريع رائدة كمراكز حضرية وساحات عامة في الوقت الذي لا نجد أي اهتمام اجتماعي من المواطنين بارتياد بهذه المشاريع للتلاحم والتآلف الاجتماعي ولنتعايش بعضنا مع بعض.
إنها فرصتنا للأعوام المقبلة لاستغلال مشكلات الحجوزات مع تغير مواعيد الإجازات للتخطيط لجذب هذه الطيور المهاجرة أو السرب المسافر للعودة للسياحة في الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي