استثمارات واعدة في الخليج
شاركت بورقة عمل في منتدى الأعمال الخليجي ـ الصيني الأول, الذي عقد في البحرين الأسبوع الماضي, حيث ركزت على مسألة مستويات الإنفاق في دول مجلس التعاون الخليجي الست. تؤكد الإحصاءات المتوافرة أن كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي ستستثمر مليارات الدولارات على مدى خمس سنوات بدءا من عام 2010. بدورنا نرى صواب هذا التوجه لأنه يصب في مصلحة التكيف مع تداعيات الأزمة المالية العالمية التي تتطلب تعزيز المصروفات العامة.
فحسب دراسة لشركة تراوزر آند هميرز، من المنتظر أن تصرف الإمارات نحو ألف مليار دولار في غضون خمس سنوات على 2674 مشروعا, بيد أن هناك تخوفا من عدم قدرة الإمارات على تنفيذ جميع المشاريع المقترحة بالنظر لتداعيات أزمة مديونية دبي بالنسبة إلى مسألتي التمويل والثقة.
التنمية في السعودية
وحسب الدراسة نفسها، يتوقع أن تستثمر السعودية 442 مليار دولار في غضون خمس سنوات على مشاريع متنوعة في قطاعات مختلفة, خصوصا الطاقة وفي مقدمتها الكهرباء. وخير دليل على أن السعودية جادة في توجهها الاستثماري الضخم هو إقرار ميزانية السنة المالية 2010 بنفقات قدرها 144 مليار دولار, أي الأعلى في تاريخ المملكة. والأهم من ذلك، قررت الجهات الرسمية تخصيص 70 مليار دولار للمصروفات التنموية بزيادة عشرة مليارات دولار مقارنة بالميزانية السابقة, ما يشكل نحو 49 في المائة من حجم المصروفات, وهي نسبة مميزة بكل المقاييس.
إضافة إلى ذلك، من المنتظر أن تستثمر الدول الأخرى في مجلس التعاون أموالا ضخمة في الفترة نفسها وهي: 166 مليار دولار في الكويت, 51 مليار دولار في قطر, و49 مليار دولار في البحرين, فضلا عن 45 مليار دولار في عمان. وتبين حديثا أن هناك خططا تنموية بقيمة 16 مليار دولار في عمان للصرف على تطوير البنية التحتية والقطاعين السياحي والصناعي.
الميزانيات الخليجية
فضلا عن الأرقام المشار إليها أعلاه، قدرت مجلة ''ميد'' المتخصصة في اقتصادات الشرق الأوسط, قيمة المشاريع قيد التنفيذ في دول مجلس التعاون تحديدا بـ 2200 مليار دولار. وتشمل هذه الأرقام 900 مليار دولار للقطاع العقاري و690 مليار دولار للنفط والغاز والبتروكيماويات, فضلا عن 300 مليار دولار للكهرباء و57 مليارا للماء.
وأشارت دراسة حديثة إلى أن الميزانية الموحدة لدول مجلس التعاون لعام 2010 تحديدا 269 مليار دولار بزيادة قدرها 15 في المائة على 2009, وهي نسبة جديرة في ظل استمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية. يشكل هذا الرقم نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس, الأمر الذي يؤكد الأهمية النسبية الكبيرة لمصروفات القطاع العام في اقتصادات المنظومة الخليجية.
بل ليس من المستبعد أن ترتفع القيمة الفعلية للنفقات العامة استنادا إلى ارتفاع متوسط أسعار النفط في الأسواق العالمي، حيث إن الرقم المشار إليه يفترض متوسطا سعر قدره 50 دولارا للبرميل, أي بنحو الربع مقارنة بالأسعار السائدة في الأسواق العالمية في الوقت الحاضر. يسهم القطاع النفطي بنحو ثلاثة أرباع دخل الخزانة في دول مجلس التعاون ما يعني وجود علاقة بين إيرادات القطاع النفطي والنفقات العامة. وكمثال لمدى تغير الأرقام، فقد قدرت الحكومة السعودية ميزانية السنة المالية 2009 بنحو 126 مليار دولار لكنها صرفت 147 مليار دولار في نهاية المطاف مستفيدة من فرصة تعزيز الإيرادات.
توافر الإمكانات
ما يبعث على الاطمئنان هو وجود مبالغ ضخمة بكل المقاييس في الصناديق السيادية الخليجية, حيث من الممكن صرف جانب منها في الاقتصادات المحلية لغرض تنشيط الدورة الاقتصادية. فحسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، بلغت القيمة المالية للصناديق السيادية للدول الست قبل اندلاع الأزمة المالية نحو 1500 مليار دولار. يبلغ حجم أصول الصندوق السيادي للإمارات نحو 875 مليار دولار, لكن تشير بعض الإحصاءات الحديثة إلى تسجيل تراجع في قيمة الصندوق السيادي التابع للإمارات وذلك بالنظر إلى سلبيات الأزمة المالية العالمية التي انطلقت في صيف عام 2008 في الولايات المتحدة. كما تأتي السعودية في المرتبة الثانية خليجيا والرابعة عالميا حيث تمتلك 300 مليار دولار, إضافة إلى ذلك تمتلك الكويت نحو 250 مليار دولار وتليها قطر بنحو 40 مليار دولار. يبقى أن الأرقام هنا تختص بالصناديق السيادية ولا تشمل أصول الأفراد والمؤسسات.
تشمل الأمور الإيجابية لتعزيز نفقات العام تشجيع القطاع الخاص على تنبني خيارات مشابهة. تقليديا, يرى مستثمرو القطاع الخاص في نفقات القطاع العام دليلا ماديا على وجود ظروف تجارية ملائمة. لما يميز نفقات العام في هذه الفترة بالذات هو التركيز على الأمور الحيوية خصوصا البنية التحتية مثل تطوير شبكة الطرق والكهرباء والماء, وهي أمور تصب في مصلحة العمل التجاري في نهاية المطاف لأنها تعزز الإمكانات المتوافرة.
وختمنا كلمتنا في المنتدى بالإشارة إلى أن كل الطرق تؤدي إلى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بالنظر إلى تعزيز مستويات النفقات. من الخطأ سواء بالنسبة إلى الشركات المحلية أو الدولية بما فيها الصينية تفويت فرص الأعمال الموجودة في الخليج.
د. جاسم حسين
عضو مجلس النواب في البحرين
[email protected]