أين شركات التأمين من الدور التوعوي في ثقافة «التكافل»؟

أين شركات التأمين من الدور التوعوي في ثقافة «التكافل»؟

اتفق عدد من المراقبين على أن قطاع التأمين في السعودية لم يصل بعد إلى الغاية والأهداف المرسومة له رغم فتحه على القطاع الخاص وولوج عديد من شركات التأمين الخاصة السوق السعودية، وكذا الإصلاحات التنظيمية التي جاءت بها مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما''، حيث يرجعها الخبراء إلى غياب ثقافة تأمينية وغياب الوعي فيما يخص الدور الذي يلعبه هذا القطاع في التعويض عن الأخطار والكوارث الطبيعية التي قد يتعرض له الإنسان.
ويرى هؤلاء المراقبون أن نفور المواطن من الخدمات التي يوفرها التأمين يعود بالدرجة الأولى إلى غياب الوعي لدى غالبية الناس فيما يخص الدور والأهمية التي يلعبها مفهوم التأمين على جميع المستويات - الذي تعتبره العديد من المجتمعات والدول كمنفعة عامة يستفيد منها الجميع - في حين يلوم آخرون شركات التامين نفسها والتي لم تلعب - بحسبهم - الدور المنوط بها من خلال القيام بحملات توعوية لفائدة المواطنين للترويج والإشهار وتوعيتهم بمجمل الفوائد والمنافع التي تقدمها هذه الخدمات، حيث يجهل عديد منهم مختلف أنواع التأمين إلا ما ندر منها كالتأمين الإلزامي على بعض الممتلكات التي تقتصر على التأمين ضد حوادث السير (المركبات) والتأمين الصحي.
وبحسب المراقبين أنفسهم فإن السواد الأعظم من الناس لا يعرفون معنى أو فائدة المنتجات التأمينية الأخرى كالتأمين على المنازل أو المعارض التجارية التي تدخل ضمن تأمين الممتلكات مع أن معظمهم يتعرض لحوادث حريق أو سرقة أو أضرار من جراء السيول والأمطار، لكنهم يجهلون مثل هذه المنتجات وغيره الكثير، إذ إن جهل المجتمع بالتأمين مؤشر على غياب الثقافة التأمينية لديه، ولولا قوة القانون التي تجبره على التأمين ضد بعض الأخطار لما وجد أحد يؤمن ضدها.
وإلى وقت قريب لم يكن اهتمام الكثير من أفراد المجتمع السعودي إلا بجانب واحد من جوانب المعرفة التأمينية وهو الجانب الديني، ولم يكن هناك اهتمام مطلقاً بالجوانب الأخرى على الرغم من أهميتها، مثل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وحتى الإنسانية للتأمين، وهو ما انعكس بدوره على مسألة الجهل الكبير فيما يتعلق بالحقوق التي تخولها وثيقة التأمين للمستفيدين منها.
وأوضح لـ ''الاقتصادية'' بندر الطعيمي مدير إدارة التسويق في شركة ملاذ للتأمين وإعادة التأمين التعاوني، أن نقص الوعي التأميني يرجع إلى عدة أمور منها أن صناعة التأمين بحد ذاتها هي صناعة جديدة على أفراد المجتمع، إضافة إلى الافتقار إلى المعلومات ذات الصلة بالتأمين، وجزئياً هو فقدان الثقة بشركات التأمين نتيجة تجارب مع شركات خرجت من السوق وأضرت الكثير من أفراد المجتمع.
وأوضح الطعيمي من المنطق ألا نحمِّل أصحاب الممتلكات وحدهم المسؤولية في نقص اهتمامهم بتأمين ممتلكاتهم ضد الأخطار والكوارث الطبيعية وليس من المنطق أيضاً أن نحمل شركات التأمين جانب التقصير فيما يتعلق بالجانب التوعوي، فكثير من الشركات هي في خطواتها الأولى في السوق وتركيزها منصب على تقديم الخدمات للمنتجات الإلزامية وإعطاء هذه المنتجات حقها في الخدمة.
الجانب التوعوي فيما يخص المنتجات التأمينية الأخرى غير التأمين الصحي والمركبات سيأتي دوره لكن من المهم أن يكون للدولة جانب مهم في هذه النقطة لما للإلزامية من دور فاعل في خلق التوعية ورفع ثقافة أفراد المجتمع.
وأضاف الطعيمي: بالتأكيد هناك الكثير من العملاء يجد نفسه في كثير من الأحيان في مواجهة الذهنية التي لم تتجذر فيها ثقافة التأمين ولم تع بعد الامتيازات التي يقدمها قطاع التأمين بشكل عام.
وأشار الطعيمي إلى أن الأمر قد يختلف في شركة ملاذ للتأمين، كونها لم تغفل الجانب التوعوي منذ بداية تأسيسها، حيث عملت الشركة على إطلاق حملة توعوية موجهه لقطاع الشركات والمؤسسات التي يديرها أفراد من المجتمع، إضافة إلى مشاركتها في رعاية مناسبات محلية لها علاقة بصناعة التأمين.
وأضاف قائلا: ''إن ملاذ للتأمين نظمت أخيرا ندوة متخصصة حول التأمين الهندسي في ثلاث مدن رئيسة تحت عنوان: ''الحماية التأمينية المتكاملة في مجال التأمين الهندسي''، وذلك بهدف توعية المقاولين أو من لهم علاقة بالقطاع الهندسي بماهية التأمين الهندسي، الأمر الذي يسهم في تخفيف الأضرار والأعباء على القائمين بالمشاريع العقارية''.
وفيما بين الطعيمي أن قطاع التأمين لا يزال يحتاج إلى عمل كبير في السعودية كي يحقق النمو المطلوب مقارنة بباقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، إلا أنه لم يخف أن سوق التأمين السعودية بصفة عامة في تطور مستمر منذ الظهور التنظيمي لها، خاصة فيما يتعلق بالتأمين الإلزامي الطبي والسيارات، وقال: ''لاحظنا أن نسب النمو جيدة في هذين النوعين من التأمين تحديدا وهي في ارتفاع مستمر، إلا أنه لا بد من تطوير الخدمات التأمينية الأخرى والرفع من مستوى الكوادر والموارد البشرية التي تفتقد التأهيل''.
من جهته، يقول الدكتور نايف عبد الله العنزي إخصائي جراحة عامة ـ وصاحب تجربة في مجال تقديم استشارات التأمين الطبي ـ إنه على الرغم من أهمية قطاع التأمين الذي يلعب دورا مهما في تنشيط الحركة الاقتصادية إلا أنه يشهد ركودا كبيرا من ناحية التوعية بأهميته، مرجعا سبب هذا الركود إلى أسباب دينية تتمثل في عدم قبول عديد من المواطنين الدخول في ميدان التأمين، كما أن شركات التأمين تتحمل جزءا من المسؤولية من خلال عدم قيامها بالدور المنوط بها من ناحية التوعية.
ويؤكد الدكتور نايف أن ''الثقافة التأمينية'' لا وجود لها في مجتمعنا، وذلك لأن شركات تأمين على كثرتها لم تقدم نفسها للمجتمع ولم تسع إلى بناء ثقافة تأمينية في أوساطه المختلفة بل اكتفت بالتعامل مع أنواع التأمين التي تفرضها المؤسسات الحكومية وبعض القطاعات الاقتصادية واستغلت إلزامية التأمين إلى أن ظل نشاطها محصوراً ضمن هذه الدائرة دون غيرها، ولم تفكر قطعا في بناء ثقافة تأمينية للمجتمع من خلال القيام بحملات توعوية في وسائل الإعلام وتنظيم ندوات مفتوحة للتعريف بأنواع التأمين وفوائده المختلفة.
وركز الدكتور نايف في حديثه على ضرورة إقامة شركات التأمين علاقات حسنة مع العميل من أجل كسب ثقته، إضافة إلى العمل على تسهيل إجراءات تسوية المتضررين وتطبيق اتفاقية التعويض المباشر من أجل كسب الثقة والوفاء للعميل.
وأشار إلى أن ظاهرة الجهل بفوائد التامين لدى شريحة واسعة من المجتمع، تجعل الحاجة إلى التعريف بالتأمين وبوظائفه الأساسية أكثر من ضرورة، غير أن العبء الأكبر في هذا المجال يقع على المتخصصين وعلى شركات التأمين بوجه العام، مطالبا شركات التأمين بضرورة الإسهام في برامج التوعية بالتأمين، وكذلك الأمر بالنسبة للجهة الرقابية، والمتمثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما'' باعتبارها الجهة الوصية التي يجب أن تتبنى برامج توعية بسيطة وسهلة وموجهة إلى المستفيدين من التأمين.
ونبه الدكتور نايف إلى ضرورة إدراج التوعية التأمينية في المقررات الدراسية كونها تعد من الجوانب المهمة في حياة الفرد والمجتمع حتى يتعرف النشء على طبيعة الأخطار المحيطة به وكيفية الوقاية منها.

الأكثر قراءة