عودة الروح لقطاع النفط في الكويت
يبدو أن هناك توجها جديدا في الكويت يهدف إلى تطوير القطاع النفطي, أي النفط والغاز, عبر استثمار مبلغ ضخم قدره 27 مليار دولار. تتركز الخطة الطموحة على الاستفادة من وسائل التقنية لزيادة الإنتاج النفطي, فضلا عن الاستفادة من مخزون الغاز الطبيعي. كما أسلفنا يعد الرقم 27 مليار دولار غير عادي قياسا بـ 63.5 مليار دولار قيمة مصروفات الميزانية العامة للسنة المالية 2008 و2009. تبدأ السنة المالية في الكويت في نيسان (أبريل).
من جملة الإيجابيات، من شأن زيادة الإنتاج النفطي توفير فرص للكويت لتعزيز الإيرادات في حال حدوث ارتفاع غير عادي لأسعار النفط. على سبيل المثال، ارتفع سعر النفط لحد 147 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) 2008 أي الأعلى تاريخيا مقارنة بنحو 80 دولارا للبرميل في الوقت الحاضر.
محدودية الإنتاج
يعد تعزيز الإنتاج النفطي مسألة حيوية بالنظر إلى محدودية القدرة الإنتاجية مقارنة بحجم الاحتياطي النفطي للكويت. حسب إحصاءات منشورة في نشرة متخصصة لشركة بريتيش بتروليوم، بلغ متوسط إنتاج الكويت في عام 2008 مليونين و800 ألف مليون برميل يوميا، مشكلا نحو 3.5 في المائة من الإنتاج العالمي. تسيطر الكويت على 8.1 في المائة من النفط العالمي المكتشف.
خلافا للكويت، هناك توافق أكثر بين مستويات الإنتاج والاحتياطي في دول أخرى في المنطقة, خصوصا السعودية والإمارات, تعد السعودية أكبر منتج للنفط في العالم, حيث تزيد الطاقة الإنتاجية فيها على عشرة ملايين برميل يوميا. تسيطر السعودية على نحو 13 في المائة من الإنتاج النفطي على مستوى العالم. كما تبلغ الطاقة الإنتاجية للإمارات نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا, أي 3.6 في المائة من الإنتاج الدولي رغم استحواذها على 7.8 في المائة من حجم الاحتياطي المكتشف.
مشروع الكويت
مؤكد أن يتطلب تطوير القطاع النفطي فتح المجال أمام الشركات الأجنبية نظرا إلى الحاجة التقليدية إلى الخبرات الدولية في هذا المجال الحيوي. لكن يشكل فتح القطاع النفطي أمام الشركات الأجنبية مشكلة تقليدية مع السلطة التشريعية، كما هو الحال بالنسبة إلى مشروع الكويت. يهدف المشروع إلى مضاعفة إنتاج هذه الحقول إلى 900 ألف برميل في اليوم بتكلفة تزيد على سبعة مليارات دولار على مدى 20 سنة في أربعة حقول واقعة شمال البلاد.
مرجعية المعارضين هي مادة دستورية لا تسمح بامتلاك شركات أجنبية حصة في القطاع النفطي. كما يستند المعارضون إلى أمور أخرى من قبيل عدم وجود الحاجة إلى زيادة الإنتاج, وذلك في ضوء عدم وجود عجز في الموازنة العامة, الذي بلغ في آخر تسع سنوات حتى نهاية آذار (مارس) 2009 تحديدا 113 مليار دولار. ويشمل هذا الرقم 9.5 مليار دولار قيمة الفائض المالي في السنة المالية 2008 و2009.
كما يرى بعض أعضاء السلطة التشريعية أن الخبرات المحلية كفيلة بتنفيذ مشروع كهذا, نظرا للخبرة المكتسبة في مختلف مجالات القطاع النفطي. على سبيل المثال، تمتلك الكويت استثمارات نفطية خارج أراضيها بما فيها محطات لبيع البترول في أوروبا. لكن لا يمكن إنكار تميز الشركات الدولية, حيث تمتلك الخبرة والتقنية تماما كما تبين من تجربة قطر.
تجربة قطر
نجحت قطر في استقطاب شركات النفط الدولية لتطوير صناعة الغاز, حيث تعد اليوم أكبر مصدر في العالم للغاز الطبيعي. يبلغ حجم الإنتاج نحو 54 مليون طن متري في السنة في الوقت الحاضر موجها للخارج. كما تعمل قطر على زيادة إنتاجها إلى 77 مليون طن سنويا مع حلول عام 2012. لدى قطر زبائن للشراء تشمل مؤسسات في اليابان وكوريا الجنوبية وإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
حقيقة القول، تمتلك قطر ثالث أكبر مخزون للغاز الطبيعي على مستوى العالم بعد روسيا وإيران. استنادا إلى تقرير لشركة بريتيش بتروليوم تبلغ حصة كل من روسيا وإيران وقطر من الغاز الطبيعي المكتشف تحديدا 23.4 و16 في المائة و14 في المائة على التوالي, لكن يسجل لقطر نجاحها في استقطاب شركات غربية, خصوصا من الولايات المتحدة لتطوير صناعة الغاز بواسطة عن طريق توظيف أساليب التقنية الحديثة. وحسب المصدر نفسه، تستحوذ الكويت على1 في المائة من الغاز المكتشف، لكن لا يمكن الاستهانة بالأمر بالنظر إلى حجم الاحتياطي وقدره نحو تريليوني متر مكعب.
وبنظرة شمولية، هناك جانب سلبي لتعزيز أهمية القطاع النفطي وتحديدا تزايد وليس تراجع الأهمية النسبية لهذا القطاع في الاقتصاد الوطني الكويتي. يسهم القطاع النفطي بنحو 90 من مجموع الإيرادات ما يجعل الاقتصاد الكويتي تحت رحمة التطورات في أسواق النفط.
لكن أملنا كبير في أن يمثل التوجه الجديد للحكومة في تطوير القطاع النفطي دافعا لتوظيف العوائد لتطوير قطاعات اقتصادية مختلفة لغرض معالجة التحديات التي تواجه الكويت مثل إيجاد فرص عمل للمواطنين. ختاما نرى صواب توجه السلطات نحو تطوير القطاع النفطي, لأن من شأن صرف أموال ضخمة تنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد, فضلا عن وقف حد للنقاش المطول حيال تطوير هذا القطاع الحيوي.