لماذا ارتفع سعر الحديد؟

ارتفعت أسعار حديد التسليح في الأسواق أخيرا من 2100 ريال إلى 2600 ريال للطن الواحد، وتبع ذلك شح في المعروض منه في الأسواق. وقامت احتكاكات بين بعض التجار والمشترين الذين اشتروا ودفعوا بالسعر القديم لكنهم لم يتسلموا كمياتهم. لقد أخطأ التصرف هؤلاء التجار، لكن بعض المتعاملين لم يفهموا سبب هذا الارتفاع، وأخذوا يطلقون تكهنات واتهامات لا أساس لها من الصحة. بل إن بعض البسطاء من الذين يعتمدون على ظاهر الأمور أشاروا بإصبع الاتهام لشركة سابك، فيما هي بريئة تماما وضحية لهذا الانطباع العام. فقد عملت جاهدة على زيادة إنتاجها بنسبة 10 في المائة على العام السابق. كما أعلنت زيادة مبيعاتها بنسبة 16 في المائة على الخطة المعتمدة، وأبدت اهتماما بشحن جميع الكميات المنتجة لموزعيها في مواعيدها، وكانت ''سابك'' قد أوقفت عمليات التصدير كلياً منذ أواخر الربع الأول من عام 2008م. وهي – بحسب ما أعلم - عازمة على المضي قدماً في مشروع التوسعة الذي يستهدف رفع الطاقة السنوية من المنتجات الطويلة لتبلغ أربعة ملايين طن في منتصف عام 2012م ـ بإذن الله ـ مقابل 3.2 مليون طن حالياً. وقد جاهدت ''سابك'' – بناء على تعليمات حكومية - لإبقاء سعر منتجاتها منخفضة عن السعر العالمي. لكن وجود سعرين لطن الحديد في السوق هو الذي أدى إلى هذا الاضطراب في السوق. كيف؟
ما جرى هو أن أسعار خامات الحديد ارتفعت عالمياً بنسبة 60 في المائة مع بداية آذار (مارس) الحالي، ثم ارتفعت – تبعا لذلك – أسعار كتل الحديد الصلب المستوردة بنحو 40 في المائة منذ بداية العام الجاري، الأمر الذي انعكس على أسعار المنتج النهائي : حديد التسليح. والمعروف أن استهلاكنا السنوي من الحديد هو في حدود ستة ملايين طن. تغطي ''سابك'' نصفه، وتغطي بقية مصانعنا المحلية نحو 45 في المائة من الطلب، والباقي يغطيه الحديد المستورد. وعندما ارتفعت تكاليف خامات الحديد في الأسواق الدولية، ارتفع معها سعر الحديد المستورد، وكذلك ارتفع سعر المنتج من بقية المصانع المحلية بأعلى من سعر ''سابك''.
فلما أبقت ''سابك'' على سعرها القديم، تحول كل الطلب بطبيعة الحال على منتجات سابك فمنتجاتها هي الأرخص والأجود ! بيد أن كل إنتاج ''سابك'' لا يغطي سوى نصف طلب السوق. فغدا هناك سعران، سعر ''سابك'' الذي يراوح بين 2200 - 2250 ريالاً للطن، وسعر غيرها الذي وصل إلى 2600 ريال للطن. ثم اضطرت ''سابك'' أن ترفع سعر الطن أخيرا بمقدار 100 ريال في محاولة للتقريب بين السعرين من أجل السيطرة على اتجاهات السوق. بيد أن هذا لم يكن كافيا لأن سعر ''سابك'' ما زال أقل من سعر السوق. فأخذ البعض يشترى حديد ''سابك'' ويخزنه لبيعه بسعر السوق. وعلى الرغم من أن هذا سلوك مذموم من الناحية الأخلاقية، إلا أنه سلوك متوقع لوجود سعرين في السوق. وهذه حقيقة يعرفها تماما الناس والتجار والمختصون من الاقتصاديين. فمنطق السوق هو الذي يسود في النهاية. والسوق المفتوحة لن تسمح بوجود سعرين لأي سلعة لفترة طويلة، والنتيجة هي اضطراب السوق وظهور شح في العرض، وسوق سوداء، وسيستمر هذا الشح حتى يعترف الجميع بضرورة سيادة سعر واحد في السوق في نهاية المطاف.
لا شك أن الجميع يتمنى بقاء الأسعار عند مستوياتها القديمة، وهذا ما رغبت فيه الحكومة فعلا وسعت إليه. لكن هناك فرق بين الأماني والواقع. فصناعة الحديد عندنا تعتمد على خامات أولية تستورد من ثلاث جهات رئيسة هي أستراليا، البرازيل، والهند. وقد ارتفعت أسعار هذه الخامات أخيرا بنحو 60 في المائة، ولا سلطان لنا عليها. وسيكون من الصعب عمليا تجاهل الواقع في ظل المعطيات القائمة. لذا يغدو من الأسلم، والأصلح للناس، والأكثر كفاءة من الناحية الاقتصادية - لضمان عدم شح المعروض في الأسواق - عدم التدخل في سعر السوق طالما يصعب الدفاع عنه. وبدلا من ذلك على الأجهزة الحكومية أن تركز على كل ما يساعد على زيادة العرض. كأن تعمل على تخفيض الرسوم الجمركية على خامات وكتل الحديد، وتيسر الإجراءات الحكومية للمنتجين والمستوردين وحل مشكلاتهم. أما على المدى البعيد، فعلى الحكومة أن تقدم مزيداً من الحوافز لتشجيع المنتجين على زيادة الطاقة الإنتاجية المستقبلية بتوسعة خطوط الإنتاج أو دخول منتجين إضافيين.
إنها دورات معروفة ! وستخفض أسعار الحديد بعد أن تستوعب السوق المتغيرات الجديدة، لكن قد يستغرق ذلك وقتا! وهنا تظهر قيمة حكمة التخطيط وأهمية الاستعداد المسبق المدروس للتغيرات المتوقعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي