تجنب المنتجات الخطرة حمانا من الأزمة.. ونقدم ملاذا آمنا للاحتياطيات العربية
كشف المدير العام لصندوق النقد العربي أن الصندوق ضاعف تمويلاته عقب الأزمة المالية العالمية ثلاثة أضعاف للدول العربية الأعضاء عما كانت عليه قبل الأزمة العالمية، وأن الصندوق قدم منذ إنشائه 154 قرضاً بقيمة إجمالية بلغت 5.6 مليار دولار أمريكي.
وقال الدكتور جاسم المناعي مدير عام صندوق النقد العربي في حوار مطول مع «الاقتصادية» إن الأزمة العالمية لم تؤثر في الصندوق كونه مؤسسة تنموية محافظة لا تتعامل بالمنتجات المالية الخطرة التي كانت السبب الرئيس في نشوء الأزمة المالية العالمية التي ما زالت تداعياتها تتلاحق حتى اليوم.
ولفت المناعي إلى أن صندوق النقد العربي يقدم ملاذاً آمناً لأموال الاحتياطيات الخارجية للدول العربية الأعضاء، وانعكس ذلك في الزيادة الكبيرة لحجم الودائع التي تلقاها الصندوق من هذه الدول التي قاربت 9.2 مليار دولار في نهاية 2009، الأمر الذي يؤكد الثقة المتنامية بالصندوق من قبل الدول الأعضاء.
وأفصح الدكتور جاسم بأن صندوق النقد العربي استثمر ما يقارب 952 مليون دولار في أسواق السندات الحكومية وغير الحكومية العربية حتى نهاية عام 2009م، وأن ذلك كان في إطار اهتمام الصندوق بتطوير أسواق السندات العربية.
وبيّن أن إجمالي قيمة الموارد المستثمرة في السندات العربية وفي الودائع مع المصارف العربية بلغ نحو 4387 مليون دولار أمريكي كما في نهاية عام 2009.
ودعا المناعي الوكالات الوطنية في الدول العربية إلى تحقيق الاستفادة القصوى من التسهيلات والخدمات التي يقدمها برنامج تمويل التجارة العربية، موضحاً أن هذا البرنامج وفر منذ إنشائه خطوط ائتمان للمصدرين والمستوردين العرب بلغ حجمها التراكمي نحو 7.2 مليار دولار أمريكي، وبالتالي يصل مجموع ما وفره الصندوق والبرنامج للدول العربية نحو 13 مليار دولار أمريكي.
وعن نظرته لواقع أسواق المال العربية اليوم، أفاد رئيس صندوق النقد العربي أن هذه الأسواق شهدت تحسناً كبيراً في السنوات الخمس الأخيرة، في جانب تطوير الأطر التشريعية والمؤسسية، حيث أقدمت معظم الدول العربية على إنشاء هيئات مستقلة للإشراف والرقابة، وتطوير البنية التحتية لهذه الأسواق، واستخدام التقنيات الحديثة في أنظمة التداول والمقاصة والتسوية وحفظ الأوراق المالية، وكذلك في نشر البيانات والمعلومات.. إلى تفاصيل الحوار..
كيف كان تأثير الأزمة المالية العالمية في صندوق النقد العربي وما الإجراءات التي اتخذتموها في هذا الشأن؟
لم تؤثر الأزمة المالية في صندوق النقد العربي لكونه مؤسسة تنموية محافظة لا تتعامل بالمنتجات المالية الخطرة التي كانت سببا أساسيا في حدوث الأزمة،
وبالنسبة للإجراءات التي اتخذها صندوق النقد العربي لمساندة الدول الأعضاء في الاستجابة السريعة لتداعيات الأزمة المالية العالمية، فقد تمثلت في عديد من الأنشطة خاصة في عام 2009، ومن بينها إجراء مراجعة شاملة لنشاط الإقراض في الصندوق، تضمنت إدخال قدر أكبر من المرونة بما يتناسب مع تطور احتياجات الدول الأعضاء نتيجة الأزمة. وقد تم كذلك توسيع السقف الخاص بكل دولة عضو للاستفادة من قروض وتسهيلات الصندوق. كما تضمنت تلك الإجراءات، استحداث تسهيل جديد من شأنه تلبية الحاجة الطارئة إلى السيولة لدى الدول الأعضاء التي تأثرت بالأزمة وقابلت صعوبات في النفاذ إلى أسواق المال العالمية، وبالفعل تضاعفت القروض التي قدمها الصندوق للدول الأعضاء ثلاث مرات عما كانت عليه قبل الأزمة.
إضافة إلى ذلك، نظم الصندوق عدداً من الندوات وحلقات العمل حول الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على الاقتصادات العربية، شارك فيها كبار المسؤولين من ذوي الاختصاص في الدول العربية، وشكلت فرصة لتبادل التجارب والدروس المستفادة منها. كذلك أعد المختصون في الجهاز الفني للصندوق العديد من أوراق العمل حول هذه الأزمة متاحة على موقع الصندوق في صفحة الإنترنت. وتجدر الإشارة إلى أن الصندوق قدم الورقة الرئيسة الخاصة بموضوع تداعيات الأزمة المالية على اقتصادات الدول العربية والتي جرت مناقشتها على هامش القمة الاقتصادية والاجتماعية العربية التي عقدت في الكويت، وهي كذلك متاحة على موقع الصندوق لمن أراد أن يطلع عليها.
كما أن الصندوق في إطار دوره كأمانة لمجلس محافظي المصارف المركزية واللجنة العربية للرقابة المصرفية المنبثقة عنه، قد حرص على التركيز في اجتماعات اللجنة على مناقشة تداعيات الأزمة المالية العالمية والإجراءات المتخذة من قبل هذه الأجهزة الرقابية لمواجهة هذه الأزمة وتبادل الخبرات والتجارب بشأنها بين الدول العربية.
ما تأثير الأزمة العالمية في استثمارات الصندوق المتعددة؟ وهل تم إلغاء أو تأجيل بعض هذه الاستثمارات بفعل الأزمة؟
يقوم الصندوق بتقديم المشورة للدول الأعضاء في إدارة احتياطياتها الخارجية، حيث انعكس ذلك باستجابة الصندوق لطلبات عدد من الدول الأعضاء بتقييم وتطوير سياساتها الاستثمارية في إدارة هذه الاحتياطيات، إضافة إلى تطوير الكوادر الفنية عن طريق توفير التدريب العملي، وترتيب الندوات المتخصصة لإدارة أموال هذه الاحتياطيات ومخاطرها ضمن برنامج معهد السياسات الاقتصادية التابع للصندوق.
ويقدم الصندوق ملاذاً آمناً لأموال الاحتياطيات الخارجية للدول العربية الأعضاء، وقد انعكس ذلك في الزيادة الكبيرة لحجم الودائع التي تلقاها الصندوق من الدول الأعضاء والتي قاربت 9.2 مليار دولار في نهاية عام 2009. ويعكس هذا النمو الثقة المتنامية بالصندوق من قبل الدول الأعضاء.
في الوقت نفسه واصل الصندوق اهتمامه بتطوير أسواق السندات العربية، وانعكس ذلك على مستوى وحجم استثماراته في السندات الحكومية وغير الحكومية العربية. وقد بلغ حجم هذا الاستثمار ما يعادل 952 مليون دولار في نهاية عام 2009.
إضافة إلى قيام الصندوق بدعم الدول الأعضاء عن طريق توفير التمويل بالقروض وتقديم المعونة الفنية بشقيها الاقتصادي والمالي وكذلك تقديم برامج التدريب عن طريق معهد السياسات الاقتصادية، واصل الصندوق تقديم دعمٍ عمليٍ وإضافيٍ غير مباشر للدول العربية عن طريق توفير جزء من موارده المتاحة للاستثمار في السندات العربية وكذلك في الودائع مع المصارف والمؤسسات المالية العربية. هذا وقد بلغ إجمالي قيمة الموارد المستثمرة في السندات العربية وفي الودائع مع المصارف العربية ما يعادل 4387 مليون دولار أمريكي كما في نهاية عام 2009.
من المعروف أن صندوق النقد العربي ينتهج سياسة استثمارية محافظة ويدرس بدقة وتأني حجم المخاطرة المرتبط بالاستثمارات التي يقوم بها، وقد أثبت هذا الأسلوب في إدارة الاستثمارات كفاءته خاصة في وقت الأزمات المالية.
هل أدت الأزمة إلى تقليص حجم القروض التي يعطيها الصندوق؟ وكم حجم القروض التي صرفها الصندوق حتى الآن؟
على العكس من ذلك، فإن الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على الاقتصادات العربية لم تؤدِ إلى تقليص حجم القروض التي يقدمها الصندوق للدول الأعضاء، فقد وجدت بعض الدول الأعضاء التسهيلات الائتمانية التي يقدمها الصندوق بشروط ميسرة، فرصة مناسبة للحصول على التمويل اللازم في ظل شح السيولة في الأسواق بسبب الأزمة المالية العالمية. هذا وقد وصل حجم الإقراض العام الماضي ثلاثة أضعاف حجم القروض التي يتم توفيرها في الظروف العادية.
وقدم صندوق النقد العربي منذ إنشائه 154 قرضاً لدوله الأعضاء بقيمة إجمالية بلغت 5.6 مليار دولار أمريكي، كان معظمها موجه لدعم برامج شاملة للإصلاح الاقتصادي قامت بتنفيذها الدول الأعضاء بالتشاور مع الصندوق. وبالنسبة لدور الصندوق في تنمية المبادلات التجارية البينية، فقد أنشأ برنامج تمويل التجارة العربية منذ عام 1989، والذي يسهم أيضاً في رأسماله البالغ 500 مليون دولار نحو 49 مؤسسة مالية ومصرفية عربية وطنية وإقليمية. ويوفر البرنامج جانباً من التمويل اللازم للمصدرين والمستوردين العرب، وذلك من خلال توفير خطوط ائتمان للمصارف العربية التي تم تعيينها كوكالات وطنية لذلك الغرض. وكذلك يوفر برنامج تمويل التجارة المعلومات حول أنشطة التجارة البينية العربية والترويج للسلع العربية.
وفي هذا الإطار، قدم برنامج تمويل التجارة العربية منذ إنشائه خطوط ائتمان للمصدرين والمستوردين العرب بلغ حجمها التراكمي نحو 7.2 مليار دولار أمريكي، وبالتالي يصل مجموع ما وفره الصندوق والبرنامج للدول العربية نحو 13 مليار دولار أمريكي. ونحن دائما ندعو الوكالات الوطنية في الدول الأعضاء إلى تحقيق الاستفادة القصوى من هذه التسهيلات والخدمات التي يقدمها البرنامج للإسهام في دفع مسيرة التنمية والبناء في الدول العربية.
بصفتك رئيسا لصندوق النقد العربي، كيف ترى مستوى الشفافية في أسواق المال العربية حاليا، وهل ترى أنها تحتاج إلى مزيد من الخطوات باتجاه الإفصاح والشفافية؟
قام الصندوق بإنشاء قاعدة بيانات الأسواق المالية العربية منذ عام 1995، وذلك لرصد ومتابعة تطورات وأداء هذه الأسواق، حيث ترتبط هذه القاعدة إلكترونياً بجميع البورصات العربية، الأمر الذي ساعد على قيام الصندوق بنشر البيانات والمؤشرات اليومية والشهرية والفصلية عن أداء الأسواق.
ويعمل الصندوق على تعميق وتطوير هذه الأسواق من خلال تنفيذ برامج ومبادرات مختلفة، فعلى سبيل المثال، أطلق الصندوق منذ فترة مبادرة لتطوير أسواق السندات في الدول العربية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. كما قام الصندوق بمبادرة لتطوير نظم مقاصة وتسوية المدفوعات والأوراق المالية في الدول العربية بالتعاون مع البنك الدولي، تستهدف الارتقاء بأنظمة الدفع والتسوية ليس فقط أنظمة الدفع التابعة للمصارف بل وأيضاً أنظمة مقاصة وتسوية معاملات الأوراق المالية. وكان الصندوق قد أطلق أيضا مبادرة لتطوير نظم الاستعلام الائتماني ومركزيات المخاطر في الدول العربية بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي والتي تهدف إلى زيادة كفاءة الأنظمة المالية وتطبيق الممارسات السليمة في مجال الاستعلام الائتماني وتسهم هذه المبادرة في تعزيز وتطوير سياسات الإفصاح والشفافية في الاقتصادات العربية.
وبالنظر إلى واقع أسواق المال العربية اليوم، فقد شهدت هذه الأسواق تحسناً كبيراً في السنوات الخمس الأخيرة، في جانب تطوير الأطر التشريعية والمؤسسية، حيث أقدمت معظم الدول العربية على إنشاء هيئات مستقلة للإشراف والرقابة، وتطوير البنية التحتية لهذه الأسواق، واستخدام التقنيات الحديثة في أنظمة التداول والمقاصة والتسوية وحفظ الأوراق المالية، وكذلك في نشر البيانات والمعلومات.
ما خططكم المستقبلية بشأن الاستثمارات وإعطاء القروض في الدول العربية؟
نعتقد أن الجهود التي قام بها الصندوق خلال الفترة الماضية قد أسهمت في تحسين إطار السياسات الاقتصادية والمالية والاستثمارية في الدول العربية وإرساء مقومات الاستقرار الاقتصادي، وتقليل الاختلالات في هذه الاقتصادات وجعلها أكثر انفتاحاً على الاقتصاد الدولي. كما أسهمت هذه الجهود في تقليص القيود على حركة انتقال رؤوس الأموال، وكذلك مساعدة بعض الدول الأعضاء في التحول من الاقتصاد الموجه مركزياً إلى اقتصادات تعتمد بدرجة أكبر على آليات السوق، وتعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي. وقد أدى كل ذلك إلى حدوث تقارب بين الأنظمة الاقتصادية في الدول العربية، الأمر الذي يعد من المتطلبات الأساسية لرفع معدلات النمو والتمهيد لعملية التكامل النقدي والاقتصادي. وقد أسهمت جهود الإصلاح الاقتصادي التي قامت بها الدول العربية بالتعاون مع صندوق النقد العربي والمؤسسات الدولية الأخرى ذات الصلة، في تدعيم البيئة الاستثمارية في هذه الدول وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى اقتصاداتها، وعلى الرغم من التحسن الملحوظ في المناخ الاستثماري العربي فإن الصندوق لا يزال يتطلع إلى مزيد من الإصلاحات الاقتصادية التي تؤدي إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية على حد سواء وتعزيز ورفع معدلات النمو الاقتصادي وفقا لذلك.
بعد مشاركتكم في منتدى جدة الاقتصادي العاشر، كيف تقيّم فعاليات المنتدى لهذا العام؟ وفي رأيك ما الخلاصة التي ستستفيد منها الدول العربية والخليجية من خلال هذا التجمع الاقتصادي والأكاديمي العالمي؟
لقد قطع النظام الاقتصادي العالمي شوطاً مهما نحو مزيد من التنسيق في أعقاب الأزمة المالية، حيث ظهرت للوجود مجموعة دول العشرين، وهي تتضمن ليست فقط الدول الكبرى بل كذلك أيضاً دول الاقتصادات الناشئة كالصين والهند والبرازيل والسعودية، التي أصبحت لها ثقل اقتصادي وسياسي مهم في إعادة الاستقرار للاقتصاد العالمي.
وفي جانب إعادة الثقة في المؤسسات المالية، فقد اتفق المجتمع الدولي على دعم موارد وصلاحيات المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي، إضافة إلى إدخال تعديل على حصص الدول الأعضاء الكبرى وإعطاء قوة تصويتية أكبر لبعض الدول النامية ذات الاقتصادات الكبرى، وهي كلها إجراءات مهمة وضرورية في إعادة بناء الثقة في المؤسسات المالية الدولية لتعزيز دورها العالمي في التنسيق والإنذار المبكر بالأزمات التي قد تعترض الاقتصاد العالمي مستقبلاً.
أما فيما يتعلق بمنتدى جدة الاقتصادي، فلا شك أن هذا المنتدى العالمي شكل منبرا عالميا لنخبة من المسؤولين والاقتصاديين وصناع القرار، وبالنظر إلى تداعيات الأزمة المالية العالمية، فإن ثمة حاجة لمثل هذا المنتدى أكثر من أي وقت مضى للبحث في التقلبات الكبيرة التي يشهدها الاقتصاد العالمي جراء الأزمة المالية والعمل على تحصين مناعة الاقتصادات الخليجية والعربية تجاه هذه التطورات.