فك الاشتباك بين البنوك السعودية والمجتمع (1 من 2)
البنوك السعودية حققت إنجازات وقفزات مصرفية نوعية حضارية متطورة ومتقدمة للغاية خلال العقود الأربعة الماضية، على جميع الأنشطة والأصعدة المصرفية، بفضل السياسات المصرفية الحكيمة، التي تنتهجها مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، المتمثلة في الرقابة الحثيثة على عمليات وأنشطة البنوك، وعلى أسلوبها في تقديمها خدماتها للعملاء، هذا إضافة إلى الإدارة الحصيفة لأعمال البنوك من قبل مجالس الإدارات، والإدارات التنفيذية، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا تزال هناك فئات من أفراد المجتمع السعودي، غير راضية عن أداء البنوك، وبالذات فيما يتعلق بجوانب معينة ومحددة، من بينها ارتفاع أسعار الخدمات، وعدم المساهمة الفاعلة في خدمة المجتمع، وتدني مستوى الشفافية والإفصاح.
بالنسبة للشكوى من ارتفاع أسعار الخدمات البنكية، التي من بينها أسعار العمولات، التي تتقاضاها البنوك على القروض الشخصية وعلى القروض التجارية، فمن المعروف أن تحديد ذلك النوع من العمولات، تحكمه ثلاثة عوامل رئيسة، هي تكلفة الأموال، التي بموجبها يوفر البنك احتياجاته من السيولة اللازمة للإقراض، ونسبة المخاطر، التي سيتحملها البنك مقابل إقراض العميل، وعامل المنافسة أو السوق.
من هذا المنطلق، فإن أسعار العمولات البنكية، التي تتقاضاها البنوك على القروض، تختلف من قرض إلى آخر، كما أنها تختلف من عميل إلى آخر، تبعاً للمتغيرات والمستجدات، التي تطرأ على تلك العوامل من وقت إلى آخر.
بالنسبة لمطالبة البعض بأن تتقاضى البنوك على القروض، التي تمنح للأشخاص أو التي تمنح للشركات، سعر العمولة نفسها أو بزيادة طفيفة عليها، التي يوفر بموجبها البنك السيولة اللازمة للإقراض من قبل البنك المركزي، والتي تعرف مصطلحاً، بسعر اتفاقية إعادة الشراء أو الريبو Repo، فإن مثل هذه المطالبة تكاد تكون شبه مستحيلة، بسبب أن تلك العمولة، لا تتضمن مصاريف وتكاليف أخرى، يتحملها البنك مقابل قيامه بعملية الإقراض، مثل تكلفة المخاطر، وتكلفة احتمالية التعثر في السداد، ومدة القرض، والتكاليف المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بتنفيذ عملية القرض، وبالتالي فإنه من الصعوبة بمكان، تمرير السعر نفسه، الذي يوفر البنك بموجبه السيولة اللازمة للإقراض، دون تحميله التكاليف المشار إليها أعلاه، مضافاً إليها هامش ربح البنك، ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن أسعار القروض في البنوك السعودية لا تزال منافسة مقارنة بنظيراتها في دول أخرى.
أما بالنسبة لأسعار الخدمات المصاحبة أو المساندة للمنتجات البنكية، التي تقدمها البنوك السعودية للأفراد Retail Banking Products، مثال دفاتر الشيكات، وبطاقات الصراف الآلي، وتمكين العميل من استخدام الشبكة السعودية للمدفوعات SPAN، واستخدام شبكة الإنترنت، ونقاط البيع، بما في ذلك خدمات الهاتف المصرفي، فجميع هذه الخدمات وغيرها، تمنحها البنوك للعملاء بلا مقابل، رغم أن البنوك تتحمل في سبيل توفير ذلك النوع من الخدمات للعميل، تكاليف باهظة للغاية، فعلى سبيل المثال، في حالة قيام العميل بسحب مبلغ من النقد من جهاز صراف آلي، لا يتبع للبنك، الذي يحتفظ لديه بحسابه الجاري، فهذا سينتج عنه تحمل بنك العميل، مبلغ 3.55 ريال في المتوسط عن كل عملية سحب نقدي، وذلك مقابل عدم استخدام العميل جهاز بنكه واستخدامه جهاز بنك آخر، ولكن وعلى الرغم من ذلك، فإن البنوك لا تحمل هذه التكلفة للعميل، وتتحملها هي مقابل تسهيل تعاملاته البنكية.
بالنسبة لعدم مساهمة البنوك السعودية في مجالات الخدمة الاجتماعية، فأعتقد أن هذا فيه شيء من الإجحاف والإنكار غير المبرر من قبل بعض فئات المجتمع، للدور الاجتماعي، الذي تقوم به البنوك السعودية، ولا سيما أن البنوك السعودية جميعها بلا استثناء، قد أنشأت إدارات مستقلة متخصصة في مجالات خدمة المجتمع، تنوعت خدماتها وبرامجها الاجتماعية، وتنفذ وفق استراتيجيات وخطط واضحة المعالم والاتجاهات، تلامس بشكل مباشر احتياجات المجتمع بمختلف شرائحه وطبقاته، وعلى وجه الخصوص، فئة الفقراء والمحتاجين، وذوي الاحتياجات الخاصة، والأيتام، كما قامت البنوك بتمويل عدد لا بأس به من كراسي البحث العلمي في عدد من الجامعات السعودية، وتأهيل عدد كبير من الشباب والشابات لسوق العمل، ودعم الأسر المنتجة والعمل من المنزل، إضافة إلى دعم عدد كبير جداً، من البرامج الصحية والتعليمية.
تجدر الإشارة إلى أن جميع هذه البرامج الاجتماعية وغيرها، تهدف في المقام الأول إلى الارتقاء بقدرات أفراد المجتمع السعودي العلمية والعملية، والمساهمة الفاعلة في مسيرة التنمية الاجتماعية التي تعيشها البلاد، فعلى سبيل المثال لا الحصر، استطاعت البنوك السعودية تمكين عدد لا بأس به من الأسر المنتجة لبدء مشاريع تجارية، تجاوز عددها الـ 1300 أسرة خلال الثلاث سنوات الماضية، كما تمكنت من تدريب وتأهيل خلال الفترة نفسها، أكثر من 10600 شاب وشابة لسوق العمل من خلال تنفيذ عدد من برامج التدريب المتخصصة في التأهيل لسوق العمل.