مدير لحل المشاكل

الخلافات في العمل أمر طبيعي فطالما أنه يوجد فريق عمل فلابد أن يكون هناك اختلاف في الآراء ووجهات النظر، إذ من الصعب أن تتطابق كافة وجهات النظر في جميع المواضيع طوال الوقت، وكثيراً ما يستخدم المديرون صلاحياتهم وسلطاتهم في إقرار وجهات نظرهم أو تطبيقها، ولكن من غير الطبيعي أن يتحول اختلاف وجهات النظر إلى خلافات شخصية مؤلمة تتم تصفيتها بأساليب غير نظامية تارة أو همجية تارة أخرى وكثيراً ما سمعنا عن حالات عراك بين موظفين بل قد يصل الأمر إلى القتل كما حدث من خلال تصفية مدير عام الأمن الوطني الجزائري والذي قتل على يد أحد معاونيه إثر خلاف بينهما، وهكذا فإن تطور الخلاف قد يصل إلى مستويات لا حدود لها.
وعادة ما يبدأ الخلاف مع المدير بسيطاً ومحدوداً إما من خلال كلمة في اجتماع أو من خلال تصرف معين أو من خلال قرار أو من خلال توصية وما لم يتم حل هذا الخلاف سريعا وفي حينه فإنه يتطور على عدة مستويات فبدلاً أن يكون محصوراً بين شخصين يأخذ كل طرف في التحدث عن الخلاف لكسب مؤيدين في صفه ضد الآخر وهكذا تتسع دائرة الخلاف فيصبح هناك اختلاف بين فريقين مؤيد ومعارض وهكذا يتطور الخلاف مما يجعل طريقة معالجته أصعب، بل إن استمرار الخلاف يساهم في تشعبه فبدلاً من أن يكون الخلاف محصورا في نقطة واحدة فإنه يتوسع ليشمل نقاطا متعددة كما أن بعض الخلافات يستفيد منها آخرون ممن يرون أن في مصلحتهم وجود مثل هذه الخلافات، كما أن استمرار الخلاف يجعل كل طرف يحرص على تفسير كل التصرفات وغيرها من الإجراءات على أنها موجهة ضده شخصياً حتى لو لم يكن لها أي صلة به.
وفي اعتقادي أن المبادرة يجب أن تأتي من المدير نفسه فهو في الظاهر يحتل المنصب الأعلى وقد تكون لديه بدائل أكثر من الموظف والمفترض في المدير المميز أن يحرص على أن يشجع حرية التعبير في حدود وضوابط الاحترام والتقدير، ويشجع النقد البناء الذي لا يمس الجوانب الشخصية بل يركز على الجوانب العملية، وفي المقابل يجب عليه أن يكون قدوة لغيره خصوصاً في أسلوب التعامل والانضباط وأن يعدل في تقديم الثناء والتقدير لفريق العمل ويحافظ على التعامل مع الجميع دون محاباة كما يجب عليه أن يضع أهداف منظمته ومصلحتها فوق كل اعتبار ولا يتشنج لرأيه بل يحرص على اتباع أسلوب الإقناع بدلاً من الفرض، كما يجب عليه أن يكون حليماً متسامحاً رحيماً بزملائه مهما كانت تصرفاتهم فهو المسؤول وأحد أجزاء هذه المسؤولية تحمله لزملائه والصبر عليهم والعمل على معالجة مشاكلهم وإيجاد الحلول المناسبة لهم.
وللأسف فإن المديرين الذين لا يتمكنون من السيطرة وتوفير الحلول المناسبة لمشاكل منشأتهم فإن أكثر من 40 في المائة من أوقاتهم يضيع في التعاطي مع النزاعات والخلافات وهذا ينعكس بطبيعة الحال على تحقيق أهداف المنشأة بل ومستوى الخدمة الذي يتم تقديمه للمراجعين فكم من موظف يعطل المعاملات ويسيء التعامل مع المراجعين ويتأخر عن العمل أو يغيب أحياناً والسبب هو وجود خلاف بينه وبين إدارته وصل إلى مرحلة العناد، وكم من موظف اختلف مع مديره فبقي يعمل ليل نهار ضد مديرها وضد المنشأة التي يعمل فيها بل يسعى إلى إحباط أي إنجاز يتم، وعلى الرغم من وجود نوعية من الموظفين من الصعب إرضائهم أو تسوية الخلافات إلا أن ذلك لا يعني إبقاء الخلاف معهم ومقاطعتهم بل لابد للمسؤول في الاستمرار محاولة تسوية الخلافات معهم والاستفادة من إيجابياتهم خصوصاً أن هناك أنظمة سواء على مستوى نظام الخدمة المدنية أو نظام مكتب العمل والعمال لا تمكن المسؤول من التخلص من أمثال هؤلاء.
إن الخلافات ظاهرة طبيعية وعلى كل مدير أن يحرص على تنمية مواهبه وقدراته ومهاراته في احتواء الخلافات في إدارته ليساهم في تخصيص وقته لتحقيق أهداف منشأته وإنجازاتها بدلاً من أن يضيع الوقت والجهد في حل المشاكل التي إن تركت من دون حل فقد تؤدي إلى كوارث - لا سمح الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي