عودة إلى مساوئ طاقة الرياح

في اليوم الذي نشر فيه مقال الأسبوع الماضي، وهو الحلقة الثانية عن مساوئ طاقة الرياح والأمراض التي تسببها، نشرت جريدة «وول ستريت جورنال» تحقيقا صحافياً عن أثر نمو طاقة الرياح في مصادر الطاقة الأخرى في ولاية تكساس الأمريكية، كما نشرت مقالا للكاتب روبرت برايس يتحدث فيه عن الآثار الصحية لطاقة الرياح, حيث أجرى عدة لقاءات مع بعض الذي أصيبوا بأمراض بسبب بناء العنفات الهوائية بالقرب من بيوتهم. وقبل ذلك بأيام نشرت وسائل الإعلام خبراً عن قيام بعض الولايات الأمريكية والدول الأوروبية بالتفكير جديا في فرض ضرائب على مصادر الطاقة غير النفطية مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية. ويذكر أن جريدة «وول ستريت» نشرت جزءا من التحقيق في صفحتها الأولى، الأمر الذي يدل على أهمية الموضوع وخطورته. هذه الأمور أقنعتني بتأخير المقال الذي كان سينشر اليوم وعرض هذه الأمور بدلا عنه.
طاقة الرياح ليست بديلا للنفط وإنما تنافس «أنظف» مصادر الطاقة
التحقيق الذي أجرته جريدة «وول ستريت جورنال» ركز على التنافس الشديد بين طاقة الرياح والغاز الطبيعي في ولاية تكساس الأمريكية وبعض الولايات الأخرى، وكيف أن طاقة الرياح لا تحل محل النفط أو الفحم، وإنما تحل محل أنظف مصادر الطاقة: الغاز الطبيعي. وكانت الدول المتقدمة قد تبنت الغاز خلال العقدين الماضيين كمصدر أساسي لتوليد الكهرباء بسبب مزاياه الاقتصادية والبيئية، إلا أنه تبين أخيرا أن الدعم الحكومي لطاقة الرياح أثر سلبا في حصة الغاز في إجمالي الطاقة المنتجة والمستهلكة. أما حماة البيئة فقد كانوا دائما يقولون إنه يجب توأمة الغاز الطبيعي والرياح والتركيز عليهما حتى يحلا محل الفحم، أسوأ أنواع الوقود بيئيا، في توليد الكهرباء. لكن المفاجأة الآن أن هذه «التوأمة» تحولت إلى عداء شرس بين منتجي الغاز الطبيعي وشركات طاقة الرياح، بينما ما زال الفحم على عرشه غير آبه بهما. هذه الحقيقة ربما تفسر سبب قيام بعض المستثمرين بالترويج لفكرة مفادها زيادة حصة طاقة الرياح في توليد الكهرباء ولو على حساب الغاز، واستخدام الغاز كوقود في السيارات بدلا من البنزين والديزل. لكن حتى هذه الفكرة لها مشكلاتها ولا يمكن تطبيقها على مستوى واسع لأسباب فنية واقتصادية.
وسبب منافسة طاقة الرياح الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء في ولاية تكساس الأمريكية لا يعود إلى انخفاض تكاليف إنتاج الكهرباء من عنفات الرياح، وإنما إلى التدخل الحكومي والقوانين الحكومية للولاية والإعانات الحكومية التي تمكن طاقة الرياح من منافسة الغاز, ففي الوقت الذي يجبر فيه قانون ولاية تكساس منتجي الكهرباء على دفع تكاليف كهرباء بديلة إذا لم يستطع المنتج توليد الكمية المتفق عليها سلفا، تم إعفاء منتجي الكهرباء من الطاقة الهوائية من الدفع بحجة أنها «متقطعة» ولا تستطيع أن تفي بالتزاماتها بشكل دائم لأنه لا يمكن السيطرة على الرياح. لذلك يطالب منتجو الغاز الآن بحذف أي استثناءات من القانون ليشمل منتجي الكهرباء من طاقة الرياح ويردون بأن العلم تقدم بشكل كبير بحيث يمكن التنبؤ بالرياح قبل يوم من حدوثها بشكل أفضل من قبل بكثير. وحصلت أزمة كبيرة في تكساس يوم 26 شباط (فبراير) من عام 2008 بسبب زيادة الاعتماد على الطاقة الهوائية حيث التزمت الشركات المنتجة للكهرباء من الطاقة الهوائية في اليوم السابق بإنتاج كمية معينة، لكن الطقس تغير وخفّض إنتاجها بمقدار 1000 ميغاواط. وبما أن القانون لا يلزمها بإيجاد البديل كما هي الحالة مع الغاز والفحم والطاقة النووية، حصل عجز في إمدادات الكهرباء وكان الحل هو قطع الكهرباء عن المصانع في ذلك اليوم. لكن التحقيق في الموضوع أسفر عن أمر مهم أدركه الخبراء ولم يدركه السياسيون وصناع القرار: لم تتمكن الشركات الأخرى التي تولد الكهرباء من الفحم والغاز والطاقة النووية من المساعدة وتغطية الفرق لأن التدخل الحكومي في تكساس وتفضيل الطاقة الهوائية عليها جعلها تصدر الكهرباء إلى الولايات الأخرى!
الآثار الصحية السيئة لطاقة الرياح
نشرت الجريدة نفسها مقالا للكاتب روبرت برايس ذكر فيه مقابلات مع بعض الناس الذين يشكون الأمراض التي يعانونها بعد أن تم بناء عنفات الرياح بالقرب من منازلهم. وبدأ المقال بالسؤال التالي: تصوروا لو أن صناعة النفط بدأت برنامجا جديدا للحفر باستخدام تكنولوجيا جديدة، وبعد حفر الآبار، بدأت تصدر عنها رائحة نافذة أثرت صحيا في بعض الناس الذي يعيشون على مسافة ميل من البئر، وأجبرت بعض الناس على هجر بيوتهم .. ماذا سيحصل؟ سيشن الإعلام حملة شرسة ضد شركات النفط، وسيكون هناك عدد لا يحصى من الدعاوى في المحاكم، وسيقوم الكونجرس بالتحقيق في الأمر. الآن، استبدل كلمتي «صناعة النفط» في الفقرة السابقة بـ «الشركات المنتجة للكهرباء من الرياح» واستبدل «الرائحة» بالضجة المسببة للأمراض، نجد أنه لا أحد يحرك ساكناً.
مصادر الطاقة «البديلة» بين الإعانات والضرائب
بدأت تظهر مشكلة كبيرة في بعض الدول الصناعية المنتجة للنفط تتمثل في انخفاض الإيرادات الحكومية بسبب انخفاض إنتاج النفط. وعندما بدأ السياسيون يبحثون عن مصادر أخرى لتمويل العجز في الموازنات الذي نتج عن انخفاض إنتاج النفط، وجدوا أن هناك زيادة كبيرة في إنتاج مصادر الطاقة «غير النفطية». هذا يعني أنه لا حل أمام السياسيين لتفادي عجز ضخم في الموازنة سوى فرض ضرائب على مصادر الطاقة غير النفطية، الأمر الذي سيحد من نموها في المستقبل. وتتجه الأنظار حاليا إلى ولاية وايومنج الأمريكية حيث ينوي بعض السياسيين فيها طرح مشروع قانون جديد يقضي بفرض ضرائب على إنتاج الكهرباء من الطاقة الهوائية للتعويض عن الانخفاض في إيرادات الضرائب بسبب انخفاض إنتاج النفط في الولاية. إذا نجحت هذه الولاية في فرض هذه الضرائب فإن هناك عديدا من الولايات الأمريكية والدول الأوروبية التي ستتبعها. خلاصة الأمر .. لأي نمو حدود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي