Author

بناء السوق وبناء الأوامر

|
من المعروف أن أي سوق مالية تقوم على ثلاثة أركان/مقومات رئيسة هي: آلية عمل السوق (الأنظمة), والمعلومات, والمستثمرون. ومن الناحية العلمية والعملية, فإن التفاعل الإيجابي بين هذه المقومات سينتج سوقا مالية عادلة وكفؤة, وبالتالي فإن الحكم على أي سوق يستمد من قوة وفاعلية هذه الأركان. وبالتطبيق على السوق المالية في المملكة, فإن هيئة السوق المالية تمثل الركن الأول (الأنظمة), أما الركنان الآخران فإنهما لا يتعلقان بالهيئة وحدها, بل يشاركها المسؤولية فيهما عدد من الجهات والكيانات (وزارة التجارة, هيئة المحاسبين, المحاسبون القانونيون, الشركات المدرجة, المساهمون, شركات الوساطة, المحللون الماليون... إلخ). وبالتالي فإنه من غير الإنصاف تحميل الهيئة المسؤولية وحدها في كل ما يحدث في السوق, ومع ذلك، فإن على الهيئة مسؤولية كبيرة كونها أقوى تلك الجهات من الناحية التشريعية، وكون ''المعلومات'' و''المستثمرين'' مما يصعب السيطرة عليهما من الناحية العملية. لذا, فإن الهيئة يجب ألا تستغرب هذا الضغط الاجتماعي الكبير, فهي تدفع ضريبة القوة الرقابية التي تتمتع بها, كما أنها تدفع ضعف أو تقاعس الجهات الأخرى. والواقع أن ما دفعني إلى الكتابة عن السوق المالية هو الموضوع القديم الجديد, المتعلق بتحديد علاوة الإصدار, وعلى وجه الخصوص عدم تغطية الطرح الأولي لشركة الطيار للسياحة والسفر. وفي هذا المقام, فإنه لا بد من الإشارة إلى أن أسلوب سجل الأوامر Book Building الذي تعتمد عليه الهيئة في تحديد سعر الطرح الأولي أحد الأساليب الجيدة والمستخدمة على نطاق واسع في الأسواق العالمية, ومع ذلك فإن تحديد علاوة الإصدار سيبقى أحد التحديات المستقبلية لهيئة السوق المالية. وعلى الرغم أن تحديد علاوة الإصدار عملية مهنية ذات صبغة مالية إلا أن مخرجات هذه العملية تثير عددا من التساؤلات في السوق, ونظراً لضعف المقومات الأخرى (المعلومات, المستثمرين), فإن الهيئة تبقى وحدها تتلقى السهام دون ذكر للأطراف الأخرى المشاركة في تحديد علاوة الإصدار. وللتذكير, فإن أهم الأطراف المشاركين في تحديد العلاوة المستشار المالي ومتعهد التغطية. وبالتالي فإن المستشار والمتعهد يفترض أن يحرصا على أن يكون الطرح أقل من القيمة الحقيقية كنوع من الوقاية ضد المسؤولية القانونية التي يمكن أن يتعرض لها أي منهما, وحماية للسمعة في حال عدم تغطية الاكتتاب أو في حال تعرض القيمة السوقية للسهم الجديد إلى انخفاض حاد عند إدراجه في السوق. لذا فإن متعهد التغطية يفترض أن يفي بالتزاماته تجاه التغطية, كما أن على الهيئة متابعة هذا الالتزام. أما المستشار المالي فإنه ينبغي عليه بذل العناية المهنية عند تحديد العلاوة مع التركيز على تحديد العلاوة وفقاً لأساسيات التقويم لا قوى العرض والطلب. وفي كل الأحوال, فإن على الهيئة فرض بعض الضوابط للتأكد من ''جودة'' القوائم المالية التي على أساسها وضعت افتراضات علاوة الإصدار, والـتأكد من قيام المراجع الخارجي ببذل أقصى درجات المهنية في مثل هذه الحالات. كما أنه من الضروري فرض فترة حظر Lockup Period على المؤسسات الاستثمارية المشاركة في أسلوب ''سجل الأوامر'' لضمان مصداقية التقويم.
إنشرها