هل مات مؤشر أسعار المواد الغذائية؟

لقد كان لمشروع المؤشر الأسبوعي للمواد التموينية، الذي تبنته أمانة منطقة الرياض صدى وإيجابيات وفوائد لا تحصى للمجتمع والدولة والاقتصاد المحلي. وهو من المواضيع التي تهم وتمس حياة كل مواطن تبعاته لا تحصى. وقد استمرت الأمانة بنشره كل أسبوع في الصحف والتي هي غالباَ كل يراها ويقرأها. وفجأة انقطع المؤشر لمدة طويلة، وبعدها تولت وزارة التجارة ذلك، ولا أعرف ما الذي طورته أو غيرته فهي أخذت مجهود الأمانة ووضعته على شبكة الإنترنت، وبذلك أصبح المؤشر أقل أهمية أو تناولاَ فالنشر في الجريدة يختلف عن تعليبه إليكترونياً لمجتمع لم يصل إلى المستوى الحاسوبي الذي تطمح إليه الوزارة. فالبحث في الصحف أسهل وأكثر تناولاَ وتداولاَ وهي موجودة في المحال نفسها التي نتبضع منها. ولكن الواضح أن الوزارة لا تعرف من تتعامل معه هل هم أساتذة الجامعة أم بعض المواطنين الذين لم يوفقوا أو يواصلوا تعليمهم ومنهم بعض ربات البيوت والعجزة ومن لا يستطيعون التعامل مع أجهزة الحاسوب، ولا يستطيعون حمل حاسوبهم معهم. صحيح أن هناك تطورا في تقنية الإنترنت بالجوال ولكنها معظم الناس لا يتقنون تلك الأنواع المطورة من الجوالات فهم حتى بالبركة يستطيعون تلقي المكالمات أو من لا يستطيعون الحصول على الإنترنت وبذلك يصعب عليهم متابعة المؤشر.
لقد كان مؤشر الأمانة أسهل تناولاَ وهو مؤشر كان يجب أن تحذو حذوه جميع القطاعات الأخرى لتنضم تحت جناحه، مثل أسعار المنظفات الكيميائية والأدوية والسلع الإلكترونية الأكثر استعمالا. ولا أستغرب ذلك فوزارة التجارة والصناعة التي عجزت عن تبرير أسباب ارتفاع الأسعار هي التي أيضا عجزت عن إدارة مجلس حماية المنافسة التجارية، الذي أساسه حماية وتشجيع المنافسة العادلة ومكافحة الممارسات الاحتكارية. ولكن معظم أعضائها هم كبار التجار أنفسهم الذين يديرون التجارة في الوطن. وبذلك فهم يستطيعون التوافق فيما بينهم وبطريقة رسمية للتنافس في رفع الأسعار بدلاَ من تخفيضها وبذلك يتم استغلال المواطن وباسم الدولة. وكان الأجدى أن يكون مجلس حماية المستهلك فالوزارة لم ولن تحل موضوع التنافس التجاري بل ساعدت على إعطاء الفرصة للتجار للتلاعب.
لقد كانت فكرة المؤشر هي أن يقوم كل تاجر أو محل تجاري بإرسال أسعاره عن طريق الفاكس أو الإنترنت لموقع الأمانة كل نهاية أسبوع (يوم الأربعاء) ليعطي قائمة بأسعار مواده التموينية للأسبوع التالي، قبل أن يعرف غيره عنه. ومن ثم يتم نشرها في الصحف المحلية حسب أولوية وصول المعلومات من كل تاجر. ولا يعني ذلك أن المؤشر يعطي الأسعار الرسمية أو الحقيقية للتكلفة مع بعض الربح، بل إنها أسعار يضعها التاجر نفسه وليس وزارة التجارة، وهو أمر قد يمكن الوزارة مستقبلاَ من وضع مؤشر رسمي.
وهذا المؤشر هو بداية ما سبقتنا إليه معظم الدول ومنذ سنين. وأشهرها مؤشر الأسعار للمستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكيةConsumer Price Index-CPI ، الذي يعتبر من أهم مؤشرات الاقتصاد الأمريكي وعلى أساسه تهتز الشبكات المالية والبورصات. ويختلف عن مؤشرنا في أنه يشمل معلومات أكثر عن كمية العرض والطلب. ويستفاد منه معرفة الأسعار لمدة 12-18 شهراَ المقبلة. وبفضل قاعدة المعلومات للسنوات السابقة يمكن معرفة التوقعات المستقبلية لكل نوع من السلع. وهو نظام معقد يربط المزارعين والموردين والمعلبين للسلع مع المستهلكين. ويساعد المسؤولين على مراقبة السوق ويمكنهم من وضع السياسات والتدخل لحماية المنتج والمستهلك. كما أنه يمكن الدولة من المحافظة على صحة الأغذية والسلع، وهو أداة لمعرفة علاقة تلك الأسعار بدخول المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود والفقراء ومدى قدرتهم على تحمل تلك الأسعار. وأكثر من ذلك فإنه يتم ربط المعلومات الديموجرافية بالمؤشر لمعرفة سلوكيات المستهلكين من كل فئة عمرية أو تعليمية أو عرقية. ومعرفة معدلات الصرف العام.
مؤشر السلع الاستهلاكية سهل وبسيط الفكرة وقد يكون بداية ليكون أكثر فائدة ومع ذلك فإن إيجابياته وفوائده قد لا تحصى أو تقدير مالياَ ما توفره على المواطن والاقتصاد المحلي ولكن يمكننا اختصار أهم فوائده فيما يلي:
* توفر المعلومة للمواطن في منزله ويوفر عليه كثرة التردد على المحال التجارية للبحث عن الأرخص. وبذلك يخفف من الازدحامات المرورية في المدن، ويوفر من الوقود.
* تعاون شركات التوصيل للمنازل ونظام واصل مع المواطن والمؤشر سيقلل كثيراَ من تلك الرحلات مما سيخفف الازدحامات المرورية والحاجة للمواقف أمام المحال التجارية ويقلل من الحوادث والتلوث.
* سيساعد المؤشر على شدة التنافس بشفافية وأمام الجميع لتخفيض الأسعار ما يحقق الوفر الكثير للمواطن والدولة.
* يعتبر المؤشر دعاية مجانية لتلك المحال التجارية والماركات التجارية ما يجعلهم يتنافسون أكثر في تخفيض الأسعار ليستفيد المواطن.
* توعية المواطن بالأنواع والأسعار تجعله أكثر دراية وقدرة على وضع ميزانيته الشهرية والسنوية.
* توفير قاعدة معلومات أساسية يمكن الاستفادة منها حالياَ ومستقبلياَ للأبحاث ومعرفة معدلات التضخم ومستويات المعيشة فهو نواة لقاعدة معلومات أساسية.
* يمكن وزارة التجارة من مراقبة الأسعار ومدى التلاعب فيها فمعرفة السعر يمكن الوزارة من متابعة بوالص الشحن للتجار ومقارنة سعر شرائه لتلك البضاعة بالسعر الذي يبيع به للمواطنين.
* يساعد المؤشر صاحب المنزل على التأكد من صحة مشتريات السائق أو الخدم الذين يرسلهم للشراء بدلاَ منه.
* دمج المؤشر مع شركات التوصيل للمنازل هو حل لمشاكل العجزة والمعاقين أو النساء الذين أزواجهم مشغولون أو على سفر.
أرى أن وزارة التجارة يجب أن تجتهد قليلاَ لإيصال المعلومة للمواطن سواء رب أو ربة المنزل وأن تخصص يوماَ لنشر تلك الأسعار في الصحف. وإذا أرادت أن تتطور أكثر فإنها يمكن أن تضعها في شريط إعلاني تحت الشاشة في بعض القنوات سواء المحلية أو الفضائية. بقي أن نعرف مدى جدية الوزارة والجهات الأخرى التي يهمها الموضوع في ضبط التجار والتأكد من عدم تلاعبهم بالالتزام بالسعر أو التهرب من ذلك بعذر انتهاء الكمية أو المخزون. والاستفادة من تلك التجربة ومحاولة تطوير المؤشر وضبطه بطريقة إلكترونية تمكن المواطن من التسوق بالإنترنت، وأن يتم تطوير شبكة للتسوق بحيث يمكن لكل مواطن أن يشترى ما يريد من المحل الذي يجد أسعاره أقل ومناسبة له. وأن يصبح لدى المحل أرقام لهؤلاء العملاء وأرقام سرية لهم، يقوم بها المواطن بالتبضع من منزله بالإنترنت على جهاز الحاسوب أو الجوال والهاتف. وبعد ذلك يتم خصم المبلغ من حسابه سواء بطاقة الائتمان البنكية أو التي يصدرها المحل نفسه لعملائه. ومن ثم تقوم شركة التوصيل بتوصيلها لمنزل المواطن بمساعدة نظام واصل أو نظام الإحداثيات وأرقام المنازل وأسماء الشوارع. وهذا فيه حل لمعانات بعض المنازل التي يسكنها العجزة والمعوقون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي