حركة تنقلات موظفي القطاع المالي هل أسبابها المكافآت والزيادات السنوية؟

جرت العادة في القطاع المالي على أن يتم تقييم الموظفين وتوزيع المكافآت السنوية Management Bonus و زيادات الرواتب السنوية Salary Increase خلال الفترة من منتصف الربع الأول إلى نهايته تقريبا. وتبدأ بعد ذلك حركة الموظفين بالتنقل بين المنشآت المالية ( تعرف بين الموظفين مجازا برحلة الشتاء و الصيف) وذلك بحسب رضا الموظف على تقييمه و مكافأته أو خلاف ذلك. وهي حركة ليست بالبسيطة إذا ما قورنت بحركة الموظفين في القطاعات الأخرى. ما أسباب تلك التنقلات؟ هل يُعزى ذلك إلى خلل في كيفية تعامل إدارات المنشآت المالية مع ما يعرف بإدارة المكافآت Reward Management أو ربما أن ثقافة الموظفين لا تتعدى توقعاتهم السيكلوجية بقدر المكافأة والزيادة بحسب تقييمهم الشخصي لأدائهم العملي بغض النظر عن أمور مالية أخرى تابعة للأداء الكلي للمنشأة. في الواقع كلا الطرفين يشترك في وجود تلك التحركات وأخص بالذات إدارات الموارد البشرية في القطاع الخاص عامة و القطاع المالي خاصة.
على ما يبدو أنه لا يوجد في المنشآت أنظمة واضحة وصريحة فيما يخص وضع الأهداف السنوية, التقييم والمكافآت للموظفين أو بالأحرى يمكن أن تكون موجودة ولكن يعمل بها في بداية السنة في ما يخص وضع الأهداف الكمية و الأهداف النوعية Quantative and Qualitative Goals للموظف, وبالتالي يدأب الموظف للوصول إلى تلك الأهداف أو الوصول لأكثر من تلك الأهداف لإرضاء المدير و الإدارة. أحيانا تأتي المكافآت والزيادات مغايرة لتوقعات الموظف الذي اجتهد للوصول لتلك الأهداف مما يؤدي إلى حالة إحباط وهبوط معدل الأداء العملي وبالتالي التفكير في ترك المنشأة لاعتقاده أن هناك منشآت أخرى ستقدر عمله أكثر من المنشأة الحالية. وهنا تبدأ معاناة مدراء الإدارات بمحاولة التأثير في الموظف بالعدول عن ترك المنشأة وعادة ما يكون ذلك التأثير عن طريق الوعود على أن السنة المقبلة سيتم تعويضه, وفي هذه يمكن أن يصيب المدير و ممكن أن يخيب, وإذا تكرر السيناريو نفسه في السنة التي تليها, تتحول حالة الإحباط إلى حالة حقد ويتأكد بذلك خروج الموظف من المنشأة بعد أن قامت بتدريبه على رأس العمل و المعاهد وإطلاعه على بعض أسرار المنشأة العملية.
هنا تأتي مسؤولية إدارات الموارد البشرية في التعريف بنظام وضع الأهداف السنوية Performance Appraisal للموظف والإداري على السواء. حيث إن الدارج والمتبع في المنشآت المالية أن يكون النظام سنوياً أي يتم وضع الأهداف في بداية السنة و تتم مراجعتها آخر السنة أو خلال الربع الأول من السنة التي تليها. مع أن هذا النظام أثبت أن يكون أكثر نجاحا وتأثيرا إذا تمت مراجعة الأهداف ومقارنتها بأداء الموظف بصفة ربع سنوية أو نصف سنوية, ولنكون عادلين هنا, يوجد بعض المنشآت التي لا تتعدى حفنة الأصابع ممن يطبقون النظام بصفة ربع أو نصف سنوية.
فوائد مراجعة الأداء بصفة ربع سنوية كثيرة, منها مواجهة الموظف إذا كان هناك تقصير في أدائه في بعض المهام المتفق عليها مسبقا وبالتالي تعديل مسار الأداء ليتمكن الموظف من معرفة نقاط الضعف ومن ثم العمل على تحسين أدائه فيها. إذا كان مدير الإدارة في تواصل مستمر مع الإدارة العليا للمنشأة وعلى علم بالتغيرات الاستراتيجية للمنشأة بحسب اجتماعات مجلس الإدارة الربع سنوي و التوصيات الناتجة عن تلك الاجتماعات, يقوم الإداري بوضع الموظفين في الصورة عن فحوى تلك التوصيات مما يعمل على تخفيف الآثار المتوقعة من جراء التوصيات على نفسية الموظف وبالتالي لا تكون هناك مفاجآت عند التقييم النهائي وتقدير المكافآت والزيادات السنوية.
إن أكثر سبب في رأيي لحركة الموظفين الدائمة بين منشآت القطاع المالي غياب النظام الصريح للمكافآت المالية السنوية وتحويرها تدريجيا لتصبح مكافآت الإدارة العليا Management Bonus في حين أنها يجب أن تكون مكافآت الأداء المتميز Performance Bonus وبالتالي أصبحت المكافآت عبارة عن مبالغ مقتطعة أو شرهات ليس لها أساس علمي أو نظام إداري, وعادة ما تحسب على أساس المبلغ الذي أعطي للموظف السنة الماضية بغض النظر إذا كان هناك تحسن أو هبوط في أداء الموظف. هذه المنهجية تجعل توقعات الموظف دائما محسوبة على أنه سيكافأ بالمبلغ نفسه الذي كوفئ به السنة الماضية على أقل تقدير دون النظر إلى أدائه العملي أو التغيرات الاقتصادية الدائرة حوله, بالتالي أي مبلغ يقل عن توقعاته الشخصية يؤدي إلى عملية الإحباط ومحاولة ترك المنشأة.
يكاد بعض المديرين التنفيذيين للمنشآت المالية أن يجزموا بأن رحيل الكفاءات الجيدة و الممتازة لا يؤثر في عمليات المنشأة, لكن أثبتت دراسات تعرف بأهمية الإبقاء على الموظفين Employee Retention Importance عكس ذلك, بل اختصت بذلك القطاع المالي بالتأثير العكسي المباشر. لذلك شرعت بعض المنشآت باستحداث ما يعرف بمكافئة البقاء في المنشأة Retention Bonus ووضعت بذلك شروطاً تعجيزية للموظف لمحافظته على هذه المكافئة. لم يمنع هذا بعض الموظفين من الحركة, حيث إن المنشآت المتلقية تدفع المبلغ الباقي مقدما للموظف.
بقي أن أدعو جميع مديري الأقسام والإدارات إلى أن يتقوا الله في موظفيهم وقراراتهم, وينتبهوا إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي