استراتيجية الغذاء .. أين وصلنا؟

منذ نحو عامين تقريباً (في 30/4/1429هـ) صدرت عن مجلس الوزراء قرارات مهمة فيما يخص استراتيجية المملكة لتأمين ما تحتاج إليه من مواد غذائية رئيسة على المدى الطويل وخطواتها. من بين تلك الخطوات دراسة إنشاء شركة قابضة بين القطاعين العام والخاص للتطوير والتشغيل والاستثمار الزراعي والحيواني في الدول الأخرى، وعلى مسار مواز تحفيز رجال الأعمال السعوديين على الاستثمار في تلك المجالات من خلال توفير التسهيلات الائتمانية والتمويل الميسر عن طريق المؤسسات التمويلية العامة وكذلك من خلال تمويل مشروعات البنية التحتية المطلوبة لخدمة المواقع المخصصة للاستثمارات السعودية.
كما تضمنت قرارات المجلس تكليف وزارة الخارجية إعداد صياغة نموذجية لاتفاقية إطارية بشأن الاستثمارات السعودية الخارجية في المجالات الزراعية والثروة الحيوانية والسمكية بحيث تضمن توفير الحوافز والضمانات اللازمة لتلك الاستثمارات . كما جاء في تلك القرارات تكليف وزارة المالية ووزارة الزراعة وضع آلية تنظم التعاقد مع الشركات السعودية المستثمرة في الدول الأخرى لشراء منتجاتها المرتبطة بالأمن الغذائي السعـودي. ثم هناك قرار آخر مهم يقضي بدعم قدرات وزارة التجارة والصناعة للاضطلاع بالدور المنتظر منها في تنظيم السوق المحلية وتفعيل الأنظمة ذات العلاقة في مجالات المنافسة ، البيانات التجارية ، ومكافحة الغش التجاري.
وعلى الرغم من أهمية الملف و ارتباطه بمعيشة المواطن يبدو أن هناك شحا واضحا في المعلومات عما تم إحرازه من تقدم نحو الوصول إلى الأهداف المرجوة وما قد يكون هناك من عقبات أو غيرها لم تكن في الحسبان. إذ كنا نتطلع إلى تخصيص موقع إلكتروني مستقل لتلك المبادرة الاستراتيجية العملاقة تبسط فيه كافة المعلومات المتوافرة عن البرنامج كأسماء الشركات المشاركة فيه، مواقع مشاريعها، أنواع محاصيلها وحجم إنتاجها، التواريخ المتوقعة للإنتاج، والتمويل الذي قدمته الحكومة لها، وغير ذلك من معلومات يفترض أن تكون متاحة للاطلاع العام. وفي ذلك السياق تجدر الإشارة إلى التقرير الموجز الذي نشرته جريدة «الوطن» يوم الأربعاء الماضي عن بعض من تلك المشاريع في كل من إثيوبيا والسودان.
ولعل من اللافت للنظر في القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء قبل عامين التوكيد على ترسيخ مبدأ المنافسة في البرنامج بتشجيع أكبر عدد من رجال الأعمال و الشركات للمشاركة فيه وألا يتم التركيز على دولة واحدة فقط لاحتضان استثمارات المملكة في المجالات الزراعية والحيوانية. وكنت قد أشرت في مقالة سابقة نشرتها «الاقتصادية» بتاريخ 16/4/1429هـ إلى أهمية توزيع تلك الاستثمارات المرتقبة على نطاق جغرافي واسع في مناطق مختلفة من المعمورة لتقليص الأضرار المحتملة من عدم الاستقرار في بعض الدول النامية الغنية بالمياه، أو التغيرات في المناخ من جفاف وغيره . كما ذكرت في تلك المقالة آلية أخرى لتقليل مخاطر الاستثمار في الدول النامية بتوسعة قاعدة الملاك من خلال إشراك دول أخرى ومؤسسات دولية.
هناك آلية قد يحسن ضمها أيضا للخيارات المتاحة في تأمين إمدادات غذائية موثوقة. ذلك أن وجود استثمارات زراعية بعيدة جغرافيا عن المملكة قد يجعل من الصعب الاعتماد عليها في كل الأوقات ، ليس لأسباب سياسية فحسب، بل قد تبرز بشكل مفاجئ، لا سمح الله، عوائق لوجستية في وسائل وخطوط النقل أو كوارث طبيعية تحول دون الوصول إليها. في تلك الأحوال يتحتم البحث بشكل عاجل عن مصادر أخرى للإمدادات الغذائية وهو أمر قد يتعثر تحقيقه في وقت مناسب و بتكلفة مناسبة. ومن ثم يدعونا ذلك الاحتمال للتفكير من الآن للمشاركة في ملكية الشركات المتخصصة في تجارة نقل و توزيع المحاصيل الزراعية في الأسواق العالمية. تلك الشركات لا تعمل في الزراعة، بل ينحصر نشاطها في شراء المحاصيل من المزارعين، تجميع تلك المحاصيل و تخزينها في مواقع عدة حول العالم ثم توزيعها على مراكز الاستهلاك. واللطيف في هذه الحلقة من سلسلة الأمن الغذائي أن أربع شركات فقط تسيطر على حوالي 80 في المائة من السوق العالمية في تلك التجارة.
إن الإمكانات المالية المتاحة للمملكة اليوم تشكل فرصة جيدة لدراسة جدوى المشاركة في بعض من تلك الشركات العملاقة بحصص مؤثرة تسمح لها بخيارات جغرافية وسياسية واسعة من المصادر لتأمين ما تحتاج إليه من محاصيل زراعية رئيسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي