قراءة في تقرير صندوق النقد الدولي حول قطر
يمتاز التقرير الأخير الذي أصدره صندوق النقد الدولي حول قطر بكثير من الصدقية, حيث يشيد بالنمو الاقتصادي من جهة ويحذر من تصاعد حجم الدين العام من جهة أخرى, يندرج التقرير في إطار مشاورات المادة الرابعة ويركز على واقع وآفاق الاقتصاد القطري حتى نهاية 2010.
من جملة الأمور المثيرة، يتوقع التقرير أن يرتفع متوسط سعر النفط من 61 دولارا للبرميل في 2009 إلى أكثر من 75 دولارا للبرميل في 2010. وربما هذا يفسر توقع التقرير حدوث نقلة نوعية في النفقات الحكومية, خصوصا على مشاريع البنية التحتية مثل شبكة الطرق والقطارات والحيوية. حقيقة القول، تعد العائدات النفطية جوهرية بالنسبة إلى الاقتصاد القطري فيما يخص دخل الخزانة العامة والصادرات والناتج المحلي الإجمالي.
النمو الاقتصادي
فيما يخص النمو الاقتصادي، يتوقع التقرير الذي يندرج في إطار مشاورات المادة الرابعة أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي القطري نموا فعليا قدره 18.5 في المائة. بالمقارنة، حقق الاقتصاد القطري نموا حقيقيا قدره 9 في المائة في 2009 فضلا عن 15 في المائة 2008. لا شك أن تراجع النمو في 2009 كان نموا متوقعا على خلفية تداعيات الأزمة المالية العالمية. بيد أن اللافت في الأمر هو القفزة النوعية لمستوى النمو في 2010 الذي ربما يعكس سرعة تنفيذ بعض المشاريع الحيوية خلال السنة الجارية. تميز عام 2009 بالحذر الشديد نظرا لعدم وضوح الرؤية بالنسبة إلى اتجاهات الاقتصاد العالمي, الأمر الذي تسبب في تأجيل تنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية.
وفي كل الأحوال، يخشى أن يتسبب النمو الاقتصادي السريع نسبيا في عودة شبح التضخم للاقتصاد القطري الذي كان قد عانى هذه الظاهرة السلبية بشكل لافت في 2007. وقتها فاق التضخم في قطر حاجز 15 في المائة في ظل معضلة استيراد التضخم, وذلك على خلفية تدني قيمة الدولار مقابل ارتفاع أسعار الواردات نظرا لارتفاع متوسط أسعار النفط.
القطاع النفطي
ويبدو جليا أن صندوق النقد الدولي يربط توقعه الإيجابي بالنسبة إلى أداء الاقتصاد القطري بالتطورات الحاصلة في القطاع النفطي بشكل. حقيقة القول، تعد قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم بعد أن نجحت في تخطي إندونيسيا في السنوات القليلة الماضية. يبلغ حجم الإنتاج نحو 54 مليون طن متري في السنة ومن المتوقع أن يصل إلى 77 مليون طن متري سنويا مع حلول عام 2012. تمتلك قطر 14 في المائة من المخزون المكتشف للغاز ما يعني حلولها في المرتبة الثالثة بعد كل من روسيا وإيران فيما يخص ثالث أكبر مخزون للغاز الطبيعي على مستوى العالم بعد روسيا وإيران من حيث حجم الاحتياطي.
كما يؤكد التقرير أن عائدات الغاز ستشكل 53 في المائة من مجموع الصادرات في عام 2010 التي من المتوقع أن تبلغ 67 مليار دولار. في المقابل، يتوقع أن تشكل مبيعات النفط ومشتقاته أقل من 38 في المائة من قيمة الصادرات.
تصاعد الدين العام
من جهة أخرى، يقدم التقرير توصيات محددة لمواجهة بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد القطري, خصوصا تصاعد وتيرة الدين العام. يتوقع التقرير أن يبلغ مستوى الدين العام الحكومي 15.7 مليار دولار في 2010 مقارنة بـ 13.7 مليار دولار في 2009 و6.1 مليار دولار في 2008.
وعلى هذا الأساس، يشكل الدين العام الحكومي 14.4 في المائة و16.6 في المائة و6.1 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي في 2010 و2009 و2008 على التوالي. ومرد تدني النسبة المئوية للدين الحكومي سرعة النمو الاقتصادي المتوقع في 2010.
والأهم من ذلك، يتوقع تقرير صندوق النقد الدولي أن يرتفع مستوى الدين العام بما في ذلك ديون شركات القطاع العام ودون التزامات البنوك من 35.4 مليار دولار في 2008 إلى 50.9 مليار دولار في 2009 ومن ثم إلى 67.4 مليار دولار في 2010. يتمثل الجانب الإيجابي في هذا التطور بقدرة الجهات الرسمية والمؤسسات المملوكة وشبه المملوكة للدولة في الحصول على أموال ضخمة في ظروف غير عادية من قبيل حصول الحكومة على عشرة مليارات دولار عن طريق إصدار سندات.
هيئة لمراقبة الدين العام
يتوقع التقرير أن يبلغ حجم الاقتصاد القطري نحو 108 مليارات دولار في عام 2010, ما يعني أن الدين العام الملزم بالنسبة إلى الحكومة سيكون في حدود 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. بدورنا نتفق مع توصية التقرير الداعي إلى تشكيل هيئة لمراقبة الدين العام الحكومي لأنها تأتي في الوقت المناسب, وتحديدا ارتفاع وتيرة الدين العام. كما تكتسب هذه التوصية أهمية خاصة في أعقاب أزمة مديونية دبي التي كشفت عن ضعف أجهزة الرقابة على التسهيلات المقدمة للمؤسسات المملوكة للدولة.
ختاما تمكن الاقتصاد القطري في السنوات القليلة الماضية من تحقيق نتائج متميزة بدليل حلول قطر في مركز الريادة في العالم في مجال تصدير الغاز الطبيعي المسال.