السيول في السعودية ومصر والتغير المناخـــي

في الشهر الماضي اجتاحت مياه السيول وديان محافظة جدة وأحدثت أضراراً مؤثرة في البنية الأساسية والمنشآت الخاصة في المحافظة قُدرت بملايين الريالات السعودية، ومن العجب أن تكون تلك الأحداث المؤسفة متزامنة مع اجتياح مياه السيول وديانا في أسوان في أقصى جنوب مصر ووديان العريش في شبه جزيرة سيناء، وأحدثت أيضاً دماراً عنيفاً قُدر بملايين الجنيهات المصرية.
وكلا الحدثين يعدان كارثة مائية غير متوقعة بكل المقاييس أثارت تساؤلا مشروعا لدى العامة والمتخصصين على السواء:
هل هناك علاقة ما تربط بين هطول الأمطار الغزيرة التي أدت إلى السيول الجارفة وما يقال عن تعرض الكرة الأرضية حاليا لتغيرات مناخية؟!
بداية نشير إلى أن المنطقة العربية التي تضم الصحراء الغربية في مصر والجزيرة العربية وبادية الشام, التي تتسم بالجفاف, تعرضت منذ الألفية السابعة قبل الميلاد لدورات مناخية متباينة، كان بعض هذه الدورات جليدية في مناخ رطب غزير المطر والبعض الآخر في مناخ جاف شديد الحرارة مع ندرة في هطول الأمطار، والنتيجة كانت إعادة رسم تضاريس الخريطة الجيولوجية وتحديد أحواض الأودية ومسارات مياه الأمطار، وهذه حقيقة يعرفها تماماً أي دارس لجيولوجية المنطقة. ومن ثم فإن التغير المناخي حتى إن كان مفاجئا ظاهرة طبيعية عبر التاريخ ، ويعزو تغير المناخ إما إلى عمليات داخلية في باطن الأرض نتيجة الثورات البركانية المتفجرة، وإما إلى تأثيرات خارجية في الغلاف الجوي المحيط بسبب تأثير البقع الشمسية، ويتم في فترات متطاولة تدوم عموماً لعقود أو فترات أطول من ذلك طبقاً لمدى وحجم التأثير. وأثبتت الدراسات الحديثة أن مصطلح تغير المناخ climate change أشمل من ذلك، حيث يمكن تحديده عن طريق اختبارات إحصائية ـ على سبيل المثال ـ من معرفة التغيرات في متوسط خصائصه و/أو تقلبها، وقد تكون طبيعية أو بشرية المنشأ، أي بسبب النشاط البشري الذي يغير مكونات الغلاف الجوي.
تجدر الإشارة إلى أن تأثير النشاط البشري ظهر بوضوح مع بداية عصر النهضة الصناعية في أوائل القرن التاسع عشر، وما تبع ذلك من التوسع في استخدامات الفحم والنفط للصناعة والنقل وتوليد الكهرباء وما إليها. وصاحبت ذلك زيادة تركيزات الغازات الدفيئة التي تشمل بصفة عامة غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود، وغاز الميثان الناتج عن النفايات، وأكاسيد النيروز الناتجة عن المخصبات الزراعية وغيرها، ما نتج عنه اختلال التوازن بين طاقة الإشعاع الشمسي القادمة إلى الأرض مع الإشعاع الأرضي الخارج منها، وهذا بدوره يؤدي إلى اختلافات في هطل الأمطار في عديد من المناطق المناخية وتعرض البعض للجفاف والبعض الآخر لزيادة في معدلات الأمطار التي تؤدي إلى فيضانات وسيول وتآكل لتربة وأنماط بيئية غير مألوفة. وفي هذا السياق ربما يكون من المناسب التذكير بإعصار “جونو”, الذي ضرب عمان والثلوج التي غطت مرتفعات الإمارات والمملكة والأردن عام 2004، والبَرد الذي سقط على أرض الجزيرة العربية عام 2007 وبلغ حجم الحبة ما يعادل كرة التنس. وتشير أحدث التقارير الصادرة من المركز العالمي لمناخيات الهطول GPCC والشبكة العالمية للمناخات التاريخية GHCN إلى أن معدلات هطول الأمطار على الأرض خلال القرن العشرين ازدادت بصفة خاصة في المناطق الواقعة في نصف الكرة الشمالي، وترجح تلك التقارير أن هذا الهطول يتحكم فيه توافر بخار الماء بعد أن تم رصد زيادة في محتوى بخار الماء في طبقة التربوسفير، وزيادة عمود بخار الماء فوق المحيطات العالمية بنحو 1 في المائة خلال العقود الأخيرة. كما وضعت التقارير مجموعة إسقاطات للمناخ لقياس معدلات التبخر والهطول للقرن الحادي والعشرين تتوقع زيادات في معدلات الهطول السنوية تتجاوز 20 في المائة في معظم خطوط العرض العليا. ورجحت أيضاً وجود ظواهر هطول مفاجئة Abrupt في عديد من المناطق تقابلها زيادة في فترات أيام الجفاف شديدة الحرارة. ما يعني وجود علاقة تبادلية بين التغير المناخي, والمياه ذات صفة دولية وليست محلية لا يمكن تجاهلها حالياً أو في المستقبل القريب أو البعيد. وإذا كان الأمر كذلك، فإن من الضروري أن نستعد مسبقاً في منطقتنا العربية لأي كارثة مصاحبة لهذا التغير المناخي ـ حتى إن كانت مفاجئة ـ ليس بطريقة الفعل ورد الفعل بل بأساليب واقعية وشفافية تأخذ في اعتبارها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وأن توضع مجموعة من الآليات والتدابير اللازمة للتكيف مع المتغيرات المتوقعة لهذه الظاهرة. إن المياه نعمة من الله للإنسان لا بد من المحافظة عليها وتنميتها خاصة في المنطقة العربية التي تعاني شحا في مواردها المائية المتجددة ومن ثم فإن من الضروري الاستفادة من مستجمعات مياه الأمطار والسيول وإقامة سدود تخزينية باعتبارها موارد قابلة للاستغلال، ويمكن إعادة حقنها في باطن الأرض أو سدود تحويلية على نقاط منابع الوديان للحد من سرعة سريانها .. وفي هذا المجال لا بد من تعاون جميع الأجهزة المعنية لإعادة رسم مسارات الأودية (الجافة) وتحديد أبعاد أحواض تصريفها باستخدام أساليب علمية وتقنية حديثة، سواء بالطرق الأرضية أو الجوية .. كما لا بد من اعتماد الجيولوجيا الهندسية أسلوباً لإقامة أي منشآت قد تتعرض لمياه السيول والأمطار مباشرة أو غير مباشرة .
وفي الختام لا بد أن يكون لوسائل الإعلام دور في توعية المواطن في المملكة ومصر وأي جزء من الوطن العربي الكبير والتوضيح أننا جزء من نظام بيئي عالمي نؤثر ونتأثر بما يحدث حولنا من أنشطة بشرية. وأن قطع شجرة في البرازيل، وحرق الوقود في روسيا، وإقامة مصنع في الصين، ووضع مخصب في مزرعة في إيطاليا وتركيب مكيف في منزل في كندا تعني بالضرورة زيادة في معدل الاحترار العالمي Global Warming وتفعيلا لظاهرة التغير المناخي وتوقع مزيد من الكوارث المائية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي