جربوا لذة العطاء

«إنني أدعو إخواني التجار إلى أن يجربوا اللذة والمتعة العظيمة التي أشعر بها اليوم....» بهذه الكلمات العميقة المؤثرة التي خرجت من سويداء قلبه هز معالي الدكتور ناصر الرشيد قلوب الحضور في حفل افتتاح كرسي الأبحاث الجزيئية لأمراض العيون في جامعة الملك سعود الأسبوع المنصرم. هذا الرجل الذي تبرع حتى الآن بخمسة وعشرين مليون ريال لبرامج كراسي البحث بجامعة الملك سعود ممولا أربعة كراسي دفعة واحدة من دون تردد. هذا الرجل النبيل وأثناء شرح القائمين على كرسي الأبحاث الجزيئية لأمراض العيون لما تم من إنشاء معامل متقدمة، ونشر عشرين ورقة علمية حتى الآن في أرقى المجلات العالمية، وبعدما استمع إلى شرح علماء في جامعة الملك سعود وجامعات مرموقة أخرى حضروا هذه المناسبة، وللنتائج الرائعة التي بدأت إرهاصاتها تظهر، وعندما أدرك بحسه العالي المستقبل الواعد الذي ينتظر هذا المشروع، رفع تبرعه لهذا الكرسي بالذات من خمسة ملايين إلى عشرة ملايين، هكذا دون تردد كأنها خمسة ريالات وليست خمسة ملايين!
في تلك اللحظة المؤثرة، استنشق الحاضرون أريج ذلك العطاء، وكيف يمكن من خلال دعم مالي لبحث علمي أن نمد يد المساعدة إلى مئات الآلاف من المرضى المصابين بضعف البصر أو العمى بسبب اختلال الشبكية الناتج عن مرض السكري في هذه البلاد (التي فيها أحد أكبر نسب الإصابة بمرض السكري في العالم) ولفائدة المرضى في كل أنحاء العالم ولتطوير العلم، ولدعم باحثين مجتهدين مخلصين مثل أعضاء الفريق العلمي الذين كانوا ينتظرون هذه اللحظة منذ زمن، ولتسهيل الطريق أمام طالبين أحدهما قدم الحفل وآخر شارك في الشرح على الأجهزة المتقدمة في مركز الأبحاث الذي يدشن وقد حاز كلاهما فرصا تدريبية عالية الجودة بسبب لمحة ذكية من مدير الجامعة ومن الدكتور الرشيد في تقديم هؤلاء الطلاب إلى أحد الخبراء العالميين الذي قبلهم للتدرب عنده على الفور. إنها بركة عجيبة وضعها الله فتوالت الثمرات.
وبادلت الجامعة الرجل الإبداع بإبداع، واستجابت للمحاته التجديدية بلمحات تجديدية حين أعلن معالي مدير الجامعة أن هذه الأموال كلها ستستثمر ضمن برنامج أوقاف الجامعة الذي تم جمع ما يزيد على مليار ريال له حتى الآن .
إن الانتقال من ثقافة تتطلب موافقة مجلس الجامعة على قبول تبرع مئة ألف ريال يتبرع بها ثري (وهو ما كان يحدث بالفعل) إلى ثقافة يلتحم فيها المجتمع بالجامعة ويتفاعل معها مبهرا بحق، حيث رأى الناس عن قرب النتائج الرائعة لتبرعاتهم في صنع مستقبل جديد لبلادنا يعتمد على اقتصاد المعرفة. لقد كانت الطاقة الإيجابية الجميلة تشع في كل أرجاء ذلك المكان ذلك اليوم، مما جعل كل الحاضرين يخرجون بحق في حالة نشوة روحانية كبيرة.
كم نحن بحاجة إلى مثل هذه المناسبات التي هي من ثمار فكر صائب، وقيادة إدارية موفقة، وتبرع إنسان كريم، وفكر وعمل أساتذة مبدعين وطلاب واعدين.
وكم نحن بحاجة إلى تفعيل معان إسلامية خالدة في ديننا العظيم مثل الإنفاق في وجوه الخير المتعدي، والصدقة الجارية، والخدمة المجتمعية، والوقف، وغيرها في مواجهة مشكلات عصرنا وتحديات مستقبلنا.
ولكنا قبل ذلك وبعده بحاجة ماسة إلى إنسان نبيل جواد من أمثال الدكتور ناصر الرشيد الذي يعد بحق من مؤسسي ثقافة جديدة في العمل الخيري في المملكة منذ أكثر من عشرين سنة، الرجل الذي ما عانى في حياته من شيء هو أو أفراد أسرته إلا حول ذلك إلى فرصة عطاء يحاول من خلالها تخفيف المعاناة عن شخص آخر. وما عند الله خير وأبقى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي