إيران إما الحرب أو العقوبات القاسية!!

ما لم تتراجع طهران عن سياساتها المتشنجة أو لم تظهر في الأفق قنوات اتصال وتفاهم سرية مع واشنطن وصفقات كبيرة واستراتيجية حول الملف النووي والمصالح الاقتصادية، فإن كل المعطيات تشير إلى أن أمريكا ماضية والمجتمع الدولي قدما لتعزيز وإحكام الحصار الاقتصادي على إيران، وربما يتطور الأمر إلى الضربات العسكرية.
من يقرأ بيان زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور الديمقراطي هاري ريد الذي أكد فيه «أن الولايات المتحدة جادة في منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، وأن مشروع القانون سيفرض عقوبات جديدة على قطاع تكرير البترول ويشدد من العقوبات الأمريكية المفروضة بالفعل وذلك لخلق ضغط جديد على النظام الإيراني والمساعدة في منع إيران من امتلاك سلاح نووي فإنه يتأكد له أن الحصار والحرب على إيران باتت الشغل الشاغل للكونجرس الأمريكي ولمراكز الدراسات الأمريكية.
وبحسب ريد فإن أهم نقاط مشروع القانون الذي سيقره مجلس الشيوخ تتمثل في فرض عقوبات على الشركات التي تمد خطوط أنابيب النفط والغاز في إيران وتوفر الناقلات لنقل نفط إيران، ومنع الحكومة الأمريكية من شراء السلع من شركات أجنبية تتعامل مع قطاع الطاقة الإيراني، وفرض حظر واسع النطاق على الواردات المباشرة من إيران للولايات المتحدة وصادرات الولايات المتحدة لإيران، مع إعفاء الأغذية والأدوية، ومطالبة إدارة الرئيس باراك أوباما بتجميد أصول إيرانيين، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني، ممن لهم نشاط في انتشار الأسلحة أو الإرهاب .والسماح لحكومات الولايات والحكومات المحلية ومديري صناديق الاستثمار الخاص بالابتعاد بسهولة عن مؤسسات الطاقة التي تتعامل مع إيران، وتعزيز مراقبة الصادرات، لمنع تصدير تكنولوجيا حساسة من خلال السوق السوداء لإيران عن طريق دول أخرى، وفرض شروط صارمة جديدة للترخيص على من يرفضون التعاون.
بالطبع من يتابع وسائل الإعلام الأمريكية ومراكز الدراسات والبحوث سيجد كما هائلا من الدراسات التي تستهدف إيران وتتحدث عن ضربة عسكرية وحصار اقتصادي وضربة عسكرية إسرائيلية وردة الفعل الإيرانية والخليجية والأمريكية، وهذا بالطبع كفيل بالقول إن مراجل الحرب على إيران قد بدأت فعلا، ولن تصمت إلا إذا حدث هناك تغير في إيران أو في السياسة الإيرانية، خاصة أن أحاديث بدأت في فرنسا تؤكد رفض الجيش السياسة الحكومية في التعامل والملف النووي وعدم استثمار الفرص الدبلوماسية المتاحة.
الوزيرة هيلاري كلينتون جاءت إلى دول مجلس التعاون الخليجي وفي جعبتها ثلاثة أهداف رئيسه هدفان أساسيان الأول الحصول على موقف خليجي موحد من الحصار الاقتصادي على إيران، وبالطبع فإن صدور قرار دولي بهذا الشأن سيكون ملزما لهذه الدول والأمر الثاني إحداث تغيير في الموقف الصيني بلي ذراعها الاقتصادية عبر دول الخليج خاصة أن الإدارة الأمريكية حصلت على موافقات أعضاء مجلس الأمن الدولي ما عدا الصين التي تنتظر والتي تحاول الاستفادة أقصى ما يمكن من الموضوع الإيراني والخروج من المولد بالنفط والاستثمارات.
أما ثالث الأهداف غير المباشرة، فوزيرة الخارجية تعلم أن للسعودية موقفا مضادا للحرب وهي من رفض دعوة الإدارة الأمريكية السابقة لمثل هذا الموقف، وأن الرياض ربطت أي سياسة إقليمية مرهونة بحدوث تحسن كبير على أجندة السلام أولا مع إسرائيل، ورفضت اعتبار إيران هي العدو الأول في المنطقة، ما دعا كلينتون التأكيد في الدوحة على أهمية المبادرة العربية للسلام التي قالت السعودية إنها لن تبقى طويلا على الطاولة، وأكدت الوزيرة خيبة الأمل الأمريكية من عدم وجود تقدم في هذا الجانب.
وزيرة الخارجية الأمريكية حاولت ترهيب دول المنطقة والقول إن أهداف إيران أبعد من سلاح نووي، وأن لها أهداف إقليمية، وقالت إن إسرائيل لن تنتظر كثيرا، ونتينياهو قال التنسيق مع أمريكا مستمر لكن إذا تعلق الأمر بالأمن القومي الإسرائيلي فإن إسرائيل لن تستشير أحد، بمعنى على الخليج الاختيار إما العقوبات الحادة والقاسية وإما حرب إقليمية شاملة.
من جهتها إيران تعرف جيدا أن هناك محاولات انفتاح أمريكية على سوريا بهدف سحب ورقتي حماس وحزب الله أو تعطيل فاعليتهما، بينما حزب الله يهدد أن ضربت الضاحية سنضرب تل أبيب وأسلحتنا هذه المرة أكثر قوة وتأثيرا من السابق، وخالد مشعل قال في طهران إن كل القوى الإسلامية مع إيران حال تعرضها لضربة عسكرية، فيما تنشر واشنطن دروعها الصاروخية على أبواب الخليج، وتستعرض إيران قوتها العسكرية وتهدد بإغلاق مضيق هرمز وتعتبر دول الخليج هذا الإجراء إعلان حرب، فيما يعلن الروس تأخير تسليم الدرع الصاروخي لطهران.
أمريكا لديها قناعة بأن دول الخليج ستنفذ القرار الدولي بالحصار الاقتصادي على إيران، وأنها لن تكون أداة للحرب على إيران، وإن كانت هناك ثمة خلافات كبيرة مع طهران، وهي على قناعة تامة بأن التشابك الاقتصادي الخليجي مع طهران كبير، وهذا بالطبع سيؤثر في الاقتصادات الخليجية، لكن ليس من الممكن أن تمارس دول الخليج ضغطا على الصين لتغيير موقفها من العقوبات الاقتصادية، فالمصالح المشتركة كبيرة واستراتيجية ودول الخليج لا تتعامل مع دولة صغيرة بل دولة ذات وزن رئيس في العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية، لكن هذا لن يمنع من حوار خليجي صيني حول الموقف من إيران.
على الطرف الآخر تمارس تركيا دور التهدئة الدبلوماسية مع إيران والوساطة مع أمريكا لتجنب حرب ممكن أن تقع وتعمل على إبعاد نفسها عن أن تكون في المواجهة والمجتمع الدولي مع إيران، في الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل على ممارسة ضغوط كبيرة على القيادة الروسية لوقف الدعم التسليحي لطهران والموافقة على العقوبات الاقتصادية، وتل أبيب تناور على إمكانيتها دعم الرئيس بوتين المتوقع ترشحه للرئاسة الروسية القادمة عبر اللوبي اليهودي في روسيا.
الصراع والتعاون الدولي ليست مبادئ فقط يمكن اللجوء إليها وليست نظريات في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بل واقع اقتصادي ومصالح ومنافع متبادلة واستراتيجية وعليها تقرأ سياسات الدول وفقا لحركة مصالحها ومستقبل هذا الحراك ومصادر تأمين هذه المصالح والمنافع من أي طرف كان كي تتحول السياسات وتتغير لكن المصالح وحدها ثابتة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي