شح السيولة يقود الشركات إلى «الصكوك المشبوهة»
كشف خبير مصرفي تحديا برز أخيراً يواجه الشركات يتعلق بطرح سندات في ظاهرها إسلامية، ولكنها في تركيبتها الحقيقية عكس ذلك – تقليدية - بالنظر إلى شح السيولة الذي تواجهه الشركات خاصة العقارية منها، مؤكداً أن ذلك قد يدخل تلك المنشآت في «نفق مظلم». وقال لـ «الاقتصادية» مطشر المرشد الخبير المصرفي إن تلك السندات توهم المستثمرين بأنها إسلامية، وبالتالي يندفع المستثمرون إليها ويتعرضون لمخاطر إفلاس الشركة.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
تمويل مشاريع الشركات بالسندات والصكوك الإسلامية أخذ منعطفاً خطيراً بعد الأزمات التي مرت بها الشركات المصدرة والذي كشف عن وجود خلل هيكلي في تلك الأدوات، في الوقت الذي تتعرض فيه وكالات التصنيف إلى مشروع «فك ارتباط» مع الشركات خصوصاً الخليجية بالنظر إلى «مأزق الشفافية» وتخفيض التصنيفات الائتمانية لتلك الشركات بالنظر إلى عدم الوفاء بالدين.
كشف خبير مصرفي عن تحد برز أخيراً يواجه الشركات يتعلق بطرح سندات في ظاهرها إسلامية، ولكنها في تركيبتها الحقيقية عكس ذلك –تقليدية- بالنظر إلى شح السيولة الذي تواجهه الشركات خاصة العقارية منها،مؤكداً أن ذلك قد يدخل تلك المنشآت في «نفق مظلم».
وقال لـ «الاقتصادية» مطشر المرشد الخبير المصرفي إن تلك السندات توهم المستثمرين بأنها إسلامية، وبالتالي يندفع المستثمرون إليها ويتعرضون لمخاطر إفلاس الشركة، في الوقت الذي من المفترض ألا يحمل المستثمرون مخاطر الشركة ككل بل الأصل الذي يحتوي عليه الصك ولا يهمهم إفلاس الشركة من عدمه.
وتابع «السندات التقليدية في طبيعتها منكشفة على الوضع الائتماني للشركة ككل وهي أدوات دين تقرض المنشأة بكامل أنشطتها وليس لنشاط محدد، أما السندات الإسلامية فتكمن مشاكلها في طبيعة عمل نشاط محدد وليس المنشأة ككل».
وأفاد المرشد أن السندات والصكوك الإسلامية التي تتسابق على إصدارها كثير من المنشآت العالمية وبالأخص العقارية هي في معظمها «غير إسلامية» وتدخل فيها الهندسة المالية للحصول على مال وجعلها تظهر بمظهر إسلامي، وأنه إذا حصل إفلاس أو تعثر للشركة تبرز عندها المشاكل لأنه حامل الصك في النهاية يملك جزءا من المشروع أو هو شريك فيه.
وأبان الخبير المصرفي أن السندات الإسلامية يجب أن تحدد النشاط الذي ترغب في تمويله وليس مجمل الأنشطة، لافتاً إلى أن ما يحدث حالياً هو إيهام للمستثمرين، وأن ذلك ينكشف عند التعثر، وبالتالي تكون هناك مرافعات وقضايا بخلاف السندات الإسلامية.
واعتبر المرشد أن الخطورة تكمن في الأساس في إحجام البنوك في منطقة الخليج والشرق الأوسط عن التمويل، وأن ذلك سيتسبب في تعميق اتجاه الشركات نحو الحصول على السيولة من خلال السندات التي هي في ظاهرها إسلامية.
وأضاف «إن استمرار إحجام إقراض الشركات سيعرضها خلال الفترة المقبلة للإفلاس، مع الأخطار الإضافية التي من المحتمل أن تنشأ من جراء ذلك».
وحول التصنيفات الائتمانية أوضح المرشد، أن تلك التصنيفات لم تساعد المستثمرين في منتصف التسعينيات، وتكرر ذلك في 2007 ، في الوقت الذي أشار فيه إلى أن عمل الوكالات جزء مهم من نشاط الشركة، إلا أنه قلل من تأثيرها الإيجابي في الشركات على وجه العموم. وتابع:»المشكلة في كثير من الشركات في الخليج هي إدارة التدفقات النقدية، ونلحظ أن كثيرا منها يفتقر إلى الفريق الذي يدير تلك التدفقات بالشكل الذي يحمي مصالح الشركة وبشكل واضح وسليم». ويأتي حديث المرشد بعد أن كشفت لـ «الاقتصادية» وكالتان للتصنيف الائتماني عن توقعهما حدوث المزيد من حالات التعثر في السندات لدى بيوت المال الإسلامية والتقليدية في الخليج، وذلك عقب الأزمة المتعلقة بمجموعة دبي العالمية، في الوقت الذي استبعدت فيه حدوث تغيير في الجدارة الائتمانية لدول منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط.
وقال محمد دمق المحلل في مؤسسة «ستاندرد آند بورز» إننا نتوقع تعثر بعض المصدرين الإسلاميين أو التقليديين».
ولم تستبعد وكالة فيتش العالمية هي الأخرى حدوث عدد من حالات التعثر وقالت على لسان متحدثها الإعلامي، بيتر فيتزباتريك، إن ذلك أمر من المحتمل حدوثه وإن الأمر يعتمد على مستويات الدعم الحكومي و حجم التدفقات النقدية و كفاءة من يديرون المؤسسة المالية».
وتأتي تلك التوقعات متزامنة مع بيئة الائتمان العالمية التي سجلت رقما قياسيا لم يسبق له مثيل في حالات التعثر العام الماضي. حيث ذكرت «ستاندرد» في مذكرة اقتصادية لها أن أعداد المؤسسات المالية التي تخلفت عن سداد ديونها قد بلغ رقما قياسيا في 2009 وذلك عندما وصلت إلى 265 شركة.
من ناحية أخرى أسهمت تبعات الأزمة المالية التي بدأت تظهر آثارها منطقة الخليج في إحداث «توتر» في العلاقة التجارية القائمة بين البنوك والمؤسسات مع وكالات التصنيف.
ومع إغلاق أسواق الدين في وجه بعض المؤسسات المالية ، فضلا عن الخسائر التشغيلية التي لحقت بهذه المؤسسات، اضطرت بعض وكالات التصنيف إلى خفض التصنيفات الائتمانية لهذه الشركات و المصارف، وذلك عبر منحها درجة استثمارية عالية المخاطر (sub-investment grades) ، حيث تصر وكالات مثل ستاندرد آند بورز على نشر ثقافة الشفافية في الخليج، حتى لو نتج عن هذا الأمر خسارة بعض عملائها. وغالبا ما تسهم مثل هذه التصنيفات في تعقيد الأمور على هذه الشركات عندما تحاول الاقتراض.
وعن أعداد الشركات الخليجية التي سحبت تصنيفاتها الائتمانية، فضلت بعض الوكالات الصمت محتجة بأن تلك المعلومات تعد معلومات تجارية وعليه فليس من مصلحتها الإفصاح عنها أمام منافسيها، إلا أن مصادر لـ «الاقتصادية» أكدت أن عدد هذه الحالات قد تجاوز تسعة حالات.
ويعد ذلك أمرا طبيعيا في منطقة تعاني صعوبة في التكيف من سياسة الإفصاح و الشفافية، التي تحاول معها تلك الوكالات نشرها بين المستثمرين الذين يستنيرون بتلك التقارير عندما يتخذون قراراتهم الاستثمارية.
التعثر في الخليج لم يصل إلى النهاية!
وفي مقابلة أجريت في الفترة الأخيرة مع زاوية داو جونز قال جان ويليم بلانتاجي، الرئيس الإقليمي للشرق الأوسط في وكالة ستاندارد آند بورز : «على مستوى الشركات، لم تصل حالات التعثر إلى نهايتها بعد. ولا تزال الأوضاع عسيرة في سوق العقارات، وكثير من الشركات لا تزال بحاجة إلى إعادة جدولة سنداتها».
معلوم أن حالات التعثر العالمية التي سجلتها «ستاندرد» في العام الجاري قد بلغ 15 حالة حتى الآن. إذن حالات التعثر لا تزال مستمرة، حتى وسط العلامات التي تشير إلى استقرار الاقتصاد، على اعتبار أن ظروف الائتمان تظل عسيرة، خصوصاً بالنسبة للسندات الخردة و الصادرة من مؤسسات ذات تصنيف ائتماني ضعيف . يذكر أن عام 2009 شهد أعلى رقم في حالات الإعسار منذ أن بدأت ستاندارد آند بورز بإعداد قوائم البيانات في عام 1981.
تخفيض التصنيف السيادي
وعما إذا كانت هناك تبعات لتعثر مؤسسات القطاع الخاص على التصنيفات السيادية للدول الخليجية، قال بلانتاجي: «لا أعتقد أنه سيكون هناك تخفيض للمرتبة الائتمانية الخاصة بالتقييم السيادي، وذلك بالنظر إلى الوضع القوي للميزانية في دول الخليج».
يذكر أن بلدان الخليج العربي، التي تضخ خُمُس كميات النفط في العالم، تتعامل مع الأزمة المالية العالمية على نحو أفضل من معظم البلدان الأخرى، حيث يبلغ سعر برميل النفط في حدود 70 دولاراً، ما يساعد على المحافظة على مستويات متواضعة من النمو.
إيقاف التعاون
منذ العام الماضي فقدت «ستاندارد آند بورز» على الأقل ستة من عملائها بعد أن خفضت التقييم الائتماني، ما جعل مرتبة بعض الشركات تنخفض لتصبح سنداتها من السندات العالية الخطورة (الخردة). وجاء تخفيض المرتبة الائتمانية في أعقاب التدهور الذي أصاب نوعية الموجودات في الشركات الخليجية، على خلفية تراجُع الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، بعد أزمة دبي العالمية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حيث إنها تعثرت في تسديد الالتزامات المستحقة على سندات لها بقيمة 26 مليار دولار. وفي الشهر الماضي أنهى بنك الإمارات دبي الوطني، وهو أكبر بنك في المنطقة من حيث الموجودات، أنهى علاقته مع وكالة ستاندارد آند بورز وسط علامات بتصاعد التوتر بين الشركات المملو كة للحكومة في الإمارات وبين وكالة التقييم الائتماني. يذكر أن 55.6 في المائة من أسهم البنك مملوكة من قبل شركة دبي الاستثمارية، وهي الذراع الاستثمارية لحكومة دبي.
وفي كانون الأول (ديسمبر) قالت وكالة ستاندارد آند بورز إنها تتوقع حدوث المزيد من التراجع خلال الأشهر المقبلة في نوعية الموجودات لدى اثنين من البنوك التابعة للإمارات، هما بنك الإمارات الدولي وبنك دبي الوطني، وربما ستتعمق الأزمة بفعل طلب التأجيل الذي تقدمت به مجموعة دبي العالمية. بعد ذلك أعلن بنك الإمارات دبي أنه قرر إيقاف الاستعانة بخدمات وكالة ستاندارد آند بورز لتقييم اثنين من البنوك التابعة له، وأنه سيستخدم ثلاث وكالات أخرى للتقييم الائتماني. جاء إعلان البنك في الأسبوع نفسه الذي قامت فيه مجموعة العمليات التجارية في دبي القابضة بإنهاء علاقتها مع «ستاندارد آند بورز» بسبب خلافات حول الشفافية.
خسارة العملاء
يذكر أن فيتش اعتذرت عن تأكيد المعلومات الخاصة بأعداد الشركات التي قررت إنهاء عقودها معها، في حين لم تستجب وكالة موديز لاتصالات «الاقتصادية» معها للمشاركة في هذا التقرير .
وعما إذا كانت «ستاندرد» على استعداد للاستمرار في سياستها الخاصة بنشر الشفافية بين الشركات التي تقيمها، حتى لو أدى ذلك إلى توتر علاقتها مع عملائها، قال بلانتاجي لـ «الاقتصادية» :»وكالة ستاندارد آند بورز لا تقلق نفسها بالآثار المترتبة على قراراتها التقييمية وأثر ذلك في (تدفق) أعمالها. كما أن المحللين لدينا يقومون بأعمالهم بصورة مستقلة، ولا يلعبون أي دور في أية مفاوضات تجارية مع جهات الإصدار. نحن نحترم آراء جهات الإصدار وأنها يمكن أن تكون مختلفة عن آرائنا من حين إلى آخر، لكننا لن نغير معايير التقييم لدينا لمجرد أن إحدى شركات الإصدار تختلف معنا. يعتمد المستثمرون على نزاهتنا واستقلالنا، ونحن نقبل حقيقة أننا ربما نخسر بعض العقود نتيجة لذلك. « وتابع:» لا تزال الشفافية موطن القلق الرئيسي في هذه المنطقة».
استباق التصنيف بإنهاء العقود
ودأبت بعض البنوك الخليجية المتأثرة بالأزمة ولاسيما تلك التي في الإمارات و البحرين إلى إجازتها بعض الخطوات الاستباقية والتي تقضي بإنهاء عقودها مع وكالات التصنيف وذلك عندما تنخفض تصنيفاتها إلى درجة متدنية.