شهادة دولية على متانة المالية السعودية

رفعت وكالة موديز لخدمات المستثمرين Moody’s Investors Services، تصنيفات المملكة العربية السعودية الخاصة بالديون السيادية، الصادرة بالعملات المحلية والأجنبية، من A1 إلى Aa3، وذلك استنادا إلى الوضع المالي القوي للحكومة، الذي استطاع أن يصمد بجدارة واقتدار أمام تقلبات أسعار النفط العالمية وتبعات الأزمة المالية العالمية.
من بين العوامل أيضاً، التي استند إليها تقييم وكالة موديز لخدمات المستثمرين في رفع التقييم الائتماني السيادي للمملكة مرونة القطاع المصرفي وقدرته على التعامل مع تبعات الأزمة المالية العالمية، مما جنب البنوك التجارية السعودية، من أن تكون عرضة للانهيار أو للإفلاس كما حدث في عديد من دول العالم، الأمر الذي انعكس إيجابياً بشكل كبير على التقييمات المالية للبنوك السعودية، حيث على سبيل المثال لا الحصر، قد رفعت الوكالة المذكورة تصنيفات الودائع بالعملات الأجنبية لمجموعة سامبا المالية والبنك السعودي الفرنسي والبنك السعودي البريطاني من الفئة A1 إلى الفئة Aa3.
القوة المالية الخارجية للمملكة أيضاً عززت من التقييم الإيجابي للوضعين المالي والائتماني السياديين للحكومة السعودية، ولاسيما أن المملكة على الرغم من انهيار أسعار النفط خلال النصف الثاني من عام 2008 بنسبة بلغت 80 في المائة، إلا أن ذلك الانخفاض لم يؤثر في وتيرة الإنفاق الحكومي الضخم، حيث قد واصلت الحكومة الإنفاق على مشاريع التنمية الحيوية في جميع مجالات الحياة، بغض النظر عن انخفاض أسعار النفط، الأمر الذي يؤكده إقرار الحكومة السعودية أضخم ميزانية عامة للعام المالي الحالي 1431/1432، حيث قد حددت النفقات العامة للميزانية بمبلغ 540 مليار ريال، وتضمنت الميزانية برامج ومشاريع جديدة ومراحل إضافية لبعض المشاريع، التي قد سبق اعتمادها بتكلفة إجمالية تزيد على 260 مليار ريال، مقارنة بتكاليف قد بلغت 225 مليار ريال بميزانية العام المالي 1430/1431، أو ما يعادل بالزيادة حوالي نسبة 16 في المائة، والذي يعد الأعلى في تاريخ المملكة العربية السعودية، وبالذات أن هذه الزيادة تمثل حوالي 3 أضعاف، ما قد تم اعتماده بالعام المالي 1425/1426، الذي يمثل السنة الأولى من خطة التنمية الثامنة.
التقييم المالي والاقتصادي المتميز للمملكة العربية السعودية، الذي منحته وكالة موديز لخدمات المستثمرين، ومنحها إياه غيرها من وكالات التصنيف العالمية يؤكد متانة الوضع الاقتصادي للمملكة، وقدرتها على التعامل مع الأزمات سواء المالية أو الاقتصادية التي تحل بالعالم بين الحين والآخر، الأمر الذي أكده معالي الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف وزير المالية في الكلمة، التي ألقاها في منتدى التنافسية الدولي الرابع، الذي انطلقت فعالياته في مدينة الرياض في 23 كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، عندما أشار إلى وزن الاقتصاد السعودي وأهميته المتزايدة على المستوى العالمي، وأنه يمثل حوالي 22 في المائة من الناتج القومي الإجمالي للدول العربية مجتمعة، وحوالي 48,5 في المائة من حجم اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مما ممكنه بفضل الله ثم بفضل السياسات الاقتصادية الحكيمة، التي سارت عليها الحكومة السعودية من التقليل من آثار تداعيات الأزمة المالية العالمية في الاقتصاد.
إن الإجراءات الداخلية، التي قامت بها حكومة المملكة العربية السعودية، التي لعل من بين أهمها وأبرزها ما أعلنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة العشرين في واشنطن عن برنامج استثماري وصل إلى أكثر من 400 مليار دولار أمريكي خلال خمس سنوات في القطاعين الحكومي والنفطي، دون أدنى شك قد أسهمت بشكل كبير في حصول المملكة العربية السعودية على التقييم المالي والائتماني السياديين من وكالة موديز لخدمات المستثمرين، ولاسيما أن تلك الإجراءات قد مكنت المملكة من استكمال المشاريع التنموية، التي أقرتها الحكومة في الميزانية العامة للأعوام المالية 2008 و2009، بالرغم من تدهور أسعار النفط العالمية وانخفاض العوائد المالية، هذا إضافة إلى أن تلك الإجراءات قد نجحت إلى حد كبير في تخفيض مستوى الدين العام للمملكة مما يتجاوز نسبته 100بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2001، إلى ما نسبته 16 في المائة هذا العام.
إن تنسيق الأدوار وتكاملها بين السياستين المالية والنقدية واتباع المملكة سياسة سعر صرف حكيمة أسهما بشكل كبير في الاستقرار الاقتصادي الذي تشهده المملكة رغم تداعيات الأزمة المالية العالمية وانخفاض أسعار النفط العالمية، كما أن ذلك قد ساعد إلى حد كبير على التحكم في معدلات التضخم، الأمر الذي يؤكده أن المملكة قد شهدت خلال الثلاثة عقود الماضية استقرارا كبيرا ونسبا منخفضة في معدلات التضخم، ما عدا خلال فترة عام مضت أو نحوها، التي سبقت الأزمة المالية العالمية، نتيجة لعوامل خارجية، ارتبطت بالتذبذبات التي تعرضت إليها قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات العالمية الأخرى من جهة، وإلى الارتفاع الذي حصل في أسعار عديد من السلع المصدرة للمملكة من الخارج من جهة أخرى.
خلاصة القول، إنه على الرغم من الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة، التي يمر بها الاقتصاد العالمي، بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، إلا أن الاقتصاد السعودي والمالية العامة للحكومة السعودية، بما في ذلك القطاع المصرفي والبيئة الاستثمارية، استطاع جميعها أن يصمد بجدارة واقتدار أمام تلك الأزمة والظروف الاقتصادية العالمية الصعبة، وذلك بشهادة دولية من جهة محايدة، المتمثلة في وكالة موديز لخدمة المستثمرين، التي قد منحت المملكة تصنيفات ائتمانية سيادية مرتفعة للغاية، وبالذات وكما أسلفت في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها معظم اقتصادات دول العالم، التي حدت بوكالات التصنيف العالمية، إلى إعادة النظر في التصنيفات المالية والائتمانية لعدد من دول العالم سواء في الغرب أو في الشرق، الأمر الذي عزز وعظم من ثقة العالم بقدرات الاقتصاد السعودي، وجعله مثلا يحتذي في التعامل مع الأزمات.
تلك التقييمات المالية والائتمانية السيادية المرتفعة، التي منحتها الوكالة المذكورة للمملكة ومنحتها إياها وكالات تصنيف مالي عالمية أخرى أتت نتاج السياسة المالية الحكيمة، التي تنتهجها الحكومة السعودية، قبل ومنذ بدء إرهاصات الأزمة المالية العالمية، مما مكنها من الاستمرار في الإنفاق على المشاريع التنموية المختلفة، وتعزيز القدرات المالية العامة للدولة، بما في ذلك تحقيق الاستقرار للقطاعين المصرفي والاستثماري على حد سواء، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي